ريهام الزيني تكتب: فلسطين وأكذوبة بيع الأرض !!
يؤسفني ويحزنني أن أدافع عن قضية هامشية ما زالت تثير جدلًا واسعًا كلما مرت قضية فلسطين بموقف حرج؛ حيث تتجدد المقولة الزائفة، ويتطلع البعض مرتديًا ثوب الإطلاع والمعرفة، ليقول في إستعلاء فارغ:
ما المطلوب أن نفعله للفلسطينيين.. لقد باعوا أرضهم للصهاينة؟
هؤلاء يعتقدون وكأن بيع أرض فلسطين كان برغبة أهلها، دون علم حكومة الإنتداب البريطاني أنذاك، أو أنه فعل أرعن من الفلسطينيين للصرف على بنات الهوى، وأكثر ما يحزنني، أنني أسمع هذا الكلام من الأدباء والمثقفين والصحفيين الكبار ممن عاصروا تفاصيل المأساة الفلسطينية.
وللأسف عندما أحدثهم عن أكذوبة بيع أرض فلسطين، أشعر وكأنهم شعب من جنس آخر سمعوا معلومات جديدة لأول مرة.
ولا يختلف إثنان على أن هذه (الأكذوبة) شوهت صورة الفلسطينيين، وغطت على جرائم الصهاينة ومجازرهم الوحشية ضد أهل فلسطين، وللأسف هناك كثيرًا من أبناء الشعوب العربية قد صدقوا الشائعات التي نشرها الصهاينة، وروج لها أعوانهم، وأَهمها:
"الفلسطينيون باعوا أَراضيهم للصهاينة.. فلماذا يُطالبُنا بتحرير أرض قبض ثمنها؟!"
دعوني أطرح علي حضراتكم بعض التساؤلات المتنوعة والمتشعبة، والرجاء من أن تفكروا بعمق لكي نتجنب العاطفة في حكمنا علي أمور مصيرية تخص مستقبل أمة.
*هناك بعض الأسئلة من الضروري الإجابة عليها:
-أولًا: هل فعلا تم بيع أرض فلسطين للصهاينة؟
نعم.. كان هناك بيع لبعض أراضي فلسطين إلى الصهاينة ولا إنكارا في ذلك، ولست بحاجة إلى أن ابرر الموقف والمحامي أمام هؤلاء الذين يتشفون بهذا البيع.
-ثانيًا: هل تم بيع الأراضي برغبة أهل فلسطين؟
قولا واحدا.. الفلسطينيون لم يقوموا ببيع أرضهم للصهاينة برغبتهم، والحقيقية أن الصهاينة هم من سلبوا الفلسطينيين أرضهم وديارهم، وسرقوا منهم الحياة والوطن.
-ثالثًا: وما الدليل علي أن الصهاينة سلبوا الفلسطينيين أرضهم؟
هناك الكثير من الكتب والأبحاث تشرح حقائق ما جرى، ومن أهم وأبرز هذه الحقائق التاريخية وبإختصار: "أن نسبة الذين باعوا أرضهم للصهاينة أقل من(1%) من الفلسطينيين"، و" أن نسبة ما حصل عليه الصهاينة من الأرض كان يعادل( 8%)من مساحة فلسطين قبل حرب 1948"،و "أن نسبة (92%) من إجمالى أراضى فلسطين ملكاً للفلسطينيين".
-رابعًا: إذا كانت نسبة الذين باعوا أرضهم للصهاينة (8%) ويمثل الفلسطينيون منهم أقل من (1%)، فمن هم الـ(7%) الآخرون الذين باعوا أرضهم للصهاينة؟
نسبة من الـ(7%) كانت لعائلات إقطاعية لبنانية وسورية منعها الإحتلال البريطانى للذهاب إلى أراضيها، وذلك بعد إتفاقية "سايكس - بيكو" التي قسمت المنطقة إلى فلسطين ولبنان وسوريا، وعندما فشل هؤلاء الإقطاعيون من الوصول إلى أراضيهم، قاموا ببيعها بسبب مؤامرة الإستعمار البريطاني.
كما أن نسبة ثالثة من الـ(7%) كانت لعائلات إقطاعية سعودية ولبنانية قامت ببيعها تحت إغراء المال وإرتفاع الثمن، وإذن لم يكن هناك فلسطينى واحد من بين الـ(7%)، وكل الفلسطينيين الذين باعوا أرضهم تحت سيطرة التخويف والإرهاب كانوا أقل من(1%).
ومن المثير للغضب أن الحركة الوطنية الفلسطينية قد قامت بمطاردة وإغتيال نسبة الـ(1%) من الفلسطينيين، الذين باعوا أراضيهم، وقد تم إغتيال أغلبهم بالفعل، وبهذا فإن أكثر من(99%)من أهل الفلسطين لم يبيعوا شبرا واحدا من الأرض، بل كانوا أبطالا عظاما في مواجهة أسوأ إحتلال عرفته تاريخ البشرية.
