"أم المحسنين".. سيدة أحيت بتربيتها لأبنائها جزءً من تاريخ مصر
يحل علينا غدًا يومًا ننتظره من العام إلى العام، نحتفل فيه بالأم التي وقال عنها الشعراء، "لو أعددتها لأعدت شعبًا طيب الأعراق"، والتي قال عنها الحكماء، "الأم من خدرها تستطيع أن تغير العالم" واليوم نسوق لكم نموذجًا لأم بالتربية فقط استطاعت تشكيل جزء كبير من أجزاء تاريخ الفن المصري.
يقول الدكتور ولاء الدين بدوي مدير عام متحف قصر الأمير محمد علي توفيق، إن لدينا نماذج من الأمهات مكافحات عبر التاريخ، ولكن أمينة هانم إلهامي طراز خاص استطاعت بالتربية أن تحيي جزءًا من تراث هذه الأمة.
وأشار بدوي في تصريحات خاصة إلى "الفجر"، أن أمينة هانم إلهامي هي أم الأمير محمد علي توفيق صاحب قصر المنيل، وأم الخديو عباس حلمي الثاني، والمعروفة بلقب أم المحسنين، والتي كانت سببًا في حب الخديوي والأمير للتراث وكل ما يتعلق به.
وأم المحسنين، هي بنت إلهامي باشا، ابن عباس الأول، ابن طوسون، ابن محمد علي باشا، تزوجت من الخديو توفيق وأنجبت له الخديوي عباس حلمي الثاني، ومن بعده الأمير محمد علي، والأميرة خديجة والأميرة نعمت هانم، وقد أوقفت حياتها وتبرعاتها على العمل العام وكفالة المساكين والمرضى في الجمعيات الخيرية، فلقبت بـ "أم المحسنين".
وهي صاحبة القبة الضخمة الموجودة في صحراء المماليك والمعروفة بـ "قبة أفندينا" فقد قامت ببنائها واختارت طرازها الفني بعناية على النسق الإسلامي المملوكي، والقبة فيها أضرحة زوجها وأولادها، وكان لهذه الأم دور عظيم في حياة أبنائها.
حرصت أمينة هانم إلهامي، على تعليم أولادها الفنون الإسلامية والموسيقى، وعندما سافر ولديها عباس، ومحمد، للدراسة بالخارج في سويسرا ثم النمسا، كانت بينها وبينهما رسائل متبادلة، ومن فحوى هذه الرسائل يظهر لنا أنها كانت ترسل لهما أن يحافظا على الصلوات في أوقاتها، ثم أوصتهما بتعلم الفنون والموسيقى وآثار البلاد.
وأضاف بدوي: كانت الأميرة أمينة هانم إلهامي سيدة التعليم الأولى في مصر، حيث أنشأت "المدارس الإلهامية الصناعية الزخرفية" خصيصًا لإعادة إحياء الفن الإسلامي مرة أخري، وكانت تدعم كل من لديه موهبة في هذا النوع من الفن، وتنمي المواهب بين أبناء الشعب المصري، الذين خرج منهم الكثير من الفنانين.
وتابع: كانت نشأة الشابين في هذه الأجواء، لذا نجد أن هذه التنشئة والتربية انعكست على انجازاتهما في الحياة، فالخديوي عباس حلمي الثاني هو أبو المتاحف المصرية، ففي عهده تم إنشاء أغلب وأهم متاحف البلاد، كما أنه ساهم في ترميم وصيانة وحفظ الكثير من الآثار الإسلامية، وأنشأ لأجل ذلك لجنة عرفت بلجنة حفظ الآثار العربية والتي يرجع لها الفضل في حفظ ما وصل إلينا من المباني التراثية الإسلامية والقبطية.
وقال بدوي، في عهد عباس حلمي الثاني بُني أول مبنى مخصص كمتحف، وهو المتحف المصري في التحرير، حيث كانت المتاحف من قبل مجرد مباني قديمة تاريخية ويتم تحويلها إلى متاحف، وكذلك في عهده بُني متحف مخصص لآثار مصر في العصر الإسلامي، وهو "متحف الفن الإسلامي".
وعن ابنها الثاني الأمير محمد علي توفيق، قال بدوي، إنه لُقب بلقب ندر أن حمله أحد في تاريخ مصر، وهو محيي الفنون، حيث قام ببناء قصره المنيف في منطقة المنيل، وقال عنه إنه قام ببنائه إحياءً وإجلالًا للفنون الإسلامية ثم أوصى بإهداؤه للشعب المصري بعد وفاته، وبالفعل تحول القصر إلى متحفًا نادر الوجود، ووراء هذا الأمير العظيم أيضًا أم عظيمة هي أمينة هانم إلهامي الملقبة بأم المحسنين.
وختم الدكتور ولاء الدين بدوي كلماته قائلًا، عندما يزور العالم اليوم المتحف المصري في التحرير أو متحف الفن الإسلامي في شارع بور سعيد، أو متحف قصر المنيل، أو المعالم الأثرية الإسلامية والقبطية وجب علينا أن نتذكر أن هذا بفضل تربية أم من الأمهات لأبنائها.