"كاميرا العائلة كانت البداية". . الصحفي "الميت الحي" يكشف رحلة توثيقه للثورة السورية منذ يومها الأول (حوار)

تقارير وحوارات

رسوم: عمرو عبدالعاطي
رسوم: عمرو عبدالعاطي


ضرِيت الحرب بسوريا، بعد الانتهاء من صلاة يوم الجمعة الموافق 18 مارس عام 2011، وواجه الشعب القوات الأمنية بِبسالة، دحرَه، سامَت نسائم الحرية المُنطلقة من ساحة المسجد العمري بحي المنشية التابع لمدينة درعا، اتحدَت الآراء، تعالت أصوات الثوار، وتناهى إلى سمع أحمد مسالمة، صوت هتافاتهم، المُباغت للشرطة، مما تسبب في تَراجعها أمام المد البشري، هالَه الحدث، جعل الناشط الإعلامي، يتحرك مع الجماهير التي بدأت بثلاث ألاف وفي أقل من ساعة فاق العدد 20 ألف سوري ينشد الحرية بأصوات التكبيرات "كنت مصدوم.. لأول مرة بحياتي في سوريا أشاهد مواطن يقف في وجه شرطي هيك بعدما كان يرهبه عندما يمر بدراجته النارية من الشوارع".






ارتَطمت الأوضاع على العامل المستقل في تجارة الهواتف المحمولة ومجال الإنترنت آنذاك، فلا يجد فيها مخلصًا، خاصة مع تَحليق المروحيات بالجو، وتجمع الحشود العسكرية والأمنية، وإطلاق النيران؛ الذي أصاب (15 شابًا) وارتقاء شهيدين، سوى العودة للمنزل وحمل كاميرا صغيرة كانت ملك لعائلته- لتوثيق لذكرياتهم-، شحنها جيدًا وحملها بخوف وأخفاها تحت ملابسه، وعند وصوله إلى ساحة التشييع، شاهد الجموع من كل الأطياف والبلدان الحورانية- مصطلح يطلق على محافظة درعا وريفها بجنوب سوريا-، أخرج الكاميرا بقوة ورفع رأسه عاليَا لتوثيق أول فيديو، ليكون شاهدًا على الانتهاكات ضد الشعب، لتكون هذه بداية عمله الإعلامي "من هنا انطلقنا نوثق أحداث الثورة.. وتوصيل معاناة السوريين بالصوت والصورة إلى العالم". وتحولت الكاميرا البسيطة إلى التصوير بهواتف محمولة دقتها أكبر، جسدت صورة الدم، لاسيما مع عودة الجماهير من زحفها الأول من درعا البلد إلى مشارف درعا المحطة "هذه اللحظة خط فاصل بين العبودية والحرية"، فلم يدخل أي شخص لمنزله، سكت برهةٍ "ذكريات تعجز عن وصفها لوحات مفاتيح".






صناديد الشباب تقف بشموخ تحمل الشهداء، تشييع مهيب وهتافات عانقت السماء، جموع من كل حدب وصوب من ربوع ريف درعا ومن القرى والمدن وصلت لتشارك، ومنها ما كان ينظر إلى الهول ويتفقد الوجوه "و يسأل نفسه هل هي ثورة"، عبارات ظل يرددها "مسالمة"، متذكرًا فضل الكاميرا الاحترافية الذي كان يمتلكها صديقه الشهيد في إحدى الغارات الجوية، خلال الثورة، بعد عودته من الخليج، جفَّ كلامه، مسترجعًا العوائق، بعد قطع الإنترنت "كانت تقطع علينا بالأيام.. وقتها الاتصالات الأردنية كانت تعمل بشكل جيد.. وبحكم قربنا من الشريط الحدودي الأردني والذي يبعد عنا من 10 إلى 30 كيلو متر.. نقوم بإرسال ما تم التقاطه بكاميراتنا إلى زملاء وأصدقاء سوريين خارج الحدود". ومن هنا بدء عرض قضيتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، مع دخول الكمبيوتر المحمول "تم التواصل عبر أشخاص سوريين خارج سياج الوطن مع الوسائل الاعلامية الكبيرة التي كانت تراسلنا مباشرة"، وبدأت انطلاقة التغطية الإعلامية من هنا بداية من شهر إبريل عام 2011، عقب منع أي وسيلة إعلام من دخول سوريا، وإغلاق كافة مكاتب وسائل الإعلام على الأراضي السورية.






