اليوم الـ 13 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ
*الباب الثّانى (المنهج فى تفسير الأحلام)
**المسائل التى يُثيرها الفصل الثانى هى تقديم عدّة أحلام و تقديم تحليل علمى لكلٍ منها من وجهة نظر فرويد.
تحليل حلم هو المُصطلح الذى إختاره فرويد لهذا الباب ، حيث أنه يُقدّم من وجهة نظره تفسيراً علمياً لحلم ما وهو بذلك يُقدّم تفسيراً يُخالف النظريات السابقة كتلك التى تنص أن الحلم ليس عمليّة نفسية على الإطلاق وتلك التى تنص على أن الحلم عملية جسمية عضويّة تقع بحدوث حدث فى الجهاز التنفسى مثلاً.
كما أن عامّة الناس يلجؤون لإعتبار الصور الواردة فى الحلم على أنها رموز واستبدالها بمعانٍ أو نسب الحلم بأكلمه إلى المستقبل بإدخال كلمة "سوف" عليه ، وهما طريقتان شعبيّتان من وجهة نظر فرويد ، أحدهما يقوم المُفسّر بتفسير الصور باعتبارها رُموز لأشياء أخرى من وجهة نظره الخاصة و يظل نجاحه مرهوناً بالتخمين الحاذق والحَدَسْ والموهبة الفنيّة ، وهناك فئة أخرى يُسمّيها فرويد بـ"منهج الشفرة" يُعالج فيها المُفسّر الحلم كما لوكان كتابة سريّة مُشفّرة يتم ترجمة مفرادتها إلى مفردات أخرى معروفة المعنى وفق قاموس ثابت ، فأحلم بخطاب أو سيّارة..إلخ أقوم باستشارة كتاب الأحلام فأجد الخطاب يُترجم إلى "نكد" والسيّارة إلى "سفر" ويبقى بعدها ربط تلك المُفردات ببعضها لإنشاء جملة مُفيدة يتم نقلها من جديد إلى زمن المُستقبل.
ويعترف فرويد بأن كلا المنهجييْن الشعبييْن لهما مصداقيته لكن لايُمكن إستخدام أىٍ منهما بشكل علمى ليُطبق على كافة الناس ، فالتفسير الرمزى للحلم محدود التطبيق ولايُمكن تطبيقه على أسس عامة لكل الناس ، ومنهج الشفرة فإن تفسير الحلم بأكمله يتوقف على إمكان الثقة بـ"مفتاح الشفرة" أو كتاب تفسير الأحلام الثابت.
لكن فرويد يجد أنه يُمكن العثور على أسس ثابتة لتفسر الحلم وفق منهج علمى ثابت يصلح لكل الناس على إختلاف بيئاتهم وأعمارهم وأجناسهم وفترتهم الزمنية ،وكان سبب حماسته أنه تعلم من مرضاه ذوى الإضطرابات النفسية بأنه يُمكن وضع الحلم ضمن السلسلة النفسية التى يجب تحليلها للمريض وبالتبعية حل معنى الحلم وربطه بالصحّة النفسيّة للإنسان ، غير أن فرويد يلفت النظر إلى أن ملاحظة المريض النفسى لنفسه وتذكره لتفاصيل أحلامه وذكريات طفولته مُهمّة و تكون قدرة المريض على إمداد الطبيب بتلك التفاصيل عندما يكون المريض مُمدداً على أريكة بحالة إسترخاء فيُمكن وقتها إنبعاث أفكار لاإرادية من خلالها يتمكن الطبيب من تفسير الحلم بالمعطيات النادرة التى يسمعها من المريض ، ويذكر فرويد أن تلك الأفكار اللاإرادية وذكريات الطفولة التى لانتذكرها بسهولة لايُمكن أن نتذكرها ونحن فى حالة التيقّظ التامة فتلك الأفكار الدفينة "اللاإرادية" تجد مُقاومة عنيفة من الأفكار الواعية فى حالة التقّظ الكاملة ، ويُفسّر فرويد تلك الحالة بأن المريض إذا سألناه عن رأيه فى الحلم فإنه يقف عاجزاً لكن إن قمنا بتقسيم الحلم لأجزاء مُتفرّقة أمكن للمريض أن يتذكر أشياء تتعلق بكل جزء من الحلم وتلك الذكريات هى "الأفكار المُستترة" وراء هذا الجزء من الحلم ، وهنا يُخبرنا فرويد بأن هذا الأسلوب يختلف عن المنهج الشعبى الخاص بالرمز لكنه قريب الشبه من منهج أو أسلوب "الشفرة" فالحلم هنا يتم تفسيره جزءاً جزءاً وليس جملة واحدة.
ويذكر فرويد أنه لن يقوم بذكر أحلام لمرضاه كونها أحلام لأشخاص يتّصفون بالإضطراب النفسى ولايُمكن تطبيق تفسير أحلامهم على الناس كما أنه لايقدر أن يستعين بأحلام أقاربه ومعارفه الأسوياء لعدم إمتلاكه لكل صفاتهم النفسية لكشف الحلم ، لذا فقد قرّر فرويد عرض أحلامه الخاصة بنفسه ووضعها تحت المنهج العلمى فى البحث فهو يعتبر نفسه "قريب من الإنسان السّوىّ" ولاشك أن كثيراً من القرّاء سوف يتشكك فى إمكانية الثقة بتلك "التحليلات الذاتيّة" فالإنسان بطبيعته ينفر عن البوح بسرائر نفسه ولايضمن أن الغرباء لن يُسيئو التأويل والظن فيه ، على أن فرويد يأمل أن يثق القارئ فى تحليلاته بمجرّد أن يتأكد القارئ أن فرويد أفضى بعيوبه ومشاكله بكل وضوح.
*المصدر: كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد ، تحت إشراف الدكتور مُصطفى زيور 1969.