في ذكرى مذبحة القلعة.. حكاية الشيخ "زعلوك اللي راح وسط الملوك"
في 1 مارس عام 1811 م قام محمد علي باشا والي مصر بارتكاب مجزرة رهيبة عرفت بمذبحة القلعة، راح ضحيتها ما يزيد عن 470 مملوكًا.
ويحكي لنا مجدي شاكر كبير أثريين عن حدثين ارتبطا بمذبحة القلعة، الأول أن زوجة محمد علي باشا أمنية هانم بعد هذه المذبحة رفضت فراشه وهجرته تماما حتى وفاتها.
أما الحدث الثاني فهو عن مثل شعبى ساخر نتداوله حتى اليوم وقد ارتبط بالمذبحة، والمثل هو "تروح فين ياصعلوك وسط الملوك دون أن يعرف الكثير منا خلفيته التاريخية.
وأضاف شاكر أن الصعلوك المقصود فى المثل هنا هو الشيخ المصرى "زعلوك " الذي كان موظف حسابات لدى أحد مماليك ضحايا مذبحة القلعة، ولسوء حظ الشيخ "زعلوك " أنه وقت وقوع المذبحة كان مصاحبًا لصاحب عمله المملوك ولقى مصيره حيث قتل خطاءً فى المذبحة.
وبعد انتهاء الأمر وإبادة 470 مملوكًا قام أمير لجنة حصر القتلى بتدوين أسماء الضحايا ليفاجأ بجثمان الشيخ زعلوك بينهم.
وتابع شاكر: رُفع الأمر إلى محمد علي الذي قام بتعويض ورثة الشيخ "زعلوك" حيث وهبهم آلاف المواشي ومئات الأفدنة ناحية دسوق ليطهر أمام الشعب كحاكم عادل وتعويضًا لمصابهم فى الشيخ .
وأشار إلى أن المصريين لم ينسوا ولم يتركوا الأمر يمر مرور الكرام، فقد تداولوا القصة متندرين ورغم تعويض أبناء الشيخ إلا أنهم تداولوا تلك العبارة الساخرة: "تروح فين يا زعلوك بين الملوك)، والتي حرفت إلى " تروح فين يا صعلوك بين الملوك".
وكشف شاكر عن سر آخر أن صاحب فكرة تلك المذبحة هو لاظوغلي باشا وزير مالية محمد علي وقد أطلق اسمه على ميدان شهير بالقاهرة حتى الآن.
وعن سبب تلك المذبحة قال شاكر، إن محمد علي كان يرغب في الانفراد بالسلطة حيث استطاع التخلص من الزعامات الشعبية ومن الجند الألبان الذين حاولوا قتله.
ثم كانت أكثر المشاكل التي أرقت محمد علي وهم المماليك الذين كانوا يرون أنهم الحكام الأصليين لمصر وكانوا دائمي التمرد والازعاج له، والتي لم تفلح محاولات الصلح والإرضاء بالأموال التي قام بها محمد علي حتى أنه أراد استرضاء (ابراهيم بك) زعيم المماليك وأعطاه حكم الوجه القبلى مقابل فريضة من المال وعدم مساعدة المماليك للإنجليز ولكن لم هذا يجدي معهم.
وكشف شاكر أن مسرح أحداث المذبحة هو باب "العزب" والسر وراء اختياره هو أن الطريق الذي يؤدى إلى هذا الباب ما هو إلا ممر صخري منحدر تكتنفه الصخور على الجانبين، حيث لا مخرج ولا مهرب.
وأضاف: كان الأمر خدعة انطلت على المماليك ونفذتها مجموعة من جنود محمد على بإحكام، ففى ذلك المكان وكما جاء في كتاب "تاريخ عصر المماليك" لعبد الرحمن الرافعي قام محمد علي بدعوة أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه طوسون على رأس حملة متجهة إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين،
ولبى المماليك الدعوة وحين نادى المنادي برحيل الموكب، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، عندئذ نهض المماليك وقوفاً، وبدأ الموكب يسير منحدراً من القلعة، وكان يسبق المماليك مجموعة من جنود محمد علي ومن ورائهم كان يسير جنوده الفرسان والمشاة.
وسار الموكب منحدراً إلى باب العزب، ولم يكد هؤلاء الجنود يصلون إلى الباب حتى ارتج الباب الكبير وأقفل من الخارج في وجه المماليك وتحول الجنود بسرعة عن الطريق، وتسلقوا الصخور على الجانبين.
ثم راحوا يمطرون المماليك بوابل من الرصاص، فأخذت المماليك المفاجأة وساد بينهم الهرج والفوضى، وحاولوا الفرار، ولكن كانت بنادق الجنود تحصدهم في كل مكان، وقيل أن عدد القتلى في هذه الواقعة قارب الخمسمائة ومن نجا منهم من الرصاص فقد ذُبِح بوحشية، ولم ينج سوى مراد بك الذي هرب بحصانه من فوق أسوار القلعة، ويقال إنه فر متخفيا إلى سوريا ومات هناك بعد هذه الحادثة بعدة سنوات.
وصل خبر تلك المذبحة إلى الجماهير المحتشدة في الشوارع لمشاهدة الموكب فسرى الذعر بينهم، وتفرق الناس، وأقفلت الدكاكين والأسواق، وهرع الجميع إلى بيوتهم، وخلت الشوارع والطرقات من المارة،
وسرعان ما انتشرت جماعات من الجنود الأرناؤوط في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك وأتباعهم، ويقتحمون بيوتهم فينهبون ما تصل إليه أيديهم، وتجاوزوا بالقتل والنهب إلى البيوت المجاورة.
وكثر القتل، واستمر النهب، وسادت الفوضى ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ونُهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف هذا إلا بعد أن نزل محمد علي إلى شوارع المدينة، وتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد الانضباط.. وهكذا استطاع محمد علي الانفراد بالحكم.
بقى مكان مذبحة القلعة الذي ما زالت تخيم عليه رائحة الموت شاهدا على ما حدث، ورغم مرور كل هذه السنوات فما زال يشعر كل من يعبر أمامه بالرهبة والانقباض وكأنه يحتفظ بين أحجاره وزواياه بصرخات المستغيثين من الموت.