منال لاشين تكتب: كواليس وخناقات مناقشة قانون البنوك
سر غضب المحافظ ونائبه يتهرب من الإجابة
رئيس البرلمان يصر على إثبات تعارض المصالح فى المضبطة
رئيس جهاز المنافسة: من حقنا أن نمنع الاحتكار فى البنوك
طارق عامر صارخًا: مش عايز أسلم على محمد فؤاد ولا أعرفه
والنائب: مش ناقص غير أن المركزى يفتح سوبر ماركت
لم تكن كل كلمات الشكر والثناء والتقدير من نواب كثيرين قادرة على نزعه من حالة الغضب، حتى عندما قال له نائب: صلاح الدين يحسن اختيار سفرائه لم يضحك، استغرب البعض سر العبوس البادى على وجه محافظ البنك المركزى طارق عامر، بدا وكأن هناك حاجزًا زجاجيا بينه وبين كل النواب الموجودين فى قاعة البرلمان لمناقشة وإقرار مشروع قانون البنوك الجديد، كان سبب العبوس أن طارق عامر توقع أن ينهى المجلس إقرار القانون فى يوم أو يومين بالكثير، لأن القانون من وجهة نظره كامل الأوصاف والقواعد والمعانى، ولكن قبل الجلسة مباشرة أبلغه رئيس المجلس الدكتور على عبد العال أن المجلس سيأخذ راحته فى مناقشة وإقرار القانون المهم الحاكم للسوق المصرفية كلها.
ثانى أسباب العبوس كانت مفاجأة الدكتور على عبد العال، فقد دعا رئيس البرلمان النائب محمد فؤاد للتحدث عن ضمان عدم تعارض المصالح فى مشروع القانون، وكانت هذه الدعوة مفاجأة للكثير من النواب بمن فيهم النائب محمد فؤاد نفسه، ويبدو أن الدكتور على عبد العال أراد أن يثبت فى مضبطة الجلسة مبدأ قانونيًا دعا له النائب فؤاد، وذلك لأن المضبطة جزء من تفسير القانون، بل جزء مكمل له عند الخلاف حول أى مادة فى أى قانون، وهكذا تحدث النائب محمد فؤاد عن انطباق قواعد عدم تعارض المصالح للوزراء على محافظ البنك المركزى، لأنه يعامل فى القانون معاملة الوزراء، وبذلك يمتنع على كل أقارب المحافظ حتى الدرجة الرابعة (وليس الزوجة والأولاد فقط) امتلاك شركات لها تعامل مع المركزى، أو شركات المركزى ويمنع عليهم كل تصرف من شأنه الإضرار بالشفافية وتحقيق مكسب من وراء قرابتهم للمحافظ، وكذا الوكيلين، ولم يعلق أو يرد لا المحافظ ولا المستشار القانونى للمركزى على هذه الحقائق القانونية، والتى أصبحت الآن جزءًا من تفسير القانون وملزمة للجميع.
ولكن المحافظ طارق عامر لم يستطع أن يستمر فى العبوس فقط، بل فقد أعصابه خارج القاعة وقبيل لحظات من مغادرته المجلس، ففى مشهد مثير للدهشة فؤجى بعض النواب بالمحافظ يصرخ بصوت مسموع: أنا مش عايز أسلم على محمد فواد ولا أعرفه، وغادر المحافظ المكان بسرعة غاضبا، وكان رئيس اللجنة الاقتصادية أحمد سمير قد أراد أن يقوم بتعريف المحافظ بالنائب محمد فؤاد لأنهما لم يتقابلا من قبل، فقال سمير للمحافظ: يا معالى المحافظ مش هاتسلم على النائب محمد فؤاد، وكان النائب الدءوب قد تقدم من قبل بطلبى أحاطة لمحافظ البنك المركزى حول تعارض مصالح فى عمليات تسوية الديون المتعثرة فى البنوك، ومعلومات مهمة حول عضو مجلس إدارة البنك المركزى، وتمت الإطاحة بهذا العضو.
