إعتضد حسين عبد المولى، بنجله الأصغر كعادته صباح الجمعة، في تجهيز المسجد المُحاذي لمنزله؛ لاستقبال المصلين للقيام بأداء الفريضة التي يتوّق إليها جميع المسلمين ويحرصون على حضور شعائرها، دون أن يكترِث لِما يتردد على ألسنة البعض حول إجازة إلغاء صلاة الجمعة وتأديتها ظهرًا في البيوت بسبب فيروس كورونا، وفقًا لتصريحات وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، مُهروِلاً في عمله "لازم على الساعة 11 تكون الساحات جوه وبره جاهزة.. وسبحان الله الناس بدأت تيجي النهادرة من بدري كبير وصغير علشان يقفوا في الصف الأول.. كأنهم بيقولوا للمرض احنا ما بنخافش".
أومأ لنجله، بيده ليسرع في حمل السجاد من داخل المسجد إلى أروقة وساحات وأدوار النساء بالطابق العلوي، فَطِن البالغ من العمر 12 عامًا، نصائح والده المُتعاقبة؛ لنهوض بمهامهم "بقالي عمر وأنا على الحال ده.. وهفضل كده لحد ما أموت دي الحسنة الوحيدة اللي الواحد ضمنها.. وبستنى يوم الجمعة كأنه عيد.. ولو المرض وصل لقدر الله هنا هنزل وهنظف مكان المرضى اللي بصلوا.. الحافظ ربنا"، يقولها صاحب الـ(45عامًا)، وهو مُمتقه الوجه، شاخصًا بصره صوب باب المسجد، خوفًا من أن بعض الأباء يمنعوا أولادهم من صلاة الجمعة "الناس برضوا بسيطة وبتخاف على ولادها حتى لو مفيش حاجة"، ولكن بسُط وجهه فرحًا واِنشرح صدره بدخول الأطفال "مستحيل ده يحصل في بلدنا.. الجوامع هتفضل تتهز بصوت المصلين".
انتهى الإبن من مهامه المخولة إليه قبل رفع الآذان بدقائق، ثم بسط سجادة صغيرة، وأدى ركعتي السنة، بينما هرَّف إلى الصلاة المعلم فتحي، الذي أدلفه الكبر "يعني ايه ما أصليش الجمعة.. ده الواحد زعل أن جايه متأخر.. وبعدين مرض ايه إللي نخاف منه ويقعدنا في بيوتنا"، يقاطعه أحد الشباب وهو يسرع في خلع حذائه "احنا معندناش كورونا.. والناس فهمت تصريحات وزير الأوقاف غلط"- أنه يجوز إلغاء صلاة الجمعة في مكان ما إذا تفشي الوباء في هذا المكان بما يشكل خطرًا على الأرواح، وذلك حفاظًا عليها بشرط أن تكون الجهة الصحية المختصة هي التي تطلب ذلك وتعممه على جميع أماكن التجمع المماثل وليس على خطبة الجمعة وحدها ، فهذا حكم مطلق يقع في دائرة الجواز-، يحاوره الرجل الذي أسنَّ عمره وهو يتردد على المسجد "احنا مش في أوروبا هنقفل الجوامع"، مُطالبًا مساعدته في وضوئه "عنية يا حاج".
بينما اسْتهج شريف، حفيده الأكبر، لالتحاق بالجماعة، بعدما وصل إلى المسجد ووجده مكتاظًا بالمصلين "مينفعش تفوتني الخطبة.. وبعدين أهو بنصلي في الهوا والناس واقفة صفوف ومن غير كمامة.. وده معناه أن محدش خايف لأن مفيش حد عنده حاجة واللي عنده برد أكتر حد بيخاف على جاره فبيقعد في أخر صف.. مصر أمان ومش زي الصين اللي شوارعها مغطية وشوش ناسها"، إِزباد الرجل، وغضَّ صوته، لاختلاط أصوات الوافدين على الصلاة، ونظر إِليهم متأَملاً أعدادهم، مرددًا القاعدة الفقهية الشهيرة "الضرورات تبيح المحظورات".
انتهى شيخ المسجد- الكائن بإحدى مناطق فيصل التابعة لمحافظة الجيزة-، من خطبة الجمعة لتوِّه، بدأ الجميع في تنظيم الصفوف؛ لأداة الصلاة، حتى اِكتظاظ الجامع بالشيوخ والشباب والصغار "لو مكتوب علينا نتمرض هيحصل ده حتى لو كنا بمكان معقم.. وبعدين عمرنا ما سمعنا أن صلاة الجمعة اتلغت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.. رغم أن كان منتشر الطاعون في وقت من الأوقات.. ولو حد مصاب بكورونا أكيد هيكون معزول عن الناس حسب ماهو متبع من وزارة الصحة"، عباره رددها أحد المصلين عند خروجه من باب المسجد.