تفطَّنت فاطمة إلى الخطر الذي يهدد حياة طفلها البِكر، بعد دخوله في نوبة عطاس ترافقت مع ارتفاع في درجة الحرارة وسيلان أنفي، مُسرعة إلى مستشفى المركز المُحاذي لها، لاعتِقادها للوهلة الأولى أنه مصاب بفيروس كورونا المستجد، خاصة وأن أعراض المرض الذي دَاهمه تتشابَه معه، وبوصولها إلى مكتب الاستقبال المكتاظ بالعديد من الممرضات صغار السن، باغتها تعاملهن مع الصغير "ادخلي بسرعة به لدكتور الطوارىء في الغرفة رقم 4"، وتباعدنَ للخلف، فاعتراها الخوف حتى طمأنها الطبيب "عيشوني أصعب ساعة في عمري كله.. للأسف مش مؤهلين للتعامل مع المرضى وبيتعاملوا بسخرية".
لم يدركن الممرضات مَغبة خطئهن، صوب الأم، رغم اتخاذ الإجراءات الوقائية والأوامر الصارمة من قبل وزارة الصحة بشأن الفيروس (كوفيد-19)-الذي حُدد مبدئيًا في منتصف ديسمبر 2019 في مدينة ووهان وسط الصين، واعتبارًا من 31 يناير المنصرم، تم تأكيد وجود ما يقرب من 75,775 حالة، بما في ذلك كامل مقاطعات الصين، قبل أن ينتشر إلى ما يزيد على 60 دولة في شتى أرجاء العالم-، لاسيما وأنه نادرًا ما تأتي الأعراض في صورة عطس أو سيلان مخاط من الأنف، بل تبدأ الأعراض بحمى، متبوعة بسعال جاف، ولا تعني ظهور تلك الأعراض بالضرورة الإصابة بالمرض، فهي أعراض تشبه تلك المصاحبة لأنواع الفيروسات الأكثر شيوعًا، مثل نزلات البرد والإنفلونزا، وفقًا للإرشادات المدونة من الوزراة، وملصقة على العديد من حوائط المستشفى "فزعتنا لما قالت ابنها عنده كورونا.. ومفكرناش غير إنها تنقذه وكمان ننقذ نفسنا".
هدأت الأوضاع بأحد المَشافٍ في محافظة الدقهلية، وعاودت من جديد مع استقبال الممرضات إحدى الفتيات، بعدما أبلغتهم أنها تعاني من كحة جافة على مدار أسبوع متواصل، ما يجعلها لا تنام طيلة الليل من الألم، فحاولت إحدى الممرضات المزح معاها "ليكون عندك كورونا"، فأخبرتها الفتاة بأنها مريضة حساسية، تقاطعها إحدهن مُتجهّمة الوجه، أضواء الحجرة تنعكس على بشرتها الحِنطية، منفعله على زميلاتها "كفايا ده مش موضوع للهزار.. واللي خايف من المرضى يقوم من هنا"، هدأ وزال اضطراب صاحبة (20 ربيعًا)، وخَفت كلامه، لتواجهة مصير مماثل لفاطمة "رعبتوني.. دي حساسية بتشد عليا مع تغير الجو"، مقدمة للممرضة نصائح مُتعاقبة "طمنوا المريض". وتكايد الممرضات وضرَب كفًّا بكف.
بينما جفّ لسان بسام، في شرح ما يعانيه دون أن يبالغ في مرضه وشعوره بنزلة برد استمرت لأكثر من عشرة أيام، دون تحسن، رغم الاحتياطات المعتادة من تناول الليمون بالعسل حتى صئب من الشراب، ليتفاجأ بأن المسافة تناءت بينه وبين الممرضة "معنديش كورونا.. خوفتي ليه"، لتجاوبه وهي مُبتسمة "غرفة العزل أو الحجر الصحي مش مهيئة لاستقبال المشتبه فيهم.. عندنا استقبال طوارىء بس"، مُداعَبة الشاب الذي رَشِح جسده، واهتجَّ في رأْيه، متسائلاً عن التعليمات المتخذه في بعض الحالات المشتبه بإصابتهم بالفيروس-الذي حددت وزارة الصحة والسكان، 26 مستشفى بالمحافظات من بينهم محافظة الدقهلية في مدينة تمي الإمديد-، لترد وهي منشغلة مع إحدى المرضى التي تسأل عن طبيب العظام "عندنا تعليمات طبعا وازاي نتعامل مع مرضى البرد واللي عندهم سخونية.. والطوارىء مفتوحة لو عاوز تكشف أدخل اطمن".
إتقه لها صاحب الـ (35 ربيعًا)، وجمَح بخيالُه بعيدًا، خائفًا على نجلتيه، خاصة وأنهم يعانون من حساسية الصدر، اِشتَعل غيظًا وخَفف الوطء، صوب غرفة كشف الطوارىء، حتى أدرك جميع التعليمات وكيفية التعامل مع أسرته، حفاظًا على صحتهم "كنت ناوي أحبسهم في البيت"، مُطالبًا بتدريب الفرق الطبية الموجودة داخل المستشفيات والإدارات الصحية على كيفية التعامل الصحيح للوقاية من مختلف أنواع الفيروسات وطمأنة المرضى.