محمد الشناوي.. للمرمى "أسد" يحميه

الفجر الرياضي

محمد الشناوي
محمد الشناوي


 

الجميع يترقب.. الفرق الصغيرة تمثل الرهان الأسود في موسم لم يكن الأهلى فيه في أفضل ظروفه، صحيح إنه أفضل دفاع لكن منذ متى والأحمر يتميز بدفاعه.. الهجوم غائب طوال الموسم لذلك من حصل على لقب الهداف هو محمود المشاقي بطل غزل المحلة في ضربة قوية للقطبين، كل تلك الصدمات تم تقبلها في مقابل اللقب.

 

الأهلى لا يخسر كل شيء مرة واحدة، يستطيع حسم اللقب 1988، تنطلق الصيحات من كل بيت في كفر الشيخ ، وفي أحد البيوت امتزجت صيحات الفرح ببكاء طفل ولد للتو بإحدى قرى الحامول لأسرة "أهلاوية" بالكامل للوالد السيد محمد الشناوي.

 

هل كان ذلك بداية عشق محمد الشناوي للأهلى، فالطفل المولود في 18 ديسمبر 1988 يحمل صفات برج القوس، سليط اللسان وجريء في الغضب لكن لديه من الإصرار ما يكفي للوصول للنجاح ويحمل في داخلة رقة تتعلق فقط من يهواه قلبه وكان الأهلى أول من سكن هذا القلب.

 

لا أريد أن أركل الكرة بقدمي، تلك ليست صفاتي، مفهوم البطولة لا يتعلق بالهداف بل بحارس المرمى، الارتماء يمينا ويسارًا فيه متعة لا يعرفها اللاهثون وراء كرة القدم، لذلك عرف ابن مدينة الحامول طريقه منذ البداية، في حين ذهب أصدقائه ينتشرون في الملعب كان هو يذهب لشبكته معلنًا إنه حائط الصد الأخير.

 

طول فارع وعرض مناسب وخفة في الحركة وموهبة حقيقية لم يكن مسؤولي نادي الحامولي يريدون أكثر من ذلك لضم محمد الشناوي إلى صفوفهم، وقتها ترأس هذا النادي أحمد مجاهد عضو مجلس اتحاد كرة القدم السابق وبمجرد أن ظهر "الشناوي" تألق.

 

مباراة في دورة ودية أمام النادي الأهلى، الولد الصغير يقابل فريقه الذي يحلم بالانتقال إليه، يعرف ان العيون الراصدة كثيرة وبإمكانه الانتقال من كفر الشيخ للقاهرة في أقل من 5 دقائق حتى لو لزم الطريق 3 ساعات بالسيارة، بالفعل يتألق ويطلب منه أحد مسؤولي الجهاز الفني للأهلى أن يخضع لاختبارات النادي.

 

مراهق صغير من أسرة متوسطة، صحيح إنه الآن ضمن صفوف الناشئين بالأهلى لكن للحياة تكاليفها التي لم يقدر عليها، 4 أشهر حتى الآن يقطع مشوار كفر الشيخ القاهرة ثلاثة أيام في الأسبوع لحضور التمرين، يطلب أن يتم السماح له بالجلوس في استراحة النادي لكن النادي له قوانين ولم يكن ليكسرها بسبب ناشيء فيرفض الطلب، الشعور بالخذلان تسيد الموقف وانقطع "الشناوي" عن الأهلي وعاد لناديه الحامول لمدة 6 أشهر حتى يبلغ 14 عام ويعود للاختبارات في النادي الأهلى لكن تلك المرة بسبب عمره يتم تسجيله ما يخلصه من عناء المشوار.

 

ثمان سنوات قضاها "الشناوي" في الأهلي، تشرّب حب النادي شيئًا فشيء، فرح معه بانتصاراته وعاش انكساراته، أدرك قيمة لاعبين مثل عماد متعب وأبو تريكة ورأى من ترك الفانلة الحمراء واستبدلها بالأموال، عرف جيدًا نظام "الاحمر" والإدارة غير قابلة للابتزاز لكن كل ذلك لم يمنعه من هم ظل مصاحبه، متى ألعب، أزهى سنوات حياته تتسرب من يديه بدون إنجاز فعلي، صحيح انه لعب لمنتخب مصر للناشئين وشارك معهم ببطولة إفريقيا لنفس السن لكنه لم يكن صغيرًا يريد أن يصبح في الصفوف الأولى.

 

لا شيء يحدث، عرض احتراف يأتي له من ستاندر ليج فيرفض الأهلي الاحتراف ويتمسك به لكن بعد عام تجري في المياه أمور كثيرة فيرفض الأهلى تجديد عقده وينتقل محمد الشناوي إلى طلائع الجيش منذ 2009.

