"الجائحة والأخوة الكونية".. مُذكرة تصدرها الفاتيكان بسبب تفشي كورونا
أصدرت الأكاديمية البابوية للحياة بالفاتيكان، اليوم الثلاثاء، مُذكرة تتعلق بالأوضاع التي يمر بها العالم اليوم نتيجة تفشي فيروس كوفيد 19.
وأكدت الأكاديمية عبر موقعها الرسمي، أن البشرية برمتها تواجه محنة ويشعر الناس بضرورة التضامن والإعتماد على بعضهم البعض نظرًا لهشاشتهم ومحدوديتهم، مٌشددة على ضرورة أن يُعاد النظر في نماذج نمونا.
وسلطت المُذكرة التي حملت عنوان "الحائجة والأخوة الكونية"، الضوء على الحاجة الملحة إلى التفكير بمعنى العيش وسط الألم والقلق والخوف، لافتة إلى أن هذه الجائحة تضعنا في وضع صعب، لم يسبق له مثيل: وضع مأساوي على الصعيد العالمي.
وقالت الأكاديمية، إن قدرة هذا الفيروس على زعزعة مشاريعنا الحياتية تنمو يوما بعد يوم، مشيرة إلى أن الجائحة تظهر لنا بأننا نعيش مفارقة لم نكن نتوقعها في الماضي، معبرة بأنه بغية حماية أنفسنا من الفيروس علينا أن ننعزل عن بعضنا البعض، وهذه العزلة تذكرنا – في الآن معًا – بحاجتنا الماسة إلى بعضنا البعض من أجل البقاء على قيد الحياة.
وأشارت المذكرة إلى أنه على الرغم من الانجازات التكنولوجية التي حققتها البشرية في العقود الماضية فقد تبين أننا لم نكن مستعدين لمواجهة جائجة من هذا النوع، مضيفة: قد وجدت المجتمعات صعوبة في التعرّف على هذا الخطر والإقرار بتأثيره على الناس. واليوم نسعى جاهدين إلى احتواء هذا المرض والحد من انتشاره.
ولفت إلي أن هذا الوضع جعلنا أيضا ندرك مدى هشاشتنا الجسدية والثقافية والسياسية إزاء ظاهرة كهذه، نظرا لما سببته من زعزعة لاستقرارنا. وهي مسألة خارجة عن سيطرة العلم والطب، لذا لا يمكن أن تُلقى المسؤولية بالكامل على العلماء والأطباء لأن السعي إلى تعزيز نظرة مختلفة بشأن القيم الإنسانية لا يقل شأنا عن البحث الدؤوب عن علاجات أو لقاحات مناسبة. كما أن ممارسة هذه القيم بمسؤولية تولّد إطارًا للانسجام والوحدة والتحالف والأخوة.
وأكدت الأكاديمية البابوية للحياة، أن هذه الجائحة أماطت اللثام عن هشاشتنا كبشر وجعلتنا نختبر أوضاعا يعيشها يوميا سكان العديد من المناطق الفقيرة والنامية حول العالم، في وقت اعتقد فيه الناس في المناطق الغنية أنه باستطاعتهم أن يجدوا حلولا تقنية لكل مشاكلهم، حيث بات واضحًا اليوم بالنسبة لنا جميعا أننا لسنا أسياد مصيرنا.
وقالت أننا صرنا نلمس لمس اليد هذا الترابط القائم بين البشر، ومدى اعتمادنا على بعضنا البعض، كما اكتشفنا اليوم أن سلامة كل فرد تعتمد على سلامة الجميع. وشجعت المذكرة على إعادة النظر في بعض نماذج النمو المتّبعة اليوم، ودعت الناس إلى الإقرار بمحدودية العلم والتكنولوجيا.
وشددت على أهمية ألا يطغيا على العلاقات بين البشر وألا يُنظر إلى حياة الكائن البشري كواقع بيولوجي وحسب، لذا لا بد أن تشمل عملية العلاج الشخص بكل أبعاده.
وأشادت المذكرة بالجهود الحثيثة التي يقوم بها الأطباء والممرضون حول العالم، معبّرين عن القيم الإنسانية، فضلا عن التعاون القائم بين مراكز البحوث في إطار المعايير التي تضمن سلامة وفعالية الأدوية والعقاقير.
وأثنت الأكاديمية البابوية على العمل الذي يقوم به العديد من الرجال والنساء حول العالم وسط الظروف الصعبة ومن بينهم آلاف المتطوعين بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الكهنة والرهبان والراهبات الذين يواصلون خدمتهم للناس معرضين حياتهم للخطر، وبينهم أشخاص أصيبوا بالفيروس وماتوا
وتضمنت المذكرة دعوة إلى القادة السياسيين كي يتبنوا نظرة واسعة النطاق في العلاقات الدولية ويبتعدوا عن منطقٍ "قصير النظر" يتمثل في البحث عن حلول قومية لأنه بدون تعاون ناجع وتنسيق فاعل يواجهان العراقيل السياسية والتجارية والأيديولوجية لا يمكن التغلب على هذه الجائحة. لذا ينبغي ألا تقتصر الخيارات السياسية على المعطيات العلمية وحسب والبحث عن أجوبة تقنية، إذ لا بد أن تؤخذ في عين الاعتبار عوامل أخرى من بينها اختلاف وجهات النظر الثقافية تجاه الصحة والمرض والموت والعلاجات.
وأكدت أن التغلب على جائحة كوفيد 19 يصبح ممكنًا من خلال تحالف بين العلم والأنسنة، ولفتت إلى أن الفيروس يُعالج قبل كل شيء بواسطة التضامن حيال الأشخاص الأكثر هشاشة وتهميشًا.
وحذرت من مغبة التمييز بين مريض وآخر استنادا إلى الفئات العمرية والتخلي عن أي مريض عند استحالة الشفاء: إذ يمكن اللجوء إلى العلاجات التلطيفية.
وشددت الوثيقة على أهمية الإيمان بالله في هذه الظروف لأن الإيمان يمنح الإنسان القوة الداخلية اللازمة ليشهد للأخوة الكونية.