اليوم الخَامِس من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ
*الباب الأوّل (المُصنّفَات العلميّة فى مُشكلات الأحلام)
**المسائل التى يُثيرها البحث العلمى فى ظواهر الحلم يُمكن تبويبها فى الفصول التالية....
2-مادة الحلم-الذاكرة فى الحلم.
3-مُنبهات الحلم ومصادره (المُنبهات الحسيّة الخارجيّة ، التهيّجات الحسّية الداخلية/الذّاتيّة ، المُنبّهات الجسميّة العضوية الداخليّة ، المصادر النفسيّة للتنبيه)
4- لماذا ينسى الحلم بعد اليقظة؟
5-الخصائص السّيكولوجيّة المُمَيّزى للحلم.
6-الحاسّة الخُلُقيّة فى الحلم.
7-نظريّات الحلم ووظيفة الحُلم.
8-العلاقة بين الحلم والأمراض العقليّة.
2-مادّة الحلم - الذّاكرة فى الحلم
يتّفق الجميع على أن مادّة الحلم تتكوّن من خبرتنا المرئيّة أو المسموعة بشكلٍ أو بآخر ، ورُبّما كانت هناك معلومة هامشيّة عرفناها لكننا تجاهلناها لإنخفاض أهميتها لكنها علقت فى عقلنا الباطن لتظهر لاحقاً فى أحلامنا ، قد نرى فى الحلم إسماً لمدينة أو لشخص ونستيقظ ونبحث ونُفاجأ أن الإسم صحيح ونبدأ فى التساؤل ، كيف عرفنا هذا الإسم للمدينة أو للشخص ؟ ونبدأ فوراً فى التعلّق بالموضوعات الغيبيّة.
بروفسير دلبوف صديق لفرويد رأى بالحلم زوجيْن من السحالى تكادا أن تتجمّد فى الثلج خارج فناء منزله ، رفقةً بهما قام بإنقاذهما بتدفئتهما ثم وضعهما فى أحد الشقوق فى الحائط ، ثم إطعامهما أوراق من نبات صغير ، وهذا النبات سمع فى الحلم أن إسمه "أسبلينيوم" ثم ظهر موكب من سحالى كثيرة كلها تدخل فى شق الحائط ، عندما إستيقظ دبلوف بحث فكانت المفاجأة بأن وجد أن هناك نباتاً فعلاً بإسم "أسبلينيوم روتاموراليس" وهو لايعرف عن علم النباتات شيئاً على الإطلاق ، وقع الحلم فى العام 1862 وبعد ذلك بـ 16 سنة ذهب لزيارة صديق له فلمح فى منزله أجندة صغيرة قديمة فلما فتحها وجد أنه كان قد كتب فيها هو بخط يده قائمة بأسماء علميّة لنباتات وكانت الأجندة تخص شقيقة صديقه والمُختصّة بعلم النباتات ، كان دبلوف قد كتب تلك القائمة بخد يده كخدمة "نقلاً للنسخ" لشقيقة صديقه فى العام 1860 أى قبل الحلم بعامين وكان من بين أسماء النباتات "أسبلينيوم" ، وهنا إتضح الحلم فقد علق هذا الإسم من بين عشرات الأسماء الأخرى فى عقل دبلوف اللاواعى لأنه كان يكتب "للنسخ" دون إهتمام بما يكتب فلم يتذكر الإسم من الأساس ، أما السحالى فقد إتضح أنها لصورة مجموعة كبيرة من السحالى نُشرت فى جريدة محليّة جديدة كان دبلوف يُشرف على صدروها مع آخرين فى العام 1861 أى قبل عام من الحلم.
احد مرضى فرويد كان يقص عليه حلماً طويلاً ومن ضمن الحلم أنه يطلب فى المقهى كأساً من "الكونتو شوفكا" وسأل فرويد عن هذا الإسم ، فأجابه فرويد أن هذا الإسم هو لمشروب حقيقى متوفر فى بولنده فقط والتى لم يزرها المريض على الإطلاق ، لكن من سياق الحديث عرف فرويد أن المريض كان يمرّ لعدة شهور مشياً على الأقدام على أحد الأحياء التى يقطنها بولنديّون والتى يُوجد فيها إعلان عن المشروب والذى قرأه المريض دون أن يتذكر إسم المشروب فى عقله الواعى.
كما أن أحداث الطفولة الأولى رغم أننا نتذكر منها القليل إلا أن هناك تفاصيل تطفو على السطح فتظهر فى أحلامنا بتفاصيل شديدة الوضوح ، بروفسير مورى كان يذهب أحياناً كثيرة إلى بلدته الصغيرة مسقط رأسه ، وأحد الأيام رأى بالحلم أنه يلعب على جسر البلدة فاقترب منه شخص يرتدى ملابس رسمية فسأله مورى عن إسمه فأجاب بأنه السيد "س" عندما إستيقظ البروفسير ذهب إلى بلدته وسأل خادماً عجوزاً فى منزل عائلته إن كان يعرف رجلاً فى القرية يُدعى "س" فأجابه الخادم بأن "س" هو حارس الجسر الذى أشرف والد مورى على بنائه وقت أن كان مورى طفلاً يلعب فى نفس المكان.
أما فرويد نفسه فقد رأى فى الحلم طبيباً لكنه لم يعرف ملامح وجهه لكنه أدرك فى الحلم أن الطبيب يُشبه أحد المدرسين الذين كانو يعلّمون فرويد فى المرحلة الإبتدائية وكان المدرس أعور ، عندما إستيقظ فرويد قصّ الحلم على والدته التى أخبرته أن هناك طبيباً قد انقذ حياة فرويد بالفعل منذ سبعة وثلاثين عاماً عندما كان فرويد بعمر الخمس أو الست سنوات وكان الطبيب أعور ، ولما لم يتمكن العقل من تبيّن ملامح الطبيب إستبدله بملامح المدرس الذى كان أعور أيضاً.
الخاصيّة الثانية لمادّة الحلم هى الإنتقاء ، فالعقل لاينتقى المادة التى نراها إلا بعد أن يكون العقل الواعى قد نحّاها جانباً ، فإن كان هناك عزيز فقدناه فإننا بمرور الأيام نقوم بتنحيته بشكل مُباشر لنتجنّب مشاعر الحزن ونستعد للتفكير فى أمور الحياة الحاضرة ، وهنا يقوم العقل الباطن باستدعاء صورة الشخص المتوفى.
الخاصيّة الثالثة للحلم فتكمن فى أن عقلنا اللاواعى يختار مادّة الحلم قد تكون "شديدة التفاهة" والتى تتعلق بتفاصيل فى نشاطنا اليومى لكننا لانكترث لها ونقوم بتنحيتها جانباً لعدم أهميتها لنا ، لكنها بشكلٍ ما تكون أكثر أهمية بالنسبة لعقلنا الباطن اللاواعى فتفرض نفسها بالظهور فى أحلامنا مايُوضّح أن لها أهمية بشكل غير مباشر فى تكويننا النفسى رغم عدم أهميتها الظاهرية ، وهذا دليل أن مانمتلكه إمتلاكاً ذهنياً بعقلنا لايضيع أبداً مهما مرّت السنوات ومهما كان تافها.
*المصدر: كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد ، تحت إشراف الدكتور مُصطفى زيور 1969.