ومن الجلسة العامة إلى الاجتماعات السرية للجنة الاقتصادية توجد كواليس أخرى مثيرة حول القانون.
شهد أحد الاجتماعات خلافا حكوميا مع البنك المركزى، فقد دعت اللجنة رئيس جهاز تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار، ودعا الدكتور أمير نبيل إلى منح صلاحيات للجهاز على القطاع المصرفى وذلك للرصد والتحقيق فى شكاوى وحالات الممارسات الاحتكارية فى البنوك أو شركات الصرافة، واستشهد الدكتور أمير بشمول نطاق جهازه إلى شركات التأمين، ولكن نائب المحافظ جمال نجم أصر على استبعاد الجهاز كليا من الرقابة على تنظيم المنافسة بين البنوك، ورفض وكيل المحافظ أن يتعاون كل من جهاز المنافسة والمركزى فى الرقابة على البنوك فى مجال المنافسة، على أن يكون للمركزى القرار النهائى فى إحالة البنك أو شركة الصرافة للقضاء، وقد وافق أعضاء اللجنة على رأى نائب المحافظ ووافقوا على المادة كما جاءت من الحكومة.
وتجددت المواجهة بين جمال نجم والنائب محمد فؤاد أكثر من مرة أثناء مناقشة اللجنة لمشروع القانون، فقد اعترض النائب على المادة، لأنها مطاطة وغير محددة، وهذه المادة خاصة بالتصرف فى القروض الممنوحة للبنوك، وقال النائب: إن المادة ممكن تسجن كل المصريين، فاكتفى جمال نجم بضحكة وقال متعجبا: المركزى هيسجن كل المصريين، ومرة أخرى تهرب نائب المحافظ جمال نجم من أسئلة أو بالأحرى اقتراحات النائب محمد فؤاد، فقد اعترض النائب على المادة التى تمنح البنك المركزى حق إنشاء شركات، وطالب النائب فؤاد بوضع ضوابط ومحددات لهذه المادة، وسأل بعض النواب نائب المحافظ: ما الحاجة إلى إطلاق المادة لتكوين أى شركة، فتهرب جمال نجم من الإجابة، بينما رد النائب محمد فؤاد ساخرا: كده البنك المركزى هيفتح سوبر ماركت لو عايز.
وظهر خلاف ثالث بين بعض النواب بقيادة النائب محمد فؤاد وبين مؤيدى مشروع القانون، فقد سأل النائب محمد فؤاد عن إجراءات التظلم من قرارات البنك المركزى لأن مواد القانون تجعل التظلم من قرارات المحافظ أو مجلس إدارة المركزى إلى مجلس الإدارة، وأبدى النائب دهشته من أن يلعب مجلس إدارة البنك المركزى دور الخصم والحكم فى نفس الوقت، وقال النائب إننا أمام وضع شاذ وفريد، واستشهد النائب بأداة التظلم فى هيئة الرقابة المالية، فهناك لجنة يرأسها أحد نواب رئيس مجلس الدولة وعضو قضائى آخر وعضو من المجلس لنظر التظلمات من قرارات مجلس إدارة هيئة الرقابة المالية.
ولا تزال هناك أكثر من 150 مادة فى مشروع القانون منها هذه المادة ستناقش فى قاعة المجلس، وذلك ربما تكون هناك فرصة لأنهاء هذا الوضع الشاذ، وضبط بعض المواد التى تجعل سيطرة البنك المركزى أشبه بالأنظمة الديكتاتورية، فليس من المعقول أو المقبول أن يحرم المواطن أو مؤسسة من التظلم على أى قرار مؤسسى بما فى ذلك البنك المركزى، والحقيقة أنا فى غاية الدهشة من أن يكون للمواطن حق التظلم القانونى من قرار رئيس الجمهورية، ولا يكون له هذا الحق فى مواجهة محافظ البنك المركزى، وأن يكون للمركزى الحق المطلق فى إنشاء جميع أنواع الشركات بدون تقييد هذا الحق، فقد انتهى عصر الحق المطلق.