محمد أكرم دياب يكتب: 5 أيام في سوق الكمامات
كانت خمسة أيام كافية لكشف خفايا ذلك السوق الذي ظهر مع الأزمة، عشت التجربة دون أن اتحرك من مكاني، تلقيت عبر الهاتف فقط عروضا لصفقات شراء كمامات بمبالغ تعدت ال٥٠ مليون جنيها، وراقبت اخرى تبحث عن كميات قليلة من الكمامات حتى بدأت طلبيات المطهرات في الظهور.
راقبت إجمالي الصفقات التي راقبتها في الايام الخمس دون علم باتمامها من عدمه قد وصلت الى ٢٠٠ مليون جنيها، و قبل ان اسرد تجربتي في سوق الأزمة المصري اود الاشارة الى ان ذلك السوق انتشر في الصين وايطاليا وكافة الدول التي تعرضت لوباء كورونا، ويسهل عليك اكتشافه من خلال محرك بحث "الفيس بوك".
البداية كانت من حديث دار أمامي عقب بداية تلقي مصر أول إصابات كورونا، عن اشخاص اعرفهم كانوا وسطاء في صفقات للكمامات بكميات كبيرة، وتم تصديرها إلى الخارج في بداية الأزمة ويريد أحد رجال الاعمال إتمام صفقة كبيرة و بنحاول نشوف مخازن.
أشرت إلى معرفتي بمصانع تقوم بالمهمة لكن ما اكتشفته بعد ذلك ان المصانع تعمل بكل طاقتها يوميا لانتاج الكمامات ولديها اسعارها التي توازي الموجودة بالسوق السوداء فقد أصبح سعر رسمي لكن اقصى كمية ينتجها المصنع لاتتعدى ١٠٠ عبوة يوميا والطلبية تزيد عن الخمسين ألفا.
ظهر من هنا الطريق الثاني للسوق "المخازن" ولكل منها سماسرة خلفهم سماسرة آخرون قد تجد في كل صفقة سبعة اشخاص بخلاف البائع والمشتري يطمح كل منهم في جنيها أو نصفه يضعه فوق السعر الأصلي للعبوة، ليحقق مكسبا لم يستطيع تحقيقه في عشرون عاما عمل براتب شهري .
تنشر المخازن عروضها من خلال سماسرتها بكميات على "marketplace" بالفيس بوك، كافة الكميات التي تريدها ومختلف الأسعار التي تقل أو تزيد ٥ جنيهات لتستطيع تحقيق ربحك من صفقات، أيضا كافة الانواع المصنعة محليا التي تعرف ب"المصري" وتختلف أسعارها باختلاف المواصفات التي تشير عنها اسئلة سوقها، " استيك ولا رباط" ، "خياطة و لا لزق" "طبقتين ولا ثلاثة"، "بدعامة ولا من غير".
هذا بخلاف المستوردة "n95" فمن يمتلكها فهو ملك السوق فندرتها ضاعفت سعرها حتى وصلت الواحدة الى تسعون جنيها، يمكنني الاختصار بأن تلك لسوق تنقسم بين "الحيتان" اصحاب الطلبيات الكبيرة للتصدير او تخزينها حتى اشتداد الأزمة وابطالها رجال اعمال بعضهم يمتلكون سلاسل كبرى لصيدليات والطرف الثاني لهم اصحاب المخازن.
أما السماسرة فهم اطقم تمريض وأطباء وشركات تسويق، والجانب الآخر هم الطامحين في الانتاج اليومي للمصانع قد يتعاقدون مع ثلاثة مصانع لتحقيق توزيع عشرة الاف كمامة يوميا، توزع في المدن البعيدة عن العاصمة ومنهم من يتعاقد لتخزين كميات كبيرة يستطيع الدخول بها لعالم حيتان الكمامات.
بنفس نظام الكمامات بدأت عمليات الاتجار في الكحول والمطهرات ووصلت زروتها فور اتخاذ الحكومة للاجراءات الاحترازية لمنع انتشار كورونا، لكنها شبه انتهت فور ظهور منتجات شركات البترول و مصانع الحكومة وإدارة الحرب الكيميائية، فالدور الرسمي غالبا مايحقق الاهداف السامية ويمنع "تجارة المرض".