-خامسًا: فهل مازلت تبرر مقولة"الفلسطينيون باعوا أراضيهم"؟
-في وقت نسبة 2% من مساحة فلسطين قام ببيعها إقطاعيون فلسطينيون غير وطنيين وفلاحون فلسطينيون أجبروا على البيع وإنتزعت ملكية الأرض منهم، وفي الوقت الذي منح قرار التقسيم 54% من مساحة البلاد للدولة الصهيونية.
-سادسًا: هل هناك بعض فلسطينين باعوا أرضهم برغبتهم؟
نعم.. فلا تخلو أي دولة محتلة من الخونة الذين يفضلون مصلحتهم الشخصية على المصلحة الوطنية، كما لا تخلو أي دولة محتلة ممن أجبرتهم سلطات الإحتلال بالتعسف والقهر عن التنازل عما لم يكن ليتنازل عنه بالإغراء المادي.
وعلى كل هذا، فإن كل ما إنتقل ملكيته إلى أيدي الصهاينة من أراضي فلسطين قبل قيام الدولة الصهيونية المزعومة عام 1948 لا يتعدى نسبة 7,5% من مساحة البلاد.. شاملة: "الأراضي التي إشتراها الصهاينة في عهد الدولة العثمانية قبل إفتضاح أمر المخططات الصهيونية"، "الأراضي التي إنقلت ملكيتها للصهاينة
من حكومة الإحتلال البريطاني"، و"الأراضي التي باعها ملاك عرب غير فلسطينيين وإقطاعيون فلسطينيون وفلاحون عاديون".
*وهذا ما سوف أقوم بتوضيحه بشكل تفصيلي فيما بعد:
هناك جزءًا من أرض فلسطين التي إمتلكها الكيان الصهيوني لم يكن بيعًا وشراء كما يعتقد الكثيرون، وإنما كان منحة من الإستعمار البريطانى؛ حيث كان أول مندوب سامى بريطانى في فلسطين صهيونيًا متعصبًا، وقام هو ومن جاء بعده بمنح أراضى فلسطين للصهاينة "دون مقابل".
وهاهم العرب اليوم، وبعد مضي عقود من الزمن، ما زالوا سندًا قويًا يروجون لهذة الأكذوبة الصهيونية (لقد باع الفلسطينيون أراضيهم للصهاينة)، أي بإختصار قاموا بإصدار الحكم مسبقاً قبل البحث عن الحقيقة التاريخية المظلومة والمحجوبة بشكل موضوعي، والتي قد تراكم عليها كثير من غبار الزمن والحقد الصهيوني.
أما الفلسطينيون يعرفون جيدا،أنه مخطط صهيوني قذر؛ ليقولوا للعالم قبل العرب: "أننا إشترينا الأرض ولم نغتصبها".
وهذا المخطط من السهل أن تكتشف زيفه، بمجرد إعادة قراءة التاريخ، وإلا لماذا كل هذا القلق الصهيوني والدفاع المستمر عن قضيتهم، ولماذ نجد هذا الصراع مازال ممتد لقرن من الزمن يتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل؟
نعم “الفلسطينيون باعوا الأرض”، أكذوبة ودعاية صهيونية التقطها بعض العرب؛ حيث رأوا أن من مصلحتهم ترويج لمثل هذة الشائعات، لأنها تحمل الفلسطينيين وحدهم المسؤلية الكاملة من تمكين الصهاينة لأراضي فلسطين، مما يجعل خروجهم صعبًا ومكلفًا بما يفوق طاقة الجيوش العربية التي إنهزمت، وما كان لها أن تنتصر لأسباب أخرى كثيرة، وما كان ممكنًا لهم أن يوضحوها لشعوبهم، وبالتالي أعطوا سببًا ظالمًا كاذبًا ليستروا ضعف جيوشهم بهذا التزوير المتعمد للحقائق.
ولذلك لم يكن في يد العرب ولا الفلسطينيين ما يدافعون به عن أنفسهم، لأنهم وبكل بساطة لا يملكون وثائق بيع الأراضي، والكل إعتمد فقط على ما قام مؤرخون صهاينة بنشره، فلا مرجع غير المراجع الصهيونية في هذا الشأن، وبالتالي ظن الجميع أنها الحقيقة المسلم بها دون أن يبحثوا عن صدق هذا التاريخ من كذبه.
ومن الملاحظ أن هذا الجدل يثار دائمًا، إذا حدثت مقاومة فلسطينية وعربية دولية ضد الكيان الصهيوني، والتي قد تؤدي إلى تعاطف عربي ودولي، حينها نجد حملات شعبية ضد قضية فلسطين، والغريب أنها لا تعبر عن جهة معينة.. مرددين:
(نحن العرب لا علاقة لنا بقضية فلسطين..الفلسطينيين هم من باعو أرضهم للصهاينة..ومادامت مباعة من أهلها،فما ذنب العرب يتحملون وزر من باعوا وطنهم)
ومع ظهور ما يسمى صفقة القرن،التي تهدف إلى تصفية قضية فلسطين الي الأبد،قاموا بتكرار نفس المشهد من المسلسل الماسوني،لكي يفسدوا هذا التعاطف مع الفلسطينيين مرة أخري.
