د.نصار عبدالله يكتب: عن رحيل عونى عبدالرؤوف
يوم الجمعة الماضى 29 مايو 2020، رحل عن عالمنا العالم والباحث الجليل الدكتور عونى عبدالرؤوف عن عمر يناهز الواحد والتسعين عاما، قدم فيها إلى المكتبتين: العربية والألمانية عددًا ضخما من الدراسات والترجمات رفيعة المستوى التى أنجزها كعهده دائما فى تواضع وصمت، شأنه فى ذلك شأن الباحثين الكبار الذين كثيرا ما يفضلون على أن ينأوا بأنفسهم عن الضجيج أو الصخب الإعلامى الذى يحلو للبعض أن يطلقوه حول أنفسهم.. اسمه بالكامل (محمد عونى) سيد حسن عبدالرؤوف من مواليد أول سبتمبر عام 1929، وقد تخرج فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1951فكان واحدا من أبناء تلك الدفعة الفريدة التى ضمت عددا من الموهوبين سواء على مستوى الدراسة الأكاديمية أو فى مجال الإبداع الأدبى والذين ربطت بينهم صلة من الصداقة العميقة التى دفعتهم بعد تخرجهم إلى إنشاء جمعية أدبية حملت اسم الجمعية الأدبية المصرية، كان من أبرز وجوهها الشاعر والناقد والكاتب المسرحى: صلاح عبدالصبور، ودارس الأدب الشعبى والكاتب الروائى والرائد الإذاعى فاروق خورشيد، والكاتب القصصى ومؤلف المسلسلات الشهيرة: عبدالرحمن فهمى، والناقد المجدد عزالدين إسماعيل (الذى كانت له إسهامات فى مجال الشعر والمسرح)، والكاتب والرائد الإذاعى: السيد الغضبان، والكاتب والمترجم القدير: محمد عبدالواحد، وقد انضم إليهم كذلك مبدعون وكتاب من خريجى كليات أو أقسام أخرى غير قسم اللغة العواربية مثل عبدالغفار مكاوى (قسم الفلسفة)، أحمدحسين الصاوى (قسم الصحافة) د الدالى (قسم الوثائق والمكتبات)، ميخائيل رومان (كلية العلوم)، وغيرهم ممن أصبحوا يمثلون رأس الحربة فى حركة الإبداع والثقافة فى مصر طوال عقد الستينيات وجانب من السبعينيات من القرن الماضى، وقد شاء لى حسن الطالع أن انضم إلى الجمعية الأدبية المصرية فى أوائل الستينيات من القرن الماضى عندما كنت ما أزال طالبا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وذلك بفضل ما كانت تنشره لى مجلة الآداب البيروتية كبرى المجلات الأدبية فى ذلك الوقت حيث أتاح لى انضمامى للجمعية أن أشارك فى ندواتها وأن أصبح فيما بعد عضوا فى مجلس إدارتها جنبا إلى جنب مع حسين نصار وصلاح عبدالصبور وعزالدين إسماعيل وفاروق خورشيد وعبدالرحمن فهمى الذين انتقلوا جميعا إلى رحمة الله لكن أسماءهم مازالت ساطعة، وأعمالهم ما زالت باقية، وكذلك مع الدكتور عونى الذى أتحدث الآن عنه والذى كان آخر من فارق دنيانا من هذه المجموعة المتميزة من المبدعين والباحثين الجادين والذى لم ينل ـ ربما لإيثاره الصمت والعزلة ـ لم ينل فى وطنه ما هو جدير به من التكريم ، فرغم أنه حصل على جائزة فردريتش ريكارت من ألمانيا فى عام 1986، لم يحصل فى مصر على جائزة النيل ولا حتى على الجائزة التقديرية رغم أنه فى تصورى كان جديرا بهما بكل المقاييس منذ سنوات عديدة خلت ، وكل ما حصل عليه فى مصر هو شهادة تقدير من المدرسة الألمانية التى كان مديرا لها على مدى سنوات عديدة ، وعلى جائزة عين شمس التقديرية عام 2003، ولا أدرى لماذا لم تقم جامعة عين شمس التى كان أستاذا بها وعميدا لإحدى كلياتها لا أدرى لماذا لم تقم بترشيحه لجائزة الدولة واكتفت بمنحه جائزتها خاصة أن كثيرا من الجامعات الإقليمية مقيدة بلوائحها الخاصة وقرارات مجالسها التى أصبحت فى السنوات الأخيرة لا تجيز الترشيح لجوائز الدولة إلا للعاملين بتلك الجامعات ذاتها أولأبناء الإقليم الذى توجد به تلك الجامعات، ولعل رحيل الدكتورعونى عبدالرؤوف قبل أن يحصل على جائزة الدولة مناسبة لكى ندعو إلى إعادة النظر فى قانون الجوائز بحيث تتيح الفرصة لمن رحلوا أن يحصلوا عليها خلال مدة معينة ، ولتكن خمس سنوات مثلا أو حتى ثلاث بحيث يجوز الترشيح لتلك الجوائز أسماء من رحلوا خلال تلك المدة ، وهى مناسبة كذلك لدعوة الجامعات المختلفة لإعادة النظر فى لوائحها وقرارات مجالسها بحيث يجوز ترشيح كل مصرى ذى قيمة علمية أوإبداعية حتى لو لم يكن من أبنائها.