"مبروكة خفاقي" أم مثالية في عصر ظالم
هناك العديد من الأمهات لم يكرمهن الزمن، وأثروا في حياة أبنائهم، فعاشوا الأمومة في أسمى صورها كالسيدة "مبروكة خفاجي"، التي لم تحصل على لقب الأم المثالية لكن استحقته بجداره، فهي رحلة كفاح ممزوجة بعطاء الأم لأبنها الوحيد بعد أن ضربت خير مثال للتضحية والتحدي للظروف الصعبة.
عاشت "مبروكة خفاجي" في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، وهي فلاحة بسيطة تزوجت من (إبراهيم عطا)، وكان يعمل بالأجرة، ولكن انفصل عنها بسبب ضيق الحال، رغم أنها كانت حاملًا في شهورها الأخيرة.
وانتقلت مبروكة مع والدتها وأخوها إلى الإسكندرية بعد ذلك، وأنجبت ابنها (علي إبراهيم)، وقررت أن تبذل كل جهودها، لتربيته وتعليمه ووصوله إلى مكانة مرموقة في المجتمع.
ظلت الحياة تعصف بها من حين لآخر، فعملت بائعة "جبن" في شوارع الإسكندرية، والحقت ابنها بمدرسة رأس التين الأميرية، ولكن عاد زوجها، ليأخذ ابنه ويوظفه بالشهادة الابتدائية، وعندما علمت بالأمر هربت به إلى القاهرة.
وفي القاهرة أدخلت "مبروكة" ابنها المدرسة الخديوية في درب الجماميز، وعملت لدى أسرة السمالوطي، لكي تنفق على تعليمه، وجاء دور ابنها في رد الجميل فتفوق في دراسته، والتحق بمدرسة الطب عام 1897 وتخرج منها عام 1901.
وبعد 15 عامًا، مرض السلطان حسين كامل بالسرطان، واحتار الأطباء في مرضه، واقترح العالم البيولوجي، الدكتور عثمان غالب، على السلطان اسم الدكتور علي إبراهيم، فاستطاع علاجه وأجرى له جراحة خطيرة وناجحة، فعينه السلطان جراحا استشاريا للحضرة العليا السلطانية وطبيبا خاصا للسلطان ومنحه رتبة البكوية.
وفي عام 1922 منحه الملك فؤاد الأول رتبة الباشوية، كما تم انتخابه أول عميدًا مصريًا لكلية الطب بجامعة فؤاد في عام 1929، ثم عين وزيرا للصحة في عام 1940، ونقيب الأطباء الأول في تاريخها في نفس العام.
فكانت "مبروكة" ترفض رفع الراية البيضاء، وتحدت زمن كان الجهل وقلة الحيلة مبادئه، فاستطاعت أن تصل بابنها الوحيد ليكون أول وزيرًا للصحة في مصر.