مي سمير تكتب: "كورونا" يفجر الخلافات بين دول العالم

مقالات الرأي



حلقة أخرى من التوترات بين واشنطن وبكين بسبب الفيروس.. والهند وباكستان يرفضان التعاون لمواجهة الوباء

يعد التباعد الاجتماعى ضرورة صحية يجب التمسك بها خلال جائحة كورونا التى تهدد جميع البشر على سطح هذا الكوكب ورغم أنه من المفترض أن التآزر السياسى إحدى وسائل الدول لمواجهة هذا الخطر لكن للأسف، كانت الاستجابة لمواجهة الوباء قائمة على تحركات فردية من الدول، مع وجود حد أدنى من التنسيق بين البلدان.

حسب تقرير لمنصة ليفمينت، فإنه رغم العلاقات السياسية والعسكرية القريبة التى تجمع القارة الأوروبية بالولايات المتحدة، فاجأ إعلان دونالد ترامب حظر السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة رؤساء الحكومات الأوروبيين تماماً.

ويقدم رد الفعل المفكك فى جميع أنحاء العالم نظرة ثاقبة لعالم أكثر انقساما من أى وقت فى التاريخ الحديث، مع ضعف الدور الذى تقوم به المنظمات المتعددة الأطراف وانهيار التحالفات الدولية مع تصاعد التيارات القومية فى مختلف أنحاء العالم.

وأسفرت أزمة كورونا عن تصاعد الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فى أعقاب فصل الحرب التجارية الذى استمر لأكثر من عام وهدد العالم بأزمة اقتصادية، إذ بدأ فصل جديد من الاتهامات المتبادلة بشأن الفيروس فبعد التصريحات التى أدلى بها مسئول صينى فى بكين وحديثه عن تورط الولايات المتحدة فى تفشى كورونا، حذر وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو الصين من نشر معلومات مضللة حول كورونا الذى ظهر للمرة الأولى فى مدينة ووهان فى الصين فى أواخر ديسمبر من العام الماضى.

وجاء فى بيان للخارجية الأمريكية أن بومبيو أجرى محادثة هاتفية مع مسئول السياسة الخارجية فى الحزب الشيوعى الصينى يانج جيشى أعرب فيها عن «الاعتراضات الأمريكية القوية» على جهود بكين لتحميل الولايات المتحدة مسئولية الفيروس وأن بومبيو أكد أن «الوقت ليس مناسباً لنشر معلومات مضللة وشائعات غريبة وإنما لأن توحد كل الأمم جهودها من أجل مكافحة هذا التهديد المشترك».

واستدعت واشنطن السفير الصينى للإعراب عن احتجاجها، وذلك فى اليوم التالى لتغريدات لجاو ليجيان المتحدث الرسمى للخارجية الصينية، والتى ألمح فيها إلى أن الجيش الأمريكى جلب الفيروس إلى ووهان.

وأثار بومبيو سابقاً انزعاج الصين بحديثه عن «فيروس ووهان»، رغم توصيات منظمة الصحة العالمية بعدم إلصاق اسم الوباء بمنطقة أو شعب، ولكن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نشر العديد من التغريدات التى وصف فيها فيروس كورونا بالفيروس الصينى وكذلك أمام الصحفيين.

وأخذت التوترات بين الصين والولايات المتحدة منعطفاً خطيراً بعد إجراءات متبادلة نالت وسائل الإعلام فى كلا الجانبين.

وكانت الولايات المتحدة قد قامت بتصنيف مكاتب 5 وسائل إعلام صينية، بينها وكالة «شينخوا» وقناة «CGTN»، كـ«عملاء أجنبيين»، ما يعنى تقليص عدد موظفيها، وإلزامها بتقديم تقارير حول أموالها ومشترياتها للحكومة الأمريكية.

ورداً على هذا الإجراء، هددت الصين الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات إضافية حال استمرار الضغوط الأمريكية، مؤكدة أن «كل الخيارات على الطاولة»، وسط تصعيد جديد للتوتر بين البلدين، وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية، جين شوان، فى تصريحات تعليقا على سحب الصين الاعتماد من مجموعة صحفيى وسائل إعلام أمريكية: «نلتزم بموقف واضح وقاطع ونطالب بوقف ممارسة الضغط على الإعلاميين الصينيين».