تسلسلت الأمور بشكل سريع، وجاء اقتحام درعا وتم اعتقال الناشط الإعلامي، الذي خرج مع الثوار منذ اليوم الأول، برغم من استخدمه اسم مستعار، وأفرج عنه لاحقا بعد إصابته بطلق ناري، وبعد تماثله الشفاء، عاد لمهامه مرة أخرى، وتم اعتقاله والإفراج بعد تعذيب ثلاثة أشهر، ولكنه لم يستسلم حتى اعتقاله للمرة الثالثة في أكتوبر عام 2013، والذي خرج منها جثة، بعدما ظن النظام أنه توفى "اترميت جثة.. بعدما قام زملائه بترويج إشاعة مقتلي أثناء عملهم  بتغطية الأحداث إعلاميًا.. وتم الإفراج عني جثة هامدة من كثر التعذيب وخرجت نصف إنسان.. وقامت عائلتي بمجلس عزاء.. ورجعت ميت مع وقف التنفيذ متعبا من عذابي بالكهرباء.. ودق اظافري بمسامير حديدية وكسور بأضلاع الصدر وأصابع لاتوى على الإشارة ولسان لاينطق"، وبمرور الوقت هدأت ألامه، إلا أنه ظل ألام ظهره؛ أثر طلق ناري به، كما تزال شظايا بجسده؛ شاهدة على الانتهاكات التي تعرض لها هو وأبناء وطنه.






مشاهد عدة ما برحت في ذاكرة مسالمة، تكلم بأونٍ، دموع نجله الأكبر ابن العشر سنوات، آنذاك، وأسئلته "هل هذا أبي الذي كان يمرح الآن لا يتكلم؟، ليجاوبه بباطن رأسه "الله سيكون معنا لا تبكي يا ابني"، ليصر على استكمال مشواره، وبعد  مروره برحلة طويلة من العلاج، عاد إلى العمل بالتوثيق والتصوير "قمت بتوثيق الاقتحامات والقتل والدمار والشهداء والجرحى والمعتقلين والثكالى والمظاهرات والمعارك.. وشاركنا بالمعارك سلميين بأقلامنا وعدساتنا.. وثقنا الإجرام الإيراني.. وما زلنا على العهد"، ولكن من خارج الحدود بنفس النشاط الذي كان عليه بأرض سوريا "لم نتمكن من البقاء بعد السيطرة الأخيرة على الجنوب السوري بالشهر الثامن  من سنة 2018 .. خرجنا مرغميا منها.. ضعفنا بعد عدم التفريق بين حجر وبشر".






أما عن توثيق الحقائق حول الحرب الطائفية بسوريا، أكد الناشط الماكث في الأردن، أن قبل الثورة كان في الكثير من العائلات الشيعية وغيرها من الطوائف لم يفكروا يومًا في مذاهبهم، إلا بمرور سنة من بداية الثورة، بعدما حاول النظام السوري ترويج هذه الأفكار، ليقنع العالم أن ما يحدث في سوريا حرب طائقية "وعملنا على إثبات ذلك من خلال تصوير مكاتب التشييع وأماكن تواجدهم.. وما يزال العمل مستمر عليهم من مناطق تواجدهم ونقاط تجمعهم ومراكز تدريبهم وأنشطتهم.. والمطالبات الإقليمية والدولية بطرد إيران وحزب الله من الجنوب السوري.. وأكبر دليل على إننا تمكنا من فضح هؤلاء وإجرامهم الطائفي.. نقوم بمتابعة كل أحداثهم ومراقبة تحركاتهم.. فهناك ناشطون يختصون بالشأن الايراني بسوريا.. وكل التوثيقات تم رفعها على اليوتيوب لإظهارها للعالم.. وهادا سلاحنا".