أَلْزمَ أحمد إبراهيم، نفسهُ بهمَّة تطهير بيوت العائلة، والبسطاء من كبار السن، بالشارع المحاذي لمنزله، بعد قرار تعليق الدراسة في الجامعات والمدارس لمدة أسبوعين؛ خوفًا من تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ماضٍ في عمله بنشاط وخِفة مع كل صباح، متسلح بابتسامة تتوارى خلفها مشاعر مختلطة من الخوف والقلق، أن يصاب أحد من أبناء بلدته، وتتحول لحجر صحي "في ناس كتيرة فاكرين أن المرض برد وهيعدي.. وفي ميعرفش إزاي يطهر نفسه.. ده غير اللي شغال في الشارع ومش فاضي.. علشان كده بخلص بيتنا وأنزلهم".
استَهَج الطفل، الذي لم يتجاوز الـ (12 ربيعًا)، رأيه بعد محاولات من الأم بمنعه نزول الشارع؛ خوفًا عليه، لكن اِغتم، محاولاً إقناعها بخطورة الوضع، وتعهد بالحفاظ على سلامته، بَسط وجهه فرحًا، واعتضد بصديقه، لكنه خاف أن يشارك في الإجراءات الوقائية -التي شددت عليها وزارة الصحة والسكان- "هنزل لوحدي.. المرض هيموتنا كلنا ومش هيفرق بين اللي رش كحول وبين اللي مش فارق معاه"، يقولها ابن أحد مدن محافظة الدقهلية، وهو مُنهمِكًا في عمله-الذي اتخذه على عاتقه، منذ منح وزارة التربية والتعليم، الطلاب إجازة رسمية للمدارس والممتدة لمدة أسبوعين-، بتعقيم وغسل أيدي أحد المواطنين، الذي لم يدرك مغبَّة تعنَّته، في الامتناع عن التطهير، متشبثًا برأي أحد الأطباء في أن المطهرات تسبب الحساسية "تعبني عمو السيد.. بس في الأخر فهمته ورشيت ايده ودخلت بيته ورشيته بالميه والخل والكحل وكمان ديتول".
مشى أحمد ونهض برأسه يُحركه إلى أعلى، لاسيما وأن الرجل المشارف على نهايات الأربعين من عمره، اقتنع بكلامه، بعدما أوضح له كلام الطبيب وما يقصده في دمج بعض أدوات التطهير "قالي هيرش بيته كل يوم.. ويلف على أولاده ويطهرهم بنفسه"، مُطالبًا منه زيارته مرة أخرى للإطئنان عليه وإبلاغه بأخر الأنباء عن الفيروس المستجد "فهمي على أدي يابني.. وخايف على ولادي.. علشان كده قولت نغسل ايدينا بالمياه بس"، يقاطعه أحد جيرانه، بالطابق العلوي بالبناية المُقابلة له "البخاخة دي في ايه"، مُناديًا على الطفل؛ لمساعدته في تطهير يده وحفيدته، ظنًا منه أنه مطهر جديد. اجترَّ الكلام، حتى فطِن أن التعقيم لا يحتاج لسلع مكلفة وموجودة بداخل كل منزل، ورفع صوته بالدعاء إلى الله "العلم نور يابني.. وربنا يزيدك".
يعمل الطفل بروح يعتريها الفخر، مستمرًا في أداء مهامه، التي امتدت إلى الأبواب، صَوع الشوارع للسير فيها بأمان، أَوجب على ذلك الشيء "كل ما أدخل شارع الاقي ناس كمان بتشتغل وناسية أن لازم ياخدوا بالهم.. فبروح عندهم وافكرهم واساعدهم.. في ناس كانت بتستغرب ويقولولي روح انت علشان طفل.. وفي ناس كانت بتضحك ومتكسفنيش"، برغم من أن الفتى يخجل ولا يحسن التواصل الاجتماعي، لكن حرصه على أسرته ووطنه كسر هذا الحاجز. جمَح مراده، بعدما استجاب العديد من المواطنين لمبادرته، التي طرأت على مخيلته، بعد علمه أن 300 أسرة بأحد مراكز المحافظة تعرضت للحجر الصحي.
تكبَّد أحمد، مشاقّه هذا العمل، الذي يشرع في مبادرته من الساعة العاشرة صباحًا حتى الحادية عشر مساء "من أول ما يصحى يفضل يرش كلور وديتول على الأرض والشبابيك وأي حاجة قدامه.. وكل شوية ماسك ايد إخواته يعقمهم.. ويروح عند ولاد عمه ويعمل كده"، تقولها الأم، التي تظل تتواصل معه هاتفيًا، وتسلحه بالإرشادات والقناع الطبي، والقفازات الطبية "مقدرش أمنعه.. وأهو يستغل الإجازة"، يُمازحها الطفل، الذي يرى أنه عمله ضروري لمساندة بلده، مقارنة ببعض زملائه، الذين يقضون الإجازة في الألعاب الإلكترونية، والمشاركة في تطبيق مقاطع الفيديو-لتبادل المواهب الموسيقية-"تيك توك".