وتابع جين شوان: «فى حال مواصلة الولايات المتحدة السير فى الطريق الخاطئ، سنكون مضطرين لاتخاذ إجراءات رد إضافية، وكل الخيارات على الطاولة».

وأشار المسئول إلى أن اتخاذ إجراءات مثل سحب اعتماد صحفيين تدخل ضمن صلاحيات الحكومة الصينية، لكنه رفض توضيح عدد الإعلاميين الذين سيشملهم هذا القرار.

وخلال الأسبوع الماضى أعلنت الخارجية الصينية سحب الاعتماد من مجموعة صحفيين تابعين لـ«نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال»، كما طالبت هذه الصحف وكذلك «تايمز» وإذاعة «صوت أمريكا» بتقديم تقارير حول موظفيها وأموالها وتعاملاتها وعقاراتها فى الصين.

على الجانب الآخر من العالم عرقل العداء بين الهند وباكستان جمعية جنوب آسيا للتعاون الإقليمى «سارك»، إذ لم تعقد قمة سارك منذ عام 2014، وتخطى رئيس الوزراء الباكستانى عمران خان، مؤتمر الفيديو الأسبوع الماضى الذى دعا إليه رئيس وزراء الهند ناريندرا مودى لخلق استجابة على مستوى «سارك» لأزمة فيروس كورونا، وفضل التعامل مع الأزمة على مستوى حدود دولته.

وأكدت أزمة فيروس كورونا على عمق التوترات بين الهند وباكستان، واللذان يخوضان نزاعاً حول إقليم كشمير يعتبر من أطول النزاعات الدولية، وبدأ قبل سبعين عاما، بعد إعلان استقلال الهند عن الاحتلال البريطانى.

وفى يناير عام 1949 تدخلت الأمم المتحدة فى النزاع المسلح بين البلدين على إقليم كشمير، وتم تحديد خط لوقف إطلاق النار، وبموجبه وضع ثلثى مساحة كشمير تحت السيطرة الهندية، والباقى تحت السيطرة الباكستانية.

ولم تمنع المعاهدة خوض الدولتين حربين فى 1965 و1971 إلى جانب تلك التى اندلعت قبل إبرام الاتفاقية وكانت فى العام 1948 ما أسفر عن مقتل نحو 70 ألف شخص من الطرفين. فى صيف 2019 تصاعدت التوترات بين البلدين عندما ألغت الهند الوضع الخاص لإقليم كشمير لترد باكستان بطرد السفير الهندى، ووقف التجارة مع نيودلهى بسبب إلغاء الهند.

لكن أبرز تلك الصراعات التى أعقبت فيروس كورونا كان بين المملكة العربية السعودية وروسيا، إذ دخل بوتين فى خلاف كبير مع ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، حول سعر النفط.

وكان العلاقة التى توطدت بين المملكة وموسكو فى الفترة الأخيرة عززت الشراكة أسعار النفط، ولكنها خلقت أيضا مساحة لإنتاج الصخر الزيتى لمواصلة الصعود، وفى ظل القلق بشأن فقدان حصتها فى السوق باستمرار، وتذمر من العقوبات الأمريكية على شركة روسنفت للتجارة، وهى شركة فرعية مقرها فى جنيف لشركة روسنفت للبترول الروسية العملاقة، والتى كانت مكلفة بمساعدة فنزويلا على تجنب العقوبات الأمريكية، رفض بوتين تخفيضات الإنتاج الجديدة التى اقترحها ولى العهد السعودى من أجل مواجهة الطلب البطء الناجم عن فيروس كورونا.

ورد الأمير محمد بن سلمان بزيادة الإنتاج السعودى بنسبة 26٪ وتقديم صفقات رائعة للعملاء الأوروبيين الرئيسيين الذين يتعاملون مع موسكو، وأوضحت هذه التحركات الصادمة أن فشل المفاوضات لم يكن خلافاً عادياً ولكنه هو أول تصدع جيوسياسى جديد ينجم مباشرة عن الوباء، ويبدو الأيام القادمة سوف تشهد انفتاح الشقوق الأخرى بين مختلف الدول إذا استمر تفشى الفيروس.