علي معلول.. "شقاوة قديمة" منحته الجنسية الأهلاوية

الفجر الرياضي

علي معلول
علي معلول


 

الأهلى يمحي ما قبله، فيه تصنع تاريخ يلتصق بك ولا يذكرك أحد إلا بالفانلة الحمراء أو تعبر كما يعبر المارون دون ذكرهم بشيء، هل يفوّت الفرصة، لم يؤمن يوما بمقولة أبو تمام "ما الحب إلا للحبيب الأولى" ففضل محمود درويش وهو يؤكد "كل ما أصبح ذكرى ليس حب فالحب يُعاش ولا يتذكر".

 

لذلك في اللحظة التي أمسك فيها "تيشيرت" الأهلى وبكي بسبب تعادل فريقه مع وادي دجلة، في تلك اللحظة حصل علي معلول على "الجنسية الاهلاوية" واعتمد صك بقاءه من قبل الجماهير وتأكد إنه لن يكون من بين المارين دون حدث يُذكر، وقتها عرف معلول أيضًا أن حبه الوحيد هو الأهلى، ولذلك حين يسجل الأهداف لا يفعل سوى إهداء فرحة جديدة للأهلى من لاعب وصفوه بـ"شقاوة قديمة".

 

نترك القاهرة مؤقتا  ونطير إلى تونس، ساعتين ونصف بالطائرة كافية للوصول إلى مدينة صفاقس حيث ولد علي معلول في 1 يناير 1990، فتح الولد الصغير عينيه على أسرة متوسطة الحال ووالد يعمل كهربائي سيارات وبعض القيم والأخلاق، كنز الأسرة وقت الأزمات.

 

رئيس ينادي بالحرية ويقف حائط صد ضد الأفكار الظلامية التي تحاول التغلغل في البلاد، وضع خاص للمرأة بالحصول على كافة الحقوق، هذا هذا السبب الذي جعل الطفل يقع في غرام شارع يحمل اسمه رئيسه، الحبيب بورقيبة ويعتاد حين يكبر على التردد على مقهى باسم «LA VENUE» أي «العودة»، ليتناول القهوة مع زملائه وقضاء بعض الأوقات الممتعة من الاسترخاء المرح بصحبتهم.

 

تفوقه في اللغة الفرنسية لم يكن ميزة يتميز بها بين الطلاب، منذ الاحتلال الفرنسي لبلاده، ثمة سر ربط بين تلك اللغة وبين التونسيين، جينات توارثها الأجيال الجديدة، لذلك ظل متوسط المستوى في الدراسة لكنه يُدرك جيدًا ماذا يريد، الكرة، تلك التي هوى إليها فؤاده فسار وراءه يركلها في كل شارع في مدينته، يطرق كل باب ويحاول اغتنام كل فرصة وجاءت فرصة من خلال أكبر البوابات، نادي الصفاقسي التونسي، ينضم إليه بصفوف فريق الأشبال وسرعان ما تظهر موهبته فيتم تصعيده للفريق الأول في 2008.

 

ابن الثمانية عشر في فريق ينافس على كافة الألقاب في بلاده وقارته، مسؤولية لم تكن سهلة، بصفته منتميا لبرج الجدي يتمتع بالعقلانية أكثر مما يتصور آخرون ولديهم من الطموح ما يمكنهم من تحقيق الإنجاز تلو الآخر، فقط عيبه الوحيد هي العصبية الشديدة التي نجح في كبتها حتى لا تخرج عن المألوف لأنها لو خرجت لن يكون لها رادع.

 

6 سنوات استطاع خلالها تحقيق الإنجازات، حمل شارة قيادة الفريق وخاض 179 مباراة سجل خلالها 36 هدف وصنع 43 آخرى وحصل على لقب الهداف في 2015-2016 برصيد 14 هدف بجانب فوزه بكأس شمال إفريقيا للأندية وبطولة الدوري وكأس الكونفدرالية الإفريقية 2013.

