مي سمير تكتب: ترامب يكذب.. الولايات المتحدة ليست مستعدة لمواجهة كورونا

مقالات الرأي



جولييت كايم مساعدة وزير الخارجية فى عهد أوباما:

اعتمد على التفكير الخيالى وتحدث بشكل غير واقعى حول إمكانية العثور على لقاح بسرعة

التهديد الخطير يكشف نقاط الضعف فى السياسة الأمريكية


الولايات المتحدة الأمريكية التى تعد الدولة الأقوى فى العالم غير مستعدة لمواجهة فيروس كورونا، هكذا أكدت جولييت كايم، مساعد وزير الخارجية السابق للأمن الداخلى فى عهد الرئيس أوباما، ورئيسة هيئة التدريس لبرنامج الأمن الداخلى بكلية كينيدى للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد.

وفى مقال على موقع مجلة أتلانتيك أكدت كايم أنه بالنسبة للمحترفين الذين يحاولون إدارة تهديدات الأمن الداخلى، فإن طمأنة الجمهور بعد وقوع كارثة طبيعية أوهجوم إرهابى، أو وسط تفشى الفيروسات التاجية مثل تلك التى يواجهها العالم الآن، ليس سوى جزء من العمل. 

وبوصفها مسئول فيدرالى سابق فى شئون الأمن الداخلى، وتدرس قضايا السلامة والمرونة، وتقدم النصائح للشركات بشأن خطط الاستجابة للطوارئ، تدرك كايم أن القرارات المتهورة التى تولد الذعر لم تجعل أى حالة طوارئ أفضل.

وتحرص كايم على طمأنة الناس بأسلوب هادئ قدر المستطاع، وحثهم على الاستماع للخبراء وتقديم المشورة لهم بشأن الخطوات الملموسة التى يمكنهم اتخاذها للحفاظ على أسرهم ومجتمعاتهم وأعمالهم.

وعلى الرغم من ذلك تدرك كايم أن تلك النصائح غير كافية لمواجهة فيروس كورونا، وتؤكد أنه إذا استنتج الأمريكيون أن الحياة ستستمر فى الغالب كالمعتاد فقد يكونون مخطئين. 

حسب كايم فإن الولايات المتحدة أقل استعداداً بكثير من الدول الديمقراطية الأخرى التى تعانى من تفشى الفيروس التاجى الجديد، ولا يعكس عدد الحالات الضئيل حتى الآن عدم انتشار الفيروس فى أمريكا، بل يعكس نقصاً كبيراً فى الاختبارات القادرة على كشفه.

ويضيف المقال: إنه من المؤكد أن الاضطرابات ستتضاعف فى الأسابيع القادمة، تخفض شركات الطيران رحلاتها، يتم إلغاء المؤتمرات، كما يضر انخفاض الواردات بسلاسل التوريد العالمية، وتمنع الشركات موظفيها من السفر وحضور التجمعات الجماهيرية، وألغت جامعة ستانفورد محاضراتها لبقية فصل الشتاء، ومن المحتمل أن تتخذ المؤسسات الأخرى خطوات مماثلة.

وتقول الكاتبة إن الخطوات العدوانية ضرورية لحماية الجمهور من فيروس قاتل، وقد قيمت منظمة الصحة العالمية معدل الوفيات خلال الأسبوع الماضى بنسبة 3.4٪، وهو أعلى بكثير مما كان يعتقد، وفى وقت مبكر رفض العديد من الخبراء الطبيين الأمريكيين الاعتراف بخطورة الفيروس القادم من الصين، لكن المعلومات من جميع أنحاء العالم أكدت الآن مدى خطورته، ومدى سرعة انتشاره.

وحسب الدكتورة مارجريت بوردو، الباحثة فى مشروع الأمن والصحة العالمية فى مدرسة كينيدى بجامعة هارفارد: «لا أحد منا يريد أن يكون جبانا، ولكن هناك الكثير من البيانات المتسقة التى تفرض الإحساس بالخوف». 

وحسب المقال فحتى لو كانت الولايات المتحدة أكثر استعدادا بكثير من العديد من الدول لمواجهة فيروس كورونا، فقد تظل العواقب وخيمة، ولا يعنى الإعداد الملائم وامتلاك الخطط والأموال والمعدات والخبرة اللازمة إمكانية تجنب جميع الأضرار والمخاطر.

ومع ذلك وبسبب طبيعة الأوبئة، فإن مستوى الاستعداد الذى يبدو قوياً لخبراء الأمن الداخلى قد يفشل فى منع الآلاف من الوفيات.