والشيء المثير للأسف،لا يعلم غالبية العرب أنهم يتعرضون لحرب نفسية ثقافية فكرية شاملة،تلك الحرب التي تستهدف إحتلال عقولهم فى الأساس لتحقيق أغراض شيطانية خبيثة تتبناها الماسونية العالمية،لكي تتحول الشعوب لسلاح يهدم الأمة،ويمنع فلسطين من محاولات تحرير أرضها،وذلك إتماما للحلم الماسوني الصهيوني القذر.
وها هي أهم وأخطر أدوات الصهيونية العالمي التي قامت بصياغتها بعناية فائقة للسيطرة علي الشعوب العربية من خلال نشر الأخبار الكاذبة والمزيفة والملفقة،بترويج الشائعات وفقدان الثقة،وبث روح الكراهية بين الشعوب بعضهم البعض.
والوسيلة الأمثل لتنفذ هذا المخطط هو(الإعلام بكافة أشكاله)،فضلا عن وجود(شعوب للأسف تم النجاح فى غسل عقولهم)وأصبحوا لا شعوريا من أهم وسائلهم التي تساعد علي ترويج ونشر الأخبار المزيفة والمجتزئة دون التحقق منها.
نعم لقد سربت الدعاية الصهيونية إلى وجدان الشعوب العربية،وإبتلعوا المخدر"الطعم"الذي حقنتهم به أجهزة الإعلام والمخابرات الماسونية.
نعم لقد نجحت العصابات الماسونية في الترويج لروايات منتحلة مدسوسة عن أهل فلسـطين تزعم أنهم باعوا أراضيهم بمحض إرادتهم للصهاينة،وتلقف العالم هذه الإفتراءات والأكاذيب،مما جعلوها من"المسلمات"التي لا يجوز الإقتراب منها أو المسـاس بها.
وتلك هي أهم وأخطر الحيل المدروسة والمتبعة منذ فجر التاريخ،والتي قد تمت ممارستها على العرب لغسل عقولهم وتشويش تفكيرهم.
وهكذا قامت دولة(الكيان الصهيوني)الإرهابية،النازية،الفاشية،الملعونة على أشلاء المطرودين،والمشردين،والمضطهدين من أهل فلسطين،وعلى أكاذيب تحكيها رواياتهم الفاسدة المدلسة التي تزعم أن الفلسطينيين باعوا أرضهم وديارهم،وتركوها للصهاينة.
حقا إنه لأمر مذهل.. أن تنجح الدعاية الصهيونية إلى هذا الحد،وأن يعتقد الكثيرون من الساسة والإعلاميون،أن:
" الشعب قد باع.. لا أن العدو قد سرق".
حقا أنه لأمر مذهل أيضا.. أن يفشل الإعلام العربى في إظهار الحقيقة للشعوب العربية،والأ ينجح في توضيحها للعالم.
نعم إن أكذوبة بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود أكذوبة تتصاغر أمامها كل الأكاذيب التي أشاعها الصهاينة لتبرر إحتلال فلسطين.
إن الذين يظنون أنهم معصومون من التفكك والإنهيار المجتمعي،هم أقرب إليه مما يظنون،فأي درك من الغباء وقله العقل العربي،بل أي درك من الخيانة والتصرف المخزي.
من المؤلم أن أجد نفسي متورطة في الدفاع عن بديهيات، وهو ما يشعرني بالسخافة،ولا أدري إلى أي حد سوف تصل هذه السخافة وأنا أتابعها،حتما إنني سوف أكتشف حالة من التشفي وإرتكان الشعوب بالهزائم دون البحث عن الأسباب،وحتما هو ما يخدم المخططات الصهيونية.
أعرف أنني ربما سأتعرض للسخرية والتهكم،وليس ببعيد أن أتهم أيضا بالخيانة التي إختلط معناها عند البعض،هذا يقول..وهذا يوصف..وذلك ينعت..والآخر يشتم"وأنا أسمع وأضحك".
ولكنني أريد هنا أن أدق ناقوس الخطر للتنبيه لا للتأثير الهائل،نعم قضية فلسطين في خطر،وهدفي هو التنقيب عن حقيقية المخططات التي تحاك بنا،بعقل ناقد واع،خارج الإطار المعتاد من التسليم الأعمى للمعارف الشائعة،لأني أومن جيدا أننا نخوض حرب وجود..حرب..بلا حدود..بلا عقول..بلا ضمائر.
إن هذا ليس فرط إيمان بنظرية المؤامرة ولكنها حقائق قائمة علي شواهد وأحداث تاريخية واضحه،حيث يتم إستخدام كل الأساليب العملية لضرب الثوابت وغسل العقول وتزويز التاريخ والمعتقدات.
من فضلك..من الأن.. لا تقل:
"الفلسطينيين باعوا أرضهم للصهاينة..
وإذا كنت قد قلت ذلك من قبل..
من فضلك.. لا تكررها.. مرة أخرى..
نعم إنها مؤامرة ماسونية صهيونية شيطانية دجالة..
نعم (الصهاينة قتلت وطردت)..
من أجل إقامة(دولة ظالمة) على(أرض مسلوبة)..