منال لاشين تكتب: البورصة فى التوقيت الغلط
توقيت أى عملية أو خطوة لا يقل أهمية عن أهدافها، فاللحظة المناسبة لا تقل خطورة عن الفعل المناسب، وهذه البديهات يعرفها الكبير والصغير، والمتعلم والجاهل، ولذلك أصابنى الهم والخوف والذعر، فكلما شاهدت إعلانات المستثمر الصغير تتنازعنى الدهشة والغضب معا، فالحملة تدعو البسطاء للاستثمار فى البورصة، وتحاول إغراءهم بدخول لعبة البورصة بادعاء مشكوك فيه، وهذا الادعاء أن المستثمرين الصغير والكبير يتساويان فى الحقوق.
ولم أناقش الآن هذا الادعاء، لأن هناك ما هو أهم وأخطر وهو توقيت جذب البسطاء للبورصة، فنحن فى أسوأ وقت وظروف وتحديات يمكن أن تمر بها البورصة المصرية، فقد كانت البورصة تعانى من ضعف وسوء الأداء، فإذا بفيروس كورونا يزيد من الوضع المأساوى، وذلك ضمن توابع الفيروس على كل بورصات العالم.
وبسبب الفيروس فإن هناك حالة شديدة الضبابية، ومستقبلاً غامضًا أو بالأحرى متشائمًا لكل البورصات.
ومن هنا فإن إطلاق حملة لحث البسطاء على دخول البورصة فى هذا التوقيت يعد خطيئة للمواطن ولمستقبل البورصة على حد سواء.
فالمواطن لم ينج من الغموض والضباب الحالك الذى يلف البورصة ويوقف حال كل البورصات، ولا يستطيع أفضل الاقتصاديين التنبؤ بما سيحدث غدا، وأو يتوقع أداء المستثمرين الأجانب تجاه هذه الأزمة الكبرى، ولذلك فإن احتمالات تحقيق أرباح فى هذه الفترة محل شك كبير، وهذه جريمة فى حق المواطن البسيط الذى قد يخسر أمواله القليلة نتيجة هذا المناخ الغامض.
ويزيد من خطورة الموقف أسباب أخرى، مثل التوقعات بخفض الفائدة على الودائع أو بالأحرى مزيد من الانخفاض خلال الفترة القادمة، فقد يدفع هذا الخفض بنسبة من المواطنين بالاستجابة لحملة الإعلانات واللعب فى البورصة، أو بالأحرى الغرق فى محيط البورصات الذى لا نرى منه سوى السطح.
وعلى الرغم من أن صغر حجم البورصة الآن وعدم ارتباطها بالبورصات العالمية قد حمى البورصة فى العديد من الأزمات العالمية، إلا أن سيطرة الفيروس ووصوله للمنطقة العربية ولمصر ضرب البورصة.
ولذلك فليس من العدل الاجتماعى، أو الحكمة الاقتصادية أن نختار هذا التوقيت الخطير والخاطئ لنشجع البسطاء على اللعب فى البورصة وخسارة أموالهم.
أما بالنسبة للبورصة نفسها فإن النظرة على المدى البعيد تكشف خطأ توقيت الحملة، فإذا تعرض المواطن البسيط إلى خسائر فى البورصة، فسوف يفقد الثقة فيها مستقبلا، وفى كل الحملات المستقبلية للترويج للبورصة، وبذلك تتحول هذه الحملة الترويجية إلى عثرة تعرقل انتشار ثقافة والاشتراك فى سوق المال فى ما بعد.
بالطبع أنا أقدر بعض النوايا الحسنة لكبار مسئولى البورصة وسوق المال لإنعاش البورصة، ولكن بالتأكيد يجب ألا يكون البسطاء أو بالأحرى مدخراتهم هى وقود تنشيط البورصة وإخراجها من الأزمة، فقد عانى صغار المستثمرين كثيرًا ومرارًا وتكرارًا من الظلم والخسارة، ولعب بهم نصابون تارة، واستخدموا كأوراق ضغط تارة أخرى، وتكفل الجهل بخسارة البعض الجمل بكل ما حمل.
ولذلك لا يجب أن نعيد هذه المآسى ويجب أن نختار التوقيت الآمن لدخول البسطاء إلى عالم البورصة.