د. رشا سمير تكتب: لعلهم يرجعون!
عندما تتصارع القوى العُظمى وتتناحر مصالح الدول الاقتصادية والسياسية فيصطدم الكبار بالسدود الأسمنتية والمعوقات السيادية، يطلقون شرارة بدء الحرب، الحرب التى لا يدفع ثمنها سوى البسطاء من العامة ومعدومى النفوذ، هؤلاء من لا مصلحة لهم إلا فقط فى أن يعيشوا..
نعم، تنحصر أحلامهم فقط فى مجرد الحياة!.
المؤكد أن العالم اليوم أصبح مخيفاً ولم يعد بالفعل مكانا آمنا، ولا مجال تحت شمسه القاسية لأصحاب القلوب الرحيمة، لدرجة جعلت مؤسسات علمية ضخمة وهياكل تعمل فى البحث العلمى، توجه طاقاتها الذهنية لجمع التريليونات عن طريق فيروسات مميتة، مثل كورونا وغيرها باستنساخها وإطلاقها من جديد لتصيب الملايين، ثم بعد فترة تعلن عن اكتشاف المصل أو العلاج، فتتهافت عليه الدول كى تحمى شعوبها من الفناء، وحتى لو راح الآلاف ضحية هذه الممارسات العصابية، فلا أحد يُبالى!.
الحرب الجرثومية هى الشكل الجديد للاستعمار وهلاك البشرية، وهى ببساطة تعنى استخدام متعمد للجراثيم أو الفيروسات، أو غيرها من الكائنات الحية الدقيقة وسمومها، كسلاح فى تلك الحرب لنشر الأوبئة بين البشر، وتندرج تحت تصنيف حروب الدمار الشامل.
قبل ظهور فيروس كورونا أو «COVID-19» بأيام، كان هناك تراشق واضح بين أكبر اقتصادين فى العالم، أمريكا والصين، وتهديدات جادة بفرض عقوبات تجارية، وكانت كالعادة إدارة الرئيس دونالد ترامب الأمريكية هى صاحبة السبق فى هذا الهجوم.
فمنذ يناير الماضى، أعلنت واشنطن سلسلة من الإجراءات ضد مئات البضائع الصينية، وعلى الرغم من أن بكين انتقمت هى الأخرى بفرض ضرائب مقابلة، وحتى إن كانت القوة الآسيوية العظمى تمتلك هى الأخرى ما لا يقل عن أربعة أسلحة أكثر قوة يمكن استخدامها إذا احتدم الصراع مع واشنطن، إلا أن واشنطن وبحسب ما قيل من أكثر من مصدر مؤكد، تمتلك فى أيديها زمام قوى الشر دائما، والرئيس الأمريكى لا صديق له سوى الدولار!.
وعلى الصعيد الآخر أشار آخرون إلى أن الصين نفسها هى التى نشرت الفيروس وتسعى لإيصاله لدول أخرى بهدف الإعلان لاحقا عن المصل المضاد والترويج له فى سياسة تجارية لتنشيط سوق الدواء، وتبنى آخرون التأكيد على وقوف مافيا الأدوية وراء نشر الفيروس!.
وعلى صعيد ثالث، اتهمت منظمة «العدل والتنمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، شركات أدوية عالمية تمتلك مختبرات سرية، بالوقوف خلف نشر الوباء بالصين، محذرة من انتشاره حول العالم!.
إذن ضاعت الحقيقة بين هذا وذاك، وبعد تفشى المرض بشكل كبير فى كل الدول وبعدما أصبحت (العطسة) قادرة على إثارة الذعر بشكل أكبر من القنبلة، لم يعد يهمُنا من أطلق الضربة الأولى، بل بات السؤال، من يطفئ الحرائق؟ وربما الإجابة الوحيدة هى جزء من قصيدة الشاعر نزار قباني: (إن من فتح الأبواب يغلقها، وإن من أشعل النيران يطفيها)!.
والحل؟!..
الحل الوحيد فى هذه المأساة وفى كل المآسى الأخرى التى تعرضنا وسوف نتعرض لها مستقبلا، هو تجاوز نزاعاتنا الشخصية والسياسية، وأن نضع فى قلوبنا بعضاً من الإنسانية التى نسيناها وافتقدناها من كثرة الصراعات الدائرة..
هل نسينا حرائق غابات الأمازون، وكيف أشارت أصابع الاتهام فيها إلى سياسة الرئيس البرازيلى جايير بولسونارو، والتى تهدف إلى تحسين اقتصاد المنطقة فى الأمازون وأنشطة التعدين، ما تسبب فى ذبح الأشجار، وخسارة الكثير من الغابات، حتى لو كانت مأساة الاحتباس الحرارى هى المأساة الكُبرى لعصرنا الحالى..
فلا من قتل الأشجار يبالى، ولا من قتل الحيوانات يبالى، وللأسف ولا حتى من قتل البشر يبالى!.
إنها مجزرة حقيقية تتسبب فيها القوى العظمى والدول الكبرى كل يوم، مهزلة إنسانية تناسى من صنعوها أن قتل الأرواح هو ببساطة نهاية العالم.
جاء هذا الفيروس القاتل ليثبت للإنسان أنه أضعف من خلق الله، فعليه أن يعيش فى الأرض فى سلام، مُقدما السلام، وألا يمشى فيها مرحاً متغطرساً، فلقد أخذتنا انتصاراتنا، ونزاعاتنا، وطموحاتنا المالية والإنسانية إلى حيث نسينا أن الله موجود ومطلع وقادر على فناء البشرية التى خلقها يوما.
ربما غدا ينتهى فيروس الكورونا بظهور مصل، أو بدخول الصيف أو ربما بأى شكل لم نتوقعه، ولكن المؤكد أن ألف وباء جديد سوف يظهر من بعده، طالما مازالت البشرية بين أيدى من يطمحون إلى الهيمنة.. ومازال الفساد متجسدا فى الصدور والنفوس..
يقول الله تعالى فى كتابه الكريم:
((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))..
نعم...لعلهم يرجعون!.