"حكايات القاهرة".. حارة برجوان مسكن العظماء ومقر غلام الخليفة
مدينة القاهرة "أم العواصم" كما يطلق عليها عدد كبير من علماء الآثار، فهي العاصمة الأكبر والأكثر عمرًا، يبلغ عمرها 1000 عام مع احتفاظها بسمتها المعماري القديم وكذلك أسماء شوارعها الأصلية، كما أطلق عليها من سكنوا هذه البقعة من الأرض قبل مئات الأعوام، ومن خلال السلسلة التالية يصحبنا شريف فوزي المنسق العام لشارع المعز لدين الله الفاطمي، في جولة بين شوارع وحواري القاهرة القديمة.
وعن القاهرة ذات التاريخ يقول فوزي في تصريحات خاصة إلى "الفجر": إن القاهرة التاريخية مسجلة على موقع التراث العالم عام 1979، كواحد من أكبر مواقع التراث في العالم، لم تسجل فقط كمبانٍ أثرية بل أيضًا كشوارع وحواري قديمة مستمرة في الوجود إلى الآن، تحمل العديد من القصص التاريخية التي تحكي قصة القاهرة، فالشوارع والحواري هي النسيج العمراني المشكل للقاهرة التاريخية.
وأضاف "فوزي"، إذا ما حكينا حكاية كل شارع وكل حارة من حارات القاهرة التاريخية، فنحن نحيي هذا التراث، وضمن أحد أشهر حواري القاهرة، والتي نبدأ بها اليوم هي حارة "برجوان"، والتي دارت تحت اسمها أحداث أحد أشهر المسلسلات التليفزيونية في التسعينيات.
وتابع، الحارة هي الشارع الضيق الذي يضم عدد من المنازل ولها مدخلان، أي أنها نافذة، عكس الزقاق، الذي له مدخل واحد ومغلق في نهايته، وفي تلك العصور كان للحارات بوابات تغلق عليها، وحارة برجوان تقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي، أمام الدرب الأصفر الشهير، ومجاورة لمجموعة سليمان أغا السلحدار الأثرية، وهي من الحارات التي لا زالت تحتفظ ببوابتها العتيقة، حيث نجت من تدمير الاحتلال الفرنسي، وقام بتجديدها الأمير سليمان أغا السلحدار عام 1839 م في عهد محمد على باشا.
وحارة برجوان تعود إلى العصر الفاطمي، وتُنسب إلى الأستاذ أبي الفتوح برجوان الخادم، عاشق الموسيقى والغناء، أحد أهم خدام الخلفاء الفاطميين، وكان من الخصيان البيض، ولقب الأستاذ تدل على مكانته العالية، وتربى أبي الفتوح في قصر العزيز بالله الفاطمي، والد الحاكم بأمر الله صاحب المسجد الشهير.
وأشار "فوزي" إلى أن برجوان بلغ مكانة كبيرة حتى أنه أصبح متولي قصور الخلافة الفاطمية، وحين حضر الموت الخليفة العزيز، أوصاه على ابنه الحاكم، وكان له خصم عنيد يدعى ابن عمار مدبر الدولة في عهد الحاكم، إلا أن برجوان أفسد لابن عمار الأمور حتى تولى هو الأمر.
وصار برجوان الخادم هو المتحكم، وصار الواسطة بين الخليفة -الحاكم بأمر الله الفاطمي- وبين الناس كما يذكر المقريزي، وارتفع شأنه، وكان من عشاق الغناء ويبدو أنه ترفع عن الخدمة وأهمل فيها، واستبد، فانقلب عليه الحاكم فدبر لقتله، وقد كان حيث ذُبح وقطعت رأسه.
وعن سبب تسمية الحارة بهذا الاسم يقول فوزي، إن برجوان كان له دار كبيره فيها الحارة، والتي كانت مفخرة في وقتها، فعرفت الحارة بحارة برجوان.
وتابع "فوزي"، أنه بعد أن قتل برجوان سكن داره الوزير بدر الدين الجمالي، وزير الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، والجمالي هو مجدد أبواب وأسوار القاهرة بعد الشدة المستنصرية، وجعل الجمالي من الدار مقرًا للوزارة، وبعد الجمالي عاش فيها أولاده جعفر، والأفضل، وجعفر قُتل ودفن بها وكذلك أخيه الأفضل دُفن بها، ولم يبق من تلك الدار سوى زاوية يقال لها "زاوية جعفر"، وقد سكن تلك الحارة أيضًا المؤرخ المملوكي الشهير تقي الدين المقريزي.
وضمن المباني الأثرية في الحارة زاوية زين الدين جولاق من العصر المملوكي الجركسي، وفيها كذلك واحدة من أجمل المدارس المملوكية الجركسية، وهى مدرسة أبو بكر بن مزهر، وقد تحرف اسم الحارة في العصر العثماني من "برجوان" إلى أمير جوان، ووجد الاسم الحديث لها في إحدى وثائق المنازل العثمانية، والمنسوب لمصطفى جعفر ويقع في الدرب الأصفر المقابل للحارة.