تَبادر إلى ذِهن رجاء العاني، مع ارتفاع أسعار أقنِعة الوجه، وعجَز رجال الأمن المُختصين بتطبِيق قرار حظر التجوال بشوارع العاصمة العراقية بغداد، والعديد من العوائل في الأماكن النائية بالمناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش" عن شرائها، فكرة صناعة "الكمامة"، لاسيَّما في ظل تَعاظم الأزمة، وزيادة أعداد المُصابين بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، لتتحول مَهام سفيرة السلام والنوايا الحسنة للمركز العربي الاوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، بعد إجرائها عملية قلب مفتوح بأيام، إلى مُزاولة الخِياطة، بفضل ماكِينة والدتها "كان عندي قماش طبي مخزون كنت أعمل منه حفاضات لكبار السن طلعته وبلشت بالتفصيل.. ماكو وقت لضياعه.. الحكومة عايشة في صراعها السياسي مع السياسيين الملهين بالمناصب.. وما ضل غير أن الشعب يحمي حاله".
بَدت غُرة فكرة عضو الهيئة التأسيسية للتجمع الوطني لنساء العراق أيضًا، على أبنائها، في السادس من مارس المُنصرم، بعدما تراءى أمامها خروج المواطنيين للمناطق المُزدحمة دون أخذ الحيطة الوقائية، اِعتراها الخوف، نتيجة جمود حِس الكثير تجاه الوباء العالمي"رجعت البيت وجبت كمامة جاهزة أتعلم منها اشلون أسوي متلها.. وخيطت أول كمامة وعقمتها من الداخل بكحول خاص وفرحت هواية بالنتيجة..لأن نوعية القماش المستعمل قابل للغسيل والرجوع إلى لبسها مرة ثانية مع التعقيم المستمر". سعالٌ استدامها طوال فترة عملها التي تتعدى السبع ساعا يوميًا، مُتحدية المخاطر الصحية التي ستواجهها، مُقابل عملها الإنساني، الذي يُلزمها بسرعة التصرف، خاصة مع دعوات البعض إلى نزول العراقيين للشارع، للمطالبة بالطعام وكسر الحظر "دكة ناقصة وقمة الاستهتار بأرواح الناس.. تساعد في نشر الوباء وهاد ما نخاف منه باكر".
طلبت صاحبة الثمانية وأربعين عاما- والتي مَنحت حياتها لخدمة النازحين من جحيم "داعش" إلى بغداد، منذ أواخر عام 2012حتى الأن-، المساعدة من محترفي مهنة الخِياطة بمدينتها، بعدما ترازحت حالتها "أرهقت نفسي وتمرضت.. وضليت أكعد ساعة وأخيط حوالي ٢٠ إلى ٣٠ قطعة بعد ما كنت بخيط ١٥٠ قطعة بالأسبوع"، لتوزيعها على القوات الأمنية من الجيش والشرطة، والكوادر الطبية بالمستشفيات " بلش يوصلني مناشدات بتوفير أعداد أكتر.. فلزمني أيادي معايا بلكي نسد احتاجتنا.. وأهو أنا أجهز المواد الأولية"، عقب استجابة عدد كبير من أصحاب المهنة من الجنسين. جثَم الهمُّ على صدرها، برغم من تكاتف الجميع، لعدم توفير الأقنِعة في مناطق جنوب العراق-الذي ظهر فيها ول الإصابات، بسبب زيارة الإيرانيين إليها باستمرار-، ولكن عَهن المتطوعين في العمل كل منهم في منزله، وخلال يومان وزعوا (2000 كمامة)، استدام الوضع حتى انتشر في أكثر المحافظات. ارتجلت في حديثها بشكل مُستساغ "الشعب حائر بين ما يريد من حقوق وبين تعدية الأزمة بأقل الخسائر.. مترقب نهاية هذا الواقع".
أَثْقلت الأيام بِحملها على السيدة العراقية، لشعورها بأنها لم تُلبي كافة المساعدات الغذائية بجانب المستلزمات الوقائية، ليباغِتها فريق عملها بالوصول لأكثر العوائل تضررًا "ماكو بيت ناقصه اشي"، هدأت نفسها، خاصة عقب ما التجأ المتظاهرين عن الاحتجاجات -التي شهدتها العراق ضد الحكومة منذ أكتوبرالفائت، ودفعت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لتقديم استقالته بعد نحو شهرين من بداية التظاهرات- "انسحب المتظاهرين مع وعد للشعب أن ترجع الثورة.. نحن فقدنا الكثير من الشباب بالقتل العمد ولا نريد أن نفقدهم بالوباء". جفَّ كلامُها بعد سماع صفير الإنذار، للإعلان عن خلو الشوارع "هناك حالات هسة تخاف الفحص.. وصعب حصر الأعداد يمنا"، فالحكومة تعلن الإحصائية التي تسجل الدخول للمستشفيات فقط- والتي بلغت 961 حالة-.
تترقب العاني، برفقة أبنائها - الذين يساهمون في تغليف الأقنعة وتوزيعها- مستجدات الأوضاع طيلة الوقت، من خلال تصريحات وزير الصحة والبيئة العراقي الدكتور جعفر صادق علاوي. العيون مُصوبة إلى شاشة التلفاز، نقرت جارتها على الباب؛ لتخبرها بأنها من الصعب قبول مساعدتها المادية، لتوفير "العلاج الكيميائي"، لنجلها البالغ من العمر (14 ربيعًا)، المُصاب بالسرطان الدم، بعد غلق حانوتها الصغير "عند بدء الحظر وصلتني مناشدة إن أكو سيدة مريضة تربي أيتام وصعبة الحركة مقهورة على حال.. وجمعنا مبلغ الإبرة لمدة شهرين.. لكنها رفضت المال وطلبت أن تساعدنا بخياطة الكمامات مقابل أجور لها على العمل"، ليكون هذا الموقف الأصعب مرورًا على الناشطة-والتي تعمل مدرسة لغة إنجليزية- منذ تفشي المرض المُستجد. لا تكُف عن التنهد "نسعى لجمع المال لشراء ماكينات أكتر.. لوصول الكمامات إلى جميع المستشفيات والمخيمات لنازحين على الحدود".