وتحاول الخبيرة الأمنية الأمريكية توضيح خطورة الوضع بالنسبة للولايات المتحدة بإعطاء مثال يكشف أنه فى الحالات الطارئة تفشل الولايات المتحدة فى الحد من المخاطر رغم إمكانياتها العظيمة، وهو ما حدث فى تفجير ماراثون بوسطن عام 2013، حيث توفى 3 أشخاص عند خط النهاية بعد انفجار قنبلتين محليتين فى حشد من المتفرجين، وكانت مأساة لعائلاتهم وشعب بوسطن، كما أصيب قرابة 300 شخص بجروح، ولحسن الحظ فإن بالمدينة عددًا كبيرًا من المستشفيات التى لديها مراكز ممتازة لعلاج الصدمات، وكانت مستعدة بشكل غير عادى لمثل هذه الحالة الطارئة، وتم علاج بعض الناس فى مكان الحادث ونقل 127 آخرين - فقد الكثير منهم أطرافهم - إلى المستشفيات المحلية.

لقد أنقذت جهود المسعفين والجمهور الكثير من الضحايا من الموت، لكن هذا النجاح نسبى إلى حد كبير، لأن الاستعدادات الدقيقة لم تمنع وفاة بعض الأشخاص، أو تعرض البعض الآخر لأضرار نفسية أو جسدية، وفى النهاية كل قدرات أمريكا الأمنية والطبية لا تستطيع أن تحول دون وقوع ضحايا، وهو نفس الأمر الذى ينطبق على فيروس كورونا. 

يضيف المقال: إن تهديدا خطيرا مثل الفيروس التاجى الجديد يكشف نقاط الضعف فى المجتمع والسياسة الأمريكية، إذا كان بإمكان الأمريكيين السعى للاختبار والرعاية دون القلق بشأن المدفوعات المشتركة أو الفواتير المفاجئة، وإذا كان كل من ظهرت عليهم الأعراض قد حصل على إجازة مرضية مدفوعة، فيمكن للولايات المتحدة أن تبطئ انتشار فيروس كورونا بسهولة أكبر، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وهناك الكثير من التقارير التى تؤكد أن الولايات المتحدة غير قادرة على توفير الاختبارات الطبية الكافية لمواطنيها من أجل التأكد من عدم إصابتهم بالفيروس.

كما أشارت تقارير أخرى إلى أن معدات التعقيم والوقاية المنزلية سوف تنفد خلال الفترة المقبلة. 

ويمكن للفيروس التاجى، والإجراءات التى تم اتخاذها لإيقافه أن يغير بسرعة إيقاع الحياة اليومية للأمريكيين، بعد أن شهدت الولايات المتحدة أول حالة وفاة، وإعلانات الطوارئ الأولى، وإغلاق المدارس الأولى، والسياسات الإلزامية الأولى للعمل فى المنزل.

وإذا ارتفع عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا بسرعة فقد تغرق المستشفيات قريبا بالمرضى الذين يطلبون الرعاية، وهذه نتيجة يمكن التنبؤ بها لأى وباء، لكن مع نقص الخبرة الأمريكية فى التعامل مع هذه الأوبئة يمكن أن تكون هذه التغييرات مدمرة إذا استمر الفيروس فى التفاقم.

ويكشف المقال عن حجم الأزمة التى تواجه دولة فى حجم أمريكا، تقول كايم: إن من المفارقات أن المسئولين يحثون المواطنين على التزام الهدوء ومحاولة التعامل بعقلانية مع الوضع، لكن الحقيقة أن الدولة لم تستعد للتعامل مع السيناريو الأسوأ، وعلى سبيل المثال سيؤدى إغلاق المدارس لعدة أسابيع إلى اضطرار الآباء والأمهات للبقاء فى المنزل لرعايتهم، ما يؤثر بدوره على عجلة العمل، بما فى ذلك الوكالات الأمنية، الأمر الذى سينعكس على حجم الأمن فى الشارع. 

ومع تأرجح الرئيس دونالد ترامب وإدارته بين تجاهل التهديد والوعود غير الواقعية حوله، وعد نائب الرئيس مايك بنس يوم الأربعاء بإجراء 1.5 مليون اختبار لفيروس كورونا، لكن جريدة ذا أتلانتيك أفادت يوم الجمعة بأنه وفقا لجميع الأدلة المتاحة، تم إجراء أقل من ألفى اختبار فى الولايات المتحدة.

وتقول: ترامب نفسه يكذب ببساطة بشأن الحقائق الأساسية حول استجابة إدارته لفيروس كورونا، وعلى الرغم من نقص أدوات الاختبار فقد صرح علناً بأن كل من يريد إجراء الاختبار يمكن أن يخضع له.

وأعطى احتواء الصين العدوانى للفيروس الجديد فى الأسابيع الأولى من هذا العام، الدول الأخرى الوقت لتهيئ نفسها لما سيحدث فى النهاية، فى المقابل تجاهلت الولايات المتحدة كل التحذيرات، لقد أضاعت الولايات المتحدة تلك الفرصة، لقد قلل ترامب باستمرار من عدد المرضى، وألقى باللوم على إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لعدم وجود مجموعات أدوات الاختبار، وتحدث بشكل غير واقعى حول إمكانية العثور على لقاح بسرعة.

وانتهت المقالة بالإشارة إلى ضرورة أن تقوم الاستجابة الأمريكية للمرض الجديد على شىء أكثر من الحدس والتفكير الخيالى.