 

لو كنت مكان الشناوي ماذا تفعل، اللعن، اتهام هذا النادي بانه أهدر سنوات عمرك، لكن ذلك تفكير من ينظرون تحت أقدامهم، ففي اللحظة التي خرج فيها "الشناوي" من بوابة "التتش" متجها إلى "طلائع الجيش" أقسم أنه سيعود للقلعة الحمراء لكنه سيعود ملكًا، ربما لا يدرك الصياد أن سمكته الأكبر تحت قدميه فيجب أن ترحل بعيدًا، وهو سيرحل، سيجعل مسؤولي الأهلي يشاهدونه من بعيد وهو يتصدى لكرة بعد أخرى،  وسيعود عملاق ويتخذ مكانه.

 

ثلاث سنوات كافية للفت الأنظار له، ثم الانتقال لبتروجيت وهناك يبلغ ذروة التألق وتعجب الجميع كيف رفض عرض احترافي في البرتغال، صمت ولم يوضح الأسباب لكن الأهلي التقط الشيفرة فتعاقد معه في 2016 ليعود للأهلي الباحث عن من يجدد مسيرة العمالقة "إكرامي الكبير" و"ثابت البطل" و"عصام الحضري" خاصة أن شريف إكرامي كان قد حرس عرين النادي بما فيه الكفاية".

 

حين سُئل بيومي فؤاد عن سر انتشاره في كثير من الأعمال السينمائية الكثيرة قال "بعوض سنين جوعي للتمثيل"، تلك الحالة تنطبق على "الشناوي" الذي أخذ مكانه سريعا وفي عامين فقط استطاع صنع تاريخ يحتاج لسنوات طويلة وخلال ثلاث سنوات فقط يصبح أول لاعب مصري عربي يتوج بلقب مباراة في كأس العالم، وثالث حارس في تاريخ مصر يتولى قيادة عرينها في كأس العالم.

 

اللاعب الذي لا يحب "السوشيال ميديا" لم يكن يهمه شيء سوى التألق، نجاح بعد آخر يضعه في مصاف النجوم حتى يأتي هيكتور كوبر فيمنحه فرصة حراسة مرمى المنتخب في مباراة ودية أمام البرتغالي ورغم هزيمة المنتخب الوطني لكن "كوبر" رأى إمكانيات الشناوي وبسالته وبالتالي فتح له الطريق أن يكون حارس المرمى في مونديال روسيا 2018.

 

في روسيا لم يكن "الشناوي" قد رأى مصر في كأس العالم سوى مرة واحدة وبالطبع لم يشاهد المباريات كان ابن عامين، لكن الآن يعرف أن العالم كله يتابعه، ملايين المتابعين من جنسيات مختلفة ومئات اللغات التي تعبر عن الغضب والفرح والهزيمة والانتصار، يقف ثابتًا وفي مباراتي أورجواي وروسيا يسجل اسمه بأحرف من نور ويحصل على لقب رجل المباراة في مباراة مصر وأورجواي في مؤشر أن هناك حارس عملاق على أرض المحروسة.

 

لم يكن ما يميز "الشناوي" الذي يقتدي  بالحارس الألماني "مانويل نوير"، في كأس العالم براعته الكروية فقط لكن إدراكه بأهمية المباريات الدولية وهي ميزة لا يمتلكها سوى الكبار في عالم كرة القدم لذلك في بطولة أمم إفريقيا 2019 ورغم أن المنتخب خرج منها مغضوب عليه من الجميع نجا من ذلك "الشناوي" الذي شهدت الجماهير المصرية باختلاف انتماءاتها أنه يستحق الاحترام في الحفاظ على نظافة الشباك أو حتى بعد الخسارة أمام جنوب إفريقيا فكل شيء يمكن إخفاءه إلا الجهد والعرق.

 

نتيجة ذلك تم رسم كاريكاتير له وأمامه 10 خشبات دلالة على تألقه، فالشناوي الذي يقضي وقت فراغه في لعب التنس وركوب الخيل مع الأصدقاء استطاع تحقيق أرقام قياسية كثيرة منها تخطي الـ"60 كلين شيت" مع الأهلى ورجل دوري الأبطال الحالي بإنقاذاته البطولية وتدخلاته القاتلة وهو ما جعله مرشح لحراسة المرمي في أولمبياد طوكيو.

 

جميل هذا القدر الذي ينصف الرجال، يتذكر الشناوي الآن أول راتب له 150 جنيه شهريًا وما وصل إليه بفضل إيمانه بالله وموهبته وزوجته السيدة منة عصام الداعمة له والذي أنجب منها ولدين مالك وآدم، ويتبقى للشناوي أن يستمتع بعمرو دياب ومحمد منير المفضلين لديه وبأكلة "محشي الكرنب" المحببة إلى قلبه.