"حديث الصيام".. هل كان الإمساك عن الطعام موجودًا قبل رمضان؟ (حلقة 2)

الفجر السياسي

الدكتورأحمد علي سليمان
الدكتورأحمد علي سليمان


قال الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إن الصيام كان موجودًا قبل الإسلام، عُرف في الحضارات القديمة، وهو موجود في اليهودية بكيفية معينة، وهو موجود أيضا في المسيحية بكيفية مختلفة، وفي سورة مريم جاء الصوم بمعنى الإمساك عن الكلام، يقول الله تعالى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) (مريم 26)، أي إني نذرت للرحمن صمتا...، وعرفه العرب في الجاهلية من اليهود في صومهم يوم عاشوراء. 

وأضاف أن الصيام في الاسلام ركن أصيل من أركانه الخمسة التي بُني عليها الدين الحنيف، وهو ثابت بالقرآن والسنة والاجماع يقول تعالى: (يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلكُمْ تَتقُونَ) (البقرة 183)، ويقول عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى للناسِ وَبَينَاتٍ منَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدةٌ منْ أَيامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدةَ وَلِتُكَبرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة 185). 

وتابع: أما السنة النبوية فعن عبد الله بن عمر (رَضِيَ الله عَنْهُمَا) قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (بُنيَ الإسلامُ على خَمسٍ: شهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رَمَضانَ، وحَجِّ البَيتِ)(أخرجه البخاري). 

واستكمل: كما أجمعت الأمة من عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) الى عهدنا هذا على فرضية صوم شهر رمضان وأنه ركن من أركان الإسلام، وأصبح معلوما من الدين بالضرورة ويتجلى الله تعالى على الصائم بفرحتين؛ الأولى: فرحة حين يفطر؛ لأن الله تعالى أقدره على أن ينفذ أمره، والثانية: فرحة عند لقاء ربه؛ لأن لقاء الرب في لحظة اللقاء تجميع لكل هذه الفرحات في أيام رمضان كلها وفي الرمضانات التي استطاع العبد
صومها. 

وأوضح: قد جعل ربنا جل وعلا جزاء عظيمًا للصوم؛ بل شرَّف الصائمين بأن تكفل بأنه هو جل وعلا مَن يجزي به.. يقول تعالى في الحديث
القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به)(أخرجه البخاري)، أي كل شيء يعمله الإنسان مقنن له جزاء، إلا الصوم فقرار جزائه إلهي؛ لأنَّ نية الإخلاص فيه لا يمكن لأحد أن يراها إلا الله تعالى، وهكذا شأن كل الأعمال السرية، مثل: (الإيمان، الإخلاص، التقوى، قيام الليل، صدقات الخفاء. 

وتابع: قد شرَّف الله -عز وجل- الصائمين بأن جعل لهم بابًا يدخلون منه وحدهم إلى الجنة، ويا له من مدخل عظيم، فعَنْ سَهْلِ بنِ سَعدٍ (رَضِيَ الله عَنْهُ) عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَال:َ (إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ،
يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)) أخرجه البخاري ومسلم ). 

كما جعل الصيام سببًا لغفران ما تقدم من الذنوب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ الله عَنْهُ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) أخرجه البخاري ومسلم ).