حكايات القاهرة.. الزردكاش والحرب ضد العثمانيين دفاعا عن مصر
مدينة القاهرة "أم العواصم" كما يطلق عليها عدد كبير من علماء الآثار، فهي العاصمة الأكبر والأكثر عمرًا التي لا زالت باقية على حالها، بعد أن بلغت من العمر 1000 عام، ولا زالت تحتفظ بسمتها المعماري القديم، وكذلك أسماء شوارعها الأصلية التي أطلقها من سكنوا هذه البقعة من الأرض قبل مئات الأعوام، ونلتقي اليوم في سادس حلقات حكايات القاهرة، حيث يصحبنا علماء الآثار، في جولة بين مباني العاصمة العريقة.
من هو الزردكاش؟
قال أبو العلا خليل الباحث المتخصص في الآثار الإسلامية، إن كلمة الزردكاش، هي لقب من ألقاب العصر المملوكي وتعني المسؤول عن مكان حفظ السلاح والعتاد، وصاحب هذا اللقب كان له حكاية أثناء دفاع المصريين عن مصر ضد العثمانيين، وهي تلك الحكاية التي ورد فيها ذكر السيد أحمد البدوي.
وأضاف خليل في تصريحات إلى الفجر، أن الأمير تمر الزردكاش كان من جملة الأمراء الذين اصطحبهم السلطان الغوري معه على رأس جيش كبير لقتال سليم الأول والجيش العثماني في موقعة مرج دابق بالشام في شعبان عام 922هـ.
ظهور السيد أحمد البدوي
وينقل لنا أبو العلا خليل عن ابن إياس الحنفي في كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور، بدايات المعركة فيحكي "كان حول السلطان الغوري أربعون مصحفًا في أكياس حرير أصفر على رؤوس جماعة أشراف وفيهم مصحف بخط الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه.
"وكان حول السلطان سيدي أحمد البدوي ومعه أعلام حمر، وسيدي أحمد بن الرفاعي والشيخ عفيف الدين خادم مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها بأعلام سود"
"وكان الصنجق -أي العلم- السلطاني خلف ظهر السلطان وفيهم الأمير تمر الزردكاش، أحد المقدمين فقاتلوا قتالًا شديدًا وكانت النصرة لعسكر مصر أولًا".
الغوري يقابل ربه
ويستكمل ابن إياس "لما اضطربت الأحوال وتزايدت الأهوال فخاف الأمير تمر الزردكاش الحامل لصنجق السلطان الغوري، فأنزل العلم وطواه وأخفاه ثم تقدم إلى السلطان وقال له يا مولانا السلطان إن عسكر ابن عثمان قد أدركنا فانج بنفسك واهرب إلى حلب فلما تحقق السطان من هزيمته نزل عليه في الحال فالج -أي شلل- أبطل شقته وأرخى حنكه فطلب ماء فشرب منه قليلًا وخرجت روحه من شدة قهره وسقط تحت سنابك الخيل"
الأمراء يهربون إلى مصر
قال الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء، إن الأمير تمر الحسني الشهير بالزردكاش أنشأ تربة في عهد السلطان المملوكي قانصوه الغوري ليدفن بها حين يأتي الأجل المحتوم.
وأضاف في تصريحات إلى الفجر، التربة مسجلة كأثر تحت رقم 161، وقد كان الأمير من مماليك السلطان سيف الدين إينال، وترقى في عهد السلطان الغوري حتى صار معلمًا -أي رئيسًا- للرماحة، والرماحة هم الفرسان التي تتقدم الاحتفال بدوران وخروج المحمل الذى يحمل كسوة الكعبة المشرفة وتستعرض مهاراتها في اللعب بالرماح، وكان عددهم 40 مملوكًا ولهم أمير "معلم" يعاونه أربعة باشات وزيهم ملابس حمراء تميزهم.
وتابع ريحان أنه بعد هزيمة مرج دابق عدد من الأمراء تمكن من الهرب إلى مصر ومنهم الأمير تمر الحسني الزردكاش وهم في أسوأ حال من الجوع والضعف واجتمع رأى الأمراء على تولية طومان باي ابن أخ السلطان الغوري السلطنة، وكان الغوري كان قد عينه نائبًا عنه في غيبته.
زحف السلطان العثماني سليم الأول إلى القاهرة وتقابل مع طومان باي وجيوشه عند الريدانية -ميدان العباسية حاليًا- ولما أيقن طومان من الهزيمة هزيمته فر وتخفى في جامع شيخو بشارع الصليبة بحي الخليفة ثم قُبض عليه وأمر السلطان سليم بضرب أعناقهم جميعًا.
نساء المماليك تقدم رشوة للمشاعلي
وقدمت نساء الأمراء الرشوة للمشاعلي -وهو القائم على تنفيذ القتل- حتى يمكنهن من نقل جثث أزواجهن، ليحضرن التوابيت للدفن في الترب المخصصة لهم وصارت الجثث مرمية تنهشها الكلاب.
مقبرة الزردكاش والحملة الفرنسية
وحملت زوجة الأمير تمر الحسني الزردكاش جثمانه ودفنته بقرافة سيدي جلال الدين بالسيدة عائشة والتربة تعرضت كغيرها من الآثار الإسلامية ذات الموقع المتميز إلى استخدام الحملة الفرنسية لها كموقع عسكري مما أدى إلى هدم قبتها والاستعاضة عنها فيما بعد بسقف من البراطيم الخشبية.