أحمد الشيخ يكتب: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"
أكتب هذا المقال وأنا لا أرى نفسي أهلاً للحديث في الدين ولكننى اكتبه من
قلب مؤمن لعله يلمس قلوبكم، وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : "أَلَا
وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا
فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ".
إذا احب الله مؤمناً ابتلاه حتى
يصبر فيكون له ثواباً عظيما، فبعد البلاء دائما ما يأتى الفرج وهو حال الدنيا ففى
حياة اليسر دائماً نخاف من المستقبل لأننا نتوقع الإبتلاء أما في حياة العسر فإننا
نصبر ونتوجه لله بالدعاء منتظرين الفرج الذي هو أت لا محالة ويصحبه الفرح لذلك
فحال المؤمن كله خير حتى وقت الابتلاء خير لأنه ينتظر فرحة عظيمة يزيل الله بها
العسرة التي يعانى منها.
وهذا هو واقعنا فى العالم الإسلامي هذه الأيام فنحن الأقل تضرراً من وباء
كورونا والأكثر تضرعاً لله لإيقاننا أن فرجه قريب، وأنه يذكرنا بقدرة الله الخالق
وأنه فوق كل قدرة فمن بهرته القوة والسلطة والمال، يتسأل من يحميه اليوم من هذا
الفيروس القاتل؟! الذي لم توقفه قوة عسكرية ولا سلطة دنيوية ولا أموال طائلة
تخسرها الدول يومياً لمجرد مواجهة هذا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة، فهو
يصيب الحاكم قبل المحكوم والغني قبل الفقير، والقوي قبل الضعيف فالجميع سواسية لا
فرق بينهم.
بل استطاع هذا المدعو "كورونا" كسر كل من ظن نفسه أنه معصوم من
قضاء الله وقدره وأن قدراته المادية وامكانياته تستطيع ان تحمية من أى خطر فشيد
الخنادق والمخابئ وجيش الجيوش وصنع الأسلحة التي لا تقهر لكي يحتمى بها، ولكنها لم
تستطع حمايتهم من فيروس صغير فأين القوة التى تتباهي بها الدول العظمى التى عزلت
جيوشها بالصحراء بعد أن أصابهم الفيروس خشية من الفتك بهم، فما يظنونه نهاية
العالم هو جند صغير من جنود الله عز وجل لا يضاهي هولاً واحداً من أهوال يوم
القيامة ولكنهم لا يعلمون، وهو ما يثبت عظمة القرأن معجزة كل زمان حيث قال العزيز
الحكيم في سورة النساء الآية 78: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ
وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ).
هذه المقدمة الواجبة لأذكركم وأذكر نفسي بما نحن عليه اليوم، ولا أدعوا
للتشاؤم ولكن للتفاؤل فالله رحيم، وحسن ظننا بالله هو مفتاح فرج هذه الأزمة، حيث
أنه لا يغلب عسرًا يسرين أبدا، ففي سورة الشرح جاءت كلمة العسر معرفة بـ
"ال" وهى لغويا تعنى عسر واحد رغم تكرارها، بينما جاءت يسرا نكرة لتحسب
بيسرين مع تكرارها مرتين وفقاً لعلماء النحو والتفسير، «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»، وهي رسالة طمأنة من المولى سبحانه
وتعالى إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فعلى الرغم من كل ما كان يعانيه من
عداوة قريش وعنادهم، إلا أنه مع ذلك يبشره بأن بعد العسر ليس يسرًا واحدًا وإنما
يسران.
وهكذا حال المؤمن فإنه "أمره كله خير إن
أصابه شر صبر، فكان خير له وإن أصابه خير شكر فكان خير له"، ففي كل الأحوال
لابد أن يكون الله عز وجل هو الملجأ والملاذ، لأن كل من يظن أنها ضاقت واستحكمت
حلقاتها، عليه اليقين بأنه سيأتي يومًا وتفرج فأنتظار الفرج من الله مع الأخذ
بالأسباب أفضل عبادة.
ولكن يجب أن نراجع أنفسنا فإن الله لا يصلح ما بقوماً حتى يصلحوا ما
بأنفسهم، فلنرجع إلى الله ونبدأ التكفير عن
كل ذنب مهما كان صغير، والتوبة عن كل معصية ارتكبناها أونرتكبها ونراجع كل سلوكنا
واخطأنا على مقياس الدين وليس مقياس الدنيا فبعض ما قد نعتبره عادي هو ذنب، كبير
كان أو صغير أبيض كان أو أسود فالكذب ذنب والنفاق ذنب، والخيانة ذنب والحقد والحسد
والكراهية وسوء الظن والغيبة والنميمة والكثير من الأمراض المجتمعية التى قد لا
نلقي لها بال ولكنها يمكن تهوى بنا في بئر المعصية فلا مبرر لاي ذنب مهما كان له
مبرراته من وجهة نظرك، فلنبدأ بتصحيح أخطاء الماضي ونفتح صفحة جديدة مع الله عزوجل.
وبما أن الطبع يغلب التطبع فلن أنسى الجانب الاقتصادي، ولكن بلا ارقام أو
تعقيدات ولكن بضع كلمات تخاطب الضمير الإنساني، فعلى كل تاجر ومستثمر ورجل أعمال
مراجعة نفسه فقد اثبتت التجربة أن كل القواعد والنظم الاقتصادية لم تستطيع حماية
نفسها من فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة، لذلك يجب أن نعود لأخلاقنا ولقواعدنا
الإنسانية ونتغاضي عن القواعد الاقتصادية اللا اخلاقية ولا انسانية، ومنها من لا
يعمل لا يتقاضي أجر ففي ظل هذه الظروف الإنسانية يجب أن يكون هناك رحمة فمن لا
يرحم لا يرحم، وارحموا من فى الأرض يرحمكم من في السماء، ولا داعى لتخزين السلع أو
رفع أسعارها دون مبرر استغلالاً للظروف فالكفن ليس له جيوب، ولا داعي
لابتزازالحكومة للحصول على استثناءات في ظل هذه الظروف فيكفيها المسئولية الملقاة
على عاتقها ومحاولتها الحفاظ على الأرواح والصحة العامة "الفلوس تتعوض"،
لكن الإنسان لا يعوض.
واخيرًا.. أحب أن أؤكد أن للدعاء فضل عظيم في رفع البلاء، فعلينا التوجه
إلى الله بالدعاء فإن الله يحب أن يدعوه عبده المؤمن، وكلما اشتد البلاء ندعوا
الله اكثر ونحن موقنين أنه سيرسل الفرج مهما طال انتظاره: "اللهم انا نستودعك
مصر وأهلها ومن فيها وما فيها فاحفظها يارب بحفظك ورعايتك وأنت خير
الحافظين".