ربيع جودة يكتب عن: سلحفاة في الحجر الصحي

ركن القراء

بوابة الفجر



يتحدثون من حوله بالإشارة، وكأنهم في أعماق المحيط، لا يبدو أن حالته تتحسن، ولعلهم على أعتاب فقد جديد، كانت الطبيبة تنظر إليه من خلف القناع في ترقب وأسف، وقد علمت من الملف الشخصي أنه يكتب القصص، فأحضرت ورقة وقلم، تريد أن تصرفه عن فكرة الوداع، وقالت مبتسمة: اكتب قصة لأطفالي، فقد تركتهم منذ شهرين، وسأرسلها لهم عبر الهاتف، فامسك بالقلم.

وكتب ذات يوم قال الفأر للسلحفاة، أما سئمتي هذا الغطاء من فوقك، يطفئ نشاطك، ويبطئ حركتك، لماذا لا تتحررين منه لتكوني نشيطة مثلي، تجوبين الأسطح، وتتسلقين الجدران .. وتهرولين هنا وهناك من دون قيد أو شرط، قالت له السلحفاة، وقد برقت عيناها لفكرته .. لكني أخاف من القط اللعين ..  يرقد بالباب .. فإذا تحررت صرت لانيابة دواء .. ولجوفه غذاء .. ولن يبقي مني إلا ما يسيل من فمه .. من فرط لذته بطعمي .. قال لها  الفأر  .. عزيزتي .. لن تكوني بهذا الضعف حينها .. تستطيعين الفرار  .

وفي لمح البصر تجوبين الدار، أما ترين أني أمرق كالسهم فأختبئ، ولا يري القط مني سوي الذيل، فإذا هم ليجذبه، طويته بجواري، وتركته في غيظه، اقتنعت السلحفاه، ونظرت إلى الغطاء من فوقها وقالت، استطيع أن أتدبر أمري بدونك، فقد أعياني حملك، لكن الغطاء تمسك بها، غير أنها قد حسمت الأمر،فانسلخت منه وتركته قابعا في مكانه، فرحت السلحفاه بنصرها وانطلقت، تنال من نسائم الهواء،وتستنشق عبيره، فيتسلل ضلوعها ويداعب وجهها، فأغمضت عيناها مبتسمة فرحه، ثم فتحتها فإذا القط أمامها وبكامل هيئته  وغضبه،نظرت بجوارها فلم تجد الفأر.

ولم تستطع الهرولة كما كانت تظن، ولم تجد ملاذا، وقد باتت مكشوفة في العراء هزيلة ضعيفة، أمام هذا الهر الضخم الذي حظي بوجبة سهله، لم يفكر للحظة من تلك الفريسة ولم يتخيل أنها السلحفاة حين انقض عليها، بينما الفأر الخبيث، ذهب ليختبئ تحت غطاء السلحفاة يجوب به هنا وهناك، بل وربما مر به بجوار القط وهو يضحك وقد أمن شراسته  وبطشه .

وهنا يسقط القلم من يده، يبدوا أن النفس قد طابت، ولعل نورا يذهب الألم، ولعل شمسا تكشف الظلماء.