بطرس دانيال يكتب: استمع لصوت قلبك
يقول بولس الرسول: «أَزيلوا عَنكم كُلَّ شراسةٍ وسُخطٍ وغَضَبٍ وصَخَبٍ وشتيمة وكُلَّ ما كان سُوءًا» (أفسس 31:4). نحن نعيش عالماً يتسارع فى تدمير الآخر والانتقام من الغير بشتى الوسائل. يُذَكّرنى هذا بما فعله الذئب مع الحمل الوديع عندما وقف أمام مجرى ماء من أعلى التل متطلعاً لعله يجد فريسة يلتهمها، ثم رأى حملاً أسفل التل يشرب من المجرى، فخطرت على باله فكرة ليبرر افتراسه للحمل فقال له: «إنك حَمَلٌ صغير، لكنك تتصرف بدون أدب». فسأله الحَمَل: «لماذا تتهمنى بهذا؟» أجاب الذئب: «لأنك تُعكّر المياه بينما أنا أشربُ منها». فردّ الحمل عليه: «أيها الذئب، أنت تشرب من المجرى من أعلى، بينما أنا أشرب من أسفل، فكيف يمكننى أن أُعكّر المياه النازلة من فوق؟!» فصمت الذئب لحظةً ثم قال له: «لقد سمعتُ من مصدرٍ ما أنك تكلمت عنى بالسوء» – «كيف أتكلمُ عنك بسوءٍ أو بخير ونحن لم نتقابل أبداً من قبل؟» – «إذاً لابد أن يكون أخوك هو الذى تكلم بسوءٍ فى حقى». – «أيها الذئب، أُعْلمك بأننى ليس لى أخوة» – «وإن كان ليس لك أخوة، فمن المؤكد أنك شبيه بوالدك، فهو الذى تحدّث عنى بالسوء، لذلك يجب أن انتقم منه فى شخصك». وقبل أن يتفوّه الحَمَل بكلمةٍ، هجم عليه الذئب وافترسه. مما لا شك فيه أن جميع إجابات الحَمل تبرره، ولكن كيف يتحقق هذا أمام ذئبٍ لا يعرف إلا لغة الافتراس؟! فالحوار مع الذئب غير مُجدٍ، لهذا يجب علينا أن نهرب من الحوار مع الشر لأنه لا يعرف المنطق، بل يجب علينا أن ننشر الخير فى كل مكانٍ نتواجد فيه. كم من ملايين الأبرياء فى عالمنا، ولكن للأسف لا يوجد مَن يستمع إلى شكواهم ليثبت براءتهم؟! وكم من الأشخاص ذوى القلوب المتحجرة الذين لا تهزّهم أى مشاعر إنسانية؟ فالحُب هو السبيل الوحيد لقتل العداوة، لأن البغض يولّد الكراهية والحقد والانتقام وسلب حقوق الغير، وربما يدفع إلى ارتكاب أبشع الجرائم كما نقرأ فى تاريخ البشرية، إذاً فالحُب وحده يخلق ويبنى ويشيّد، بينما البغض يفنى ويهدم ويُبيد. كم من المرات التى حكمنا فيها بأحكامٍ ظالمة وقاسية على الآخرين نتيجة بغضنا لهم؟ كم من المرات التى فيها تحاملنا على الناس وقمنا بتشويه سمعتهم وسعينا إلى الانتقام منهم لأتفه الأسباب؟ لذا يجب أن نضع فى الحُسبان بأن البغض إذا تملّك قلب الإنسان، يتحوّل إلى سرطان ينهش كل العواطف الإنسانية والنبيلة الموجودة بداخلنا، حتى أنه يهز شخصيتنا ويشوّه كل تصرفاتنا، وتكون النتيجة حتماً هى فقدان معنى الحياة وقيمتها. وهناك الكثيرون الذين أفسدوا حياتهم وحولوها إلى جحيمٍ نتيجة أحقادهم وبغضهم، لأن الإنسان الذى يستسلم للبغض، لن ينعم بجمال الحياة التى منحه إياها الله. فالسعادة ما هى إلا سلام مع الله وسلام مع القريب وسلام مع النفس! كل شخصٍ منّا بداخله عنصرى الخير والشر، وتختلف نسبة وجودهما حسب الأشخاص وميولهم وتصرفاتهم، لأن الذى يعمل الخير والصلاح ستكون حياته هادئة وسعيدة، وفى ذات الوقت يستحق النعمة والبركة من الله، لأن هذه الهبة تزيدنا قوة وشجاعة وميلاً إلى الصلاح، والتعود على عمل الخير وممارسة الفضيلة، ونتيجة كل هذا قتل الميول الشريرة الموجودة بداخلنا. فكلما كره الإنسان الشر، اقترب من الله، لأن الله يبغض الشر، وطالما كان الله قريباً منّا، فلن يقوى علينا الشر، بل ننتصر عليه ونحيا فى النور. كما أن الامتناع عن عمل الخير وممارسة الفضيلة هو شر فى حد ذاته. فالقلب هو المحرّك الأول والأفضل فى حياة كل شخصٍ منّا، ومَن يتحكم فيه، ستكون تصرفاته حسنةً وفاضلة، لأنه لا يوجد عمل يقوم به الإنسان، إلا وكان القلب دافعاً له، فإن فسد قلب الإنسان كان تأثيره السيئ على حياته كلها، ولكن إن صَلُح أشرقت الحياة وعاش الإنسان فى سعادةٍ تامة مع الله والآخرين وذاته. لهذا يجب أن نعى بأن كل شخصٍ منّا يحمل فى داخله شعلة إلهية ومن الممكن أن تلتهب فى كل لحظةٍ لعمل الخير، إذاً يجب علينا أن نحافظ على هذه الشعلة لتكون مضيئة دائماً على مدار حياتنا الأرضية حتى نتجنب البغض والكراهية وكل سوءٍ طالبين من الله أن يزرع نضارة الحُب فى قلوبنا وينزع تجاعيد الحقد من داخلنا. ونختم بالمَثَل اليابانى: «لا توقد النار لتحرق أخاك، فإنها قد تحرقك قبل أن تصله».