أوغل محمد غيث، في وصفه لصديقه بأن تركيا ستحقق حلمهما باللجوء إلى أوروبا، بعد السماح لآلاف اللاجئين بعبور حدودها، في أعقاب مقتل 33 جنديًا تركيًا في إدلب، بقصف لقوات النظام السوري، لا يجِف له ريقٌ حتى تلجْلج قاسم في تحضير أمتِعته، وانطوى الحديث بينهما، مُتعجلين لاسيما أن الأتوبيسات الخاصة لنقلهم من منطقة توب كابي تدنو من محطة أمنيات الفاتح المُتجه صوب معبر إيبسالا- كيبي الحدودي "فرصة غير متوقعة سياسة البلد تتغير هلقيت على أرض الواقع.. بعد ما كنا نسجن ونترحل على بلادنا صار في دعم من السلطات التركية وتوفير وسيلة أمنه لهجرتنا من غير مصاري".
تَهَاوَى المهاجرين عند فتح باب الأتوبيسات الخمسة، واندفعت إلى داخله الحشود المنتظرة منذ الساعة العاشرة صباحًا، وسَارَ غيث يفسح لنفسه مكانًا بينهم بالقوة، بينما ساعد دفع الآخرين صديقه "عذاب والله.. بس كل اشي يهون ونطير لأوروبا"، يقولها الشاب السوري-الذي عاش ثلاث سنوات في مدينة إسطنبول حاول خلالهم الهجرة لأي بلد أوروبية، ولكنه لم يستطع الهجرة بكل الطرق- محاولاً طرَد الهمَّ بالضحك والمزاح مع الركاب من مختلف الجنسيات "معقولة نصل بدون مفاجأت"، يقاطعه بكاء أحد الأطفال السوريين، لتكون هي بداية المعاناة بالرحلة "الأطفال بردانين.. وما عملنا حسابنا بالأكل والشراب"، لبِث بمكانه حتى وصلوا إلى الحدود التركية- اليونانية، التي يبلغ طولها 212 كيلومترا، "قدمنا كمان مشي 5 كيلو مترا.. معرف كيف تمشي الأطفال والنساء والشيوخ بالله".
لم يخطر ببال صاحب الـ (28 ربيعًا)، أن الطبيعة ستعوَّق رحلتهم "المطر كبس بالشارع بقوة وهي أول مرة ينزل هون بهذا الشكل وفقا لأهالي المدينة.. فعلا فرطنا مع أن ما مشينا كثيرًا متل الناس اللي طلع روحها هلة بالخيم والبرد واللي مشيوا أكتر منا"، صمت بارد كبرودة المكان استمر برهةِ، ثم وصف خريج كلية الهندسة أسوء ليلة قضاها على الحدود، برغم من التسهيلات التي قدمتها السلطات التركية والهلال الأحمر من مأكولات وعصائر وبعض البطاطين "وضع مزري وصعب جداً.. ممكن يكون ورقة ضغط على أوروبا.. مع أن تركيا ما ضغطت على حدا يمشي.. لكن الواقع غير آدمي السيدات والبنات والأطفال بالشارع وفرشة الأراضي.. شىء يحزن ومهين لشعوب داقت المر". ما فتِئ الكثير عازمين على الهجرة، بينما آخرون ظلوا يتمنوا العودة حيثما أتوا، وبرغم من ذلك يتوافد الكتير من راغبي الهجرة على مختلف الحدود "ما باليد حيلة"- خاصة بعدما هدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من أن دمشق "ستدفع ثمن" هجومها-، يقولها وهو يتعجج إلى الله بالدعاء أن يحفظهم جميعًا.
بينما رَزحَت حالة صديقه، بعدما طلب منه أحد المهاجرين، حمل صغيرته عقب ما رؤيته يسير بمفرده "شلتها 10 دقايق بس قطعت بها النهر.. ظهري ورقبتي كانت هطق معرف اشلون يمشوا 5 كيلوا متر وكمان في هاد المطر مأساة عن جد"، عجز قاسم عما يريد وظل يسأل زملائه بالطريق "كيف التواصل وما في حمامات على الطريق للفتيات"، لتباغتهم البلدية بتوفير صالة أفراح على الطريق "هادا اللي لاقينها وكانها الجنة"، متمنيًا العودة لإسطنبول "حتى هيكا ما حسنا عليها". ترفل في ثيابه البالية -من السير تحت المطر الشديد-، مُتابعًا الأعداد المتزايدة منذ انطلاق أول قافلة بعد صلاة الجمعة المنصرمة، عقب ما أعلن الرئيس التركي، أن بلاده ستبقي أبوابها مفتوحة أمام اللاجئين الراغبين بالتوجه إلى أوروبا، وأن تركيا لا طاقة لها لاستيعاب موجة هجرة جديدة.
تمر الساعات بطيئة وموحشة على الجميع، أكفّ الأطفال تلتهب إحمرارًا من شدة البرد، الشيوخ مُتخشبين، هكذا يصف الوضع أحمد عبدالله، الذي حلم بالهجرة إلى فرنسا، لبناء مستقبله وتوفير عيشة آمنة لأسرته بعد طلب اللجوء، لكن صدمه واقع العبور للأراضي اليونانية، بعد علمه من أحد أصدقائه عقب وصوله لليونان بضربه هناك وأخذ جميع متعلقاته الشخصية ورفض دخوله وعاد لتركيا مرة أخرى- حيث أطلقت الشرطة اليونانية قنابل الغاز المسيل للدموع، يوم الأحد، لتفريق مهاجرين أغلبهم سوري الجنسية يرشقونها بالحجارة في مساعي للولوج إلى الأراضي اليونانية عبر معبر إيفروس الحدودي مع تركيا- "عذاب مجاني.. ماكو راحة فين ما نروح". أبدى دهشته بمرور مدرعات الجيش التركي "عن جد اللي حابب يطلع هي فرصته.. في بصيص أمل.. لكن بعد النهر ما بنعرف اش بيصير.. ما في شىء نظامي".
على الجانب الأخر يتابع محمد سليمان-اسم مستعار-، الأوضاع من أشقائه السوريين والعراقيين، على مواقع السوشيال ميديا بعض قرار "فتح الأبواب" خلال اجتماع أمني طارىء ترأسه أردوغان ليلة الجمعة، لاسيما وأنه حاول الهجرة إلى بلجيكا عن طريق اليونان مقابل (2000) يورو، وقبض عليه على الحدود التركية واعتقل 15 يومًا "دلوقتي السفر ببلاش.. وهذه الفرصة لم تحدث من سنة 2015.. فلازم استغلها حفاظا على مستقبل عيلتي الذين يعيشون الأسى بغزة"، قرار مجلس الأمن الدولي "الهجرة فيش فيها يمة ارحمين.. لازم نعرف راسنا من رجلينا.. أي مفيش حبس بس اليونان موقفها مش واضح.. قابلين العذاب بس بفايدة بالنهاية مش هيكا.. يما عشنا عذاب الاحتلال بفلسطين ليش نعيشه بأوروبا".