اِغتنمَت مجموعة من الأفراد الرومانيين العاملين بإحدى موانٍ رومانيا، فُرصة الحجر الصحي بإحدى البواخِر، العائدة من سوريا، في أول يوم من شهر رمضان المبارك، وصَعدوا على متنها مُوزعين بعض الكتيبات غير المفهوم مُحتواها على طاقِم السفينة، بعد تناولهم وجبة الإفطار، مُتحدثين دون مُواربة، عن تنظيم "الماسونية"، مُطالبين منهم تغيير ديانتهم والتنازل عنها مُقابل (20 ألف دولار أمريكي)، استحثّ فتحي الساعديي خطاه، من أمامهم، بعدما مَخط أوراق الكُتيب "ما استحوا على حالهم وإحنا بالشهر الكريم.. وفاكرين راح يشتروا دينا بفلوسهم كونا فقراء ونازحين أو متغربين علشان لقمة الخبز"، وأصبح الجميع في مياطٍ.
وقف صاحب الـ(29 ربيعًا)، مذعُورًا فَاغر الفم، ولكن أفراد المنظمة الماسونية- التي تتصف بالسرية والغموض الشديدين خاصةً في شعائرها وتهدف لمحاربة الفكر الديني-، لم يتركونهم دون الحديث ومحاولة إيصال هدفهم، وشَحط في المُساومة، بأنهم على أُهبة الاستعداد في توفير حياة كريمة، وتسهيل إجراءات الحصول على الجنسية الرومانية، وأن يُوطنوا في رومانيا، مسلطين الضوء على الأوضاع الاقتصادية في هذه الآونة مع تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، والسياسية في بلدان بعض الطاقِم، لاسيما منهم من يعيشون في مناطق الحرب والنزاع، وهو ما أثار صخبًا في المكان، خاصة بعدما بارزهم الشاب السوري، بالكلام "حجتهم ضعيفة.. وكان عندي خلفية قبل كده من زميل ليا في المينا ولكن ما تخيلت أنه حقيقي.. وتعرضي للموقف هاد"، والذي اعتبره بمثابة نهاية العالم.
تكايد الرجلان-الذين يدعون للماسونية-، في توصيل رسالتهم، ولكن جهودهم مُنِيَت بالفشل "هنشغلكم ونجوزكم وكمان هنجبلكم شقة وعربية"، كانت هذه هي الإغراءات في بداية الأمر، وبعدما أعْيتهم كل الحِيل "فضلوا يلعبوا في دماغنا زي الإرهابيين والدواعش اللي بنشوفهم في المسلسلات وبنسمع عنهم بره.. ميعرفوش إني مصري ومتربي على الشعراوي وقبل ما أدخل المدرسة كنت بحفظ القرآن بالكتاب.. مش مشاهيرهم إلى واخدنهم قدوة وانضموا لتنظيمهم"، عبارة رددها يوسف محمود، بعدما إعتضد بزملائه من الجنسيات المختلفة "خايف على بعض الشباب اللي هتيجي غيرنا على السفينة لأن أكترهم فعلا نازحين أو قاعدين في خيم وفي اللي مش عارف يدفع ايجار شقة.. والسفن مليانة عرب بيجوا هنا كل فترة واحنا في أزمة استغلتها الناس دول"، يقاطعه أحدهم "إلا الدين لو مال قارون".
تَوقي الشاب البورسعيدي، الوثائق معه- بغرض توعية زملائه، القادمين إلى رومانيا- وهو ما أعطى أملاً لتنظيم الماسوني، بأنهم سيغيرون رأيهم، خاصة أنهم أصروا علىتركها مع الشباب "احتفظوا بها لو أنتم عاوزين تغيروا دينكم هتلقوا كل طرق التواصل موجودة.. وفورا هنكون عندكم"، عبارة نقلها صاحب الـ(28 ربيعًا)، على لسانهم. فَطن الجميع لاستغلال هؤلاء الموظفين، غير معروف عنهم هل ينتمون لجهة حكومية، أو مؤسسة بعينها تدفعهم للقيام بذلك "كانوا متحفظين على أي معلومة تخصهم.. وبيتهربوا بترديدهم جملة بس تدخلوا التنظيم هتعرفوا كل حاجة". تحت وطأة هذا الموقف ذهَن الجميع عن التواصل مع قوى أمن الميناء "راح عن بالنا.. وكمان خوفنا لأننا مش فاهمين حاجة".
تَلَكأُ يزن زامل، في نطقه للماسونية، دون أن يكترث للأزمة التي قلبت الباخِرة رأسًا على عقب، منشغلاً في تجهيز بعض الطعام، لأن هذا اليوم كان استثنئيًا بالمطبخ "هادا يوم تاريخي.. الأكل تأخرنا فيه وفطورنا كان تمر وعصير وسلطات.. وكنا نفرغ السلع الباقية من السفينة.. فالحظر غير موزاين يومنا وشغلنا"، وبسؤال أحد زملائه لشاب العراقي عن تفكيره بالمبلغ المعروض عليهم، ضرَب كفًّا بكفّ "هادا سؤال.. ديني ووطني أغلى من كنوز العالم.. وماحدا يعرف قيمة حكي إلا من ذل في وطنه ودمره الغرب.. مشان كده لا بدي أعرف تفاصيل هادول ولا يهمني فكرهم"، وتنهد نفسًا ممدودًا بِعمقٍ، و سَادَ صمت بارد كبرودة الطقس داخل السفينة. و بادرَ الشاب، الذي أوغل في الدين، في الجلوس على مائدة الإفطار، وجفَّ حديثه، مُطالب زملائه أن يستعجلوا؛ لنهوض بصلاة العشاء والتراويح "صلاتنا مش هترجع شنطة فلوسهم لنا تاني".