 

هل آن الرحيل، هل يترك حبه الأول الذي عاشه بكر أم ينتقل لحبه الحقيقة المعتمد على الحب الممزوج بالعقل، طوال الفترة الماضية لم تكن العروض تتوقف عن "معلول" الذي يجيد اللعب  في ثلاثة مراكز، ظهير أيسر وخط وسط وجناح أيسر، هو أيضًا ليس من هذا النوع الجالب للضوضاء أو الأزمات، طوال مسيرته في الصفاقسي لم يتسبب سوى في أزمة وحيدة افتعلها فريقه أمام بن قردان بمنافسات الدوري التونسي وقتها خرجت لأول وآخر مرة حتى الآن طاقة الغضب بداخله بعد مشادة كلامية مع أحد أنصار الفريق المنافس وعلى إثرها تم إيقافه مباراتين.

 

في الثالث والعشرين من يوليو 2016 يعرض عليه النادي الأهلى الانضمام لصفوفه، تدور في رأسه ذكريات كثيرة، لحظة بكاءه في 2006 حين حرمه هذا النادي من تتويج فريق بدوري أبطال إفريقيا، قضى ليلته حزينا بسبب هدف لم يملك أحد سره سوى "أبو تريكة"، يتقلب على جنبه الأيمن فيبتسم، هو أيضًا انتقم لنفسه بتسجيل هدف في شباك الأهلى في دوري أبطال إفريقيا، ثم سجل مرة أخرى في الزمالك.

 

والآن، هل تنشأ المحبة بعد العداوة، وهل تلك العداوة دليل على كراهية أم عن الحب، المشاعر معقدة وفي المشاعر عكس الحب التجاهل لا الكراهية، هل كان يحب الأهلى دون أن يدري، لذلك وافق على الانتقال مقابل 700 ألف يورو، الأهلى الذي يعرف كيف يحتوي لاعبيه من اللحظة الأولى وكيف يشعرهم أنه نادي كبير بدون التصريح بذلك فضّل عدم استغلال الشرط الجزائي في عقد قائد الصفاقسي وأضاف له 200 ألف يورو للحفاظ على علاقات الصداقة مع الفريق تونسي.

 

نعود الآن إلى القاهرة، ساعتين ونصف أخرى من الطيران لنصل لمصر، يرتدي على معلول قميص الأهلى ويستعيد صفات برجه، الطموح والعقلانية والصمت قدر المستطاع، مارتن يول المدرب الأحمر وقتها أشركه في مباراة إنبي بنصف نهائي كأس مصر وقدم مستوى مميز لكن الهولندي "يول" أبعده عن المباراة النهائية أمام الزمالك، ثم وصفه بأنه لا يستطيع المشاركة في 3 مباريات متتالية! إذن لماذا ضمه كان ذلك السؤال.

 

أول طعنة تلقاها من المدرب الذي طلب ضمه، هل هناك سيناريو اسوأ من ذلك، لكن الإنقاذ الإلهي جاء بخسارة الأهلى للكأس والاستغناء عن "يول" ليتولى حسام البدري المهمة ويبدأ معه اللاعب التونسي بصفة أساسية في أول 4 مباريات من الدوري وصنع خلالها هدفين ثم غاب لمباراتين وسط أنباء عن عدم رضا "البدري" الكامل عن مستواه، ثم عاد ليسجل في مرمى طنطا أول أهدافه من ركلة جزاء، وواصل المشاركة حتى غاب من جديد عن ثلاث مباريات وترددت أنباء أن "الترجي" مهتم بضم "معلول" مقابل مليون يورو.

 

 

"البدري" أكد أنه غير مقتنع بالتونسي لكنه متمسك به إلا في قدوم عرض مغري لا يمكن رفضه، زادت جراح اللاعب التونسي، ليس هكذا يُقابل حبه للأهلى، سرير القاهرة الدافيء لم يعد يحتويه والجمهور لم يستطع التواصل معه حتى الآن، يعرف جيدا أن الجماهير بوابة تجاوز للكثير من المشكلات حتى لو خرجت الصحف تؤكد أن اللاعب هرب لتونس.

 

اللاعب الذي يعشق