في ذكرى وفاته.. تعرف على قصة القديس والزعيم.. من علاقة فاترة إلى حُب لا ينتهي
بعد أيام قليلة تٌحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تذكار رحيل القديس البابا كيرلس السادس البطريرك الـ 116 من بطاركة الكنيسة المرقسية، الذي رحل في التاسع من مارس من عام 1971، ذلك الرجل الذي كان راهبًا متوحدًا ومتهزدًا في حٌب الله والصلاة.
رفض ترشيحه أو لم يتقدم لأي تزكيات لمنصب البطريركية بعد رحيل يوساب الثاني، فقام الراحل الأنبا أثناسيوس – القائم مقام البطريركي وقتها بتزكيته ولكن صدفت مشكلة كان ترتيبه، السادس بين الرهبان المرشحين، وكان الأساقفة والأراخنة اتفقوا على تقديم 5 فقط، وعلى أخر لحظة استبعدوا الراهب الخامس ليصبح القمص مينا المتوحد هو الاسم الخامس، ثم تجرى الانتخابات بين الرهبان الخمسة لاختيار 3 للقرعة الهيكلية، حيث حصل على أقل نسبة من الأصوات الثلاثة الأوائل ودخل القرعة الهيكلية التي جرت في إبريل ١٩٥٩.
وبعد أن طويت الأوراق الثلاثة أمام الشعب بيد القائم مقام، وضعت في الصندوق المخصص؛ جاءوا بشماس صغير اسمه رفيق باسيلي الطوخي، كان عمره نحو خمس سنوات، وحملوه ليختار من بين الوريقات الثلاث، إلا أنه حمل بين يديه ورقتين ثم ثلاث ورقات؛ فقالوا له بل ورقة واحدة واغمضوا له عينيه واختار ورقة واحدة، كانت باسم الراهب مينا البراموسي، ليصبح البابا كيرلس السادس.
كيرلس يطلب المقابله وعبد الناصر يرفض:
يعتبره المسيحي داخل وخارج مصر بالقديس الذي يعشقونه على المستوى الشخصي والروحي والوطني، فعلاقة الكنيسة بالدولة وقتها صارت تعبيرًا عن علاقة حب ووطنية، التي تشبه بعلاقة البابا تواضروس البطريرك الحالي بالرئيس عبد الفتاح السيسي، التي جمعهم حب الوطن كأسمى وأهم علاقة تفوق كل شىء.
كان بين الزعيم والقديس فتور سوء فهم التي تسببت في توطيت العلاقة بينها، حيث بدأت كما دونتها ووثقتها الكنيسة، بطلب البطريرك الجديد عدت مرات بمقابلة عبد الناصر ولكنه كان يرفض، كان يريد البابا أن يعرض عليه بعض مشكلات الأقباط والمضايقات التي تتعرض لها الكنيسة، ولم يجد البابا أي استجابة لرغبته في مقابلته.
مقابلة فاترة وشديدة اللهجة:
كان للبابا صديق عضو في مجلس الأمة، وكان يحبه وكان دائم الزيارة له، إذ كان له ابن مريض، فطلب العضو أن يصلي البابا لأجل ابنه، وربنا شفاه بصلاته.
وقابل جمال عبد الناصر البابا كيرلس بفتور شديد جدًا وابتدره قائلًا بحدة: "إيه فيه إيه!! هم الأقباط عايزين حاجة، مالهم الأقباط هما كويسين قوي كده أحسن من كده إيه مطالب مطالب مطالب."
كانت مقابلة عبد الناصر ليست كعادته ومع ذلك قال البابا كيرلس مبتسمًا: "موش تسألني وتقول لي فيه إيه!!" فرد محتدًا قائلًا: "هوه فيه وقت أقولك وتقول لي ما هو مافيش حاجة".
ووجد البابا نفسه في موقف دقيق فغضب جدًا وقال لعبد الناصر: "ده بدل ما تستقبلني وتحييني بفنجان قهوة، وتسمعني، وفي الآخر يا تعمل يا ما تعملش كده من الأول تحاول تعرفني إن مافيش وقت لعرض موضوعاتي !!".
خرج البابا غاضبا بعد مقابلة عبد الناصر قائلا: "ربنا يسامحك"، ورجع البابا للبطريركية مع عضو مجلس الشعب الذي راح يعتذر طول الطريق فقال له البابا كيرلس: "إنت كتر خيرك، تمكنت من تحديد الموعد أما استقبال عبد الناصر لي بهذه الطريقة أنت مالكش ذنب فيه".
- شفاء إبنة عبد الناصر
في الساعة الثانية بعد منتصف الليل حضر عضو مجلس الشعب وطرق الباب وفتحه بواب المقر الباباوي، وقابل تلميذ البابا سليمان، وقال له: عبد الناصر عاوز يقابل البابا دلوقتي حالًا، لكن حاول سليمان الإعتذار بأن البابا تعبان وده وقت متأخر يمكن يكون البابا نائمًا.
واقترح عضو مجلس الشعب أن يطرق باب البابا كيرليس مرتين، إذا وجد عدم رد منه، فيعود للرئيس عبد الناصر ويبلغه أنه وجد البابا نائمًا، لكنهم قبل أن يطرقوا باب البابا فوجئوا بأن البابا مرتديًا ملابسه ويفتح الباب ويقول له: "يالا يا خويا".
كان جمال عبد الناصر له ابنة مريضة، أحضر لها كبار الأطباء الذين قرروا أن مرضها ليس عضويًا، وعندما تكلم مع عضو مجلس الشعب ذكر له شفاء ابنه فدخل البابا مباشرة على حجرة ابنة جمال عبد الناصر المريضة، قال لها مبتسمًا: إنت ولا عيانة ولا حاجة"، واقترب البابا منها وصلى لها ما يقرب من 15 دقيقة وشفيت.
من هنا تحولت العلاقة التي كانت فاترة في يوم من الأيام إلى صداقة بينهما، ووصلت هذه العلاقة إلى أن قال الرئيس جمال عبد الناصر يومًا: "أنت من النهاردة أبويا أنا هاقولك يا والدي علي طول، وزي ما بتصلي لأولادك المسيحيين صلي لأولادي، ومن دلوقت ما تجنيش القصر الجمهوري، البيت ده بيتك وتيجي في أي وقت أنت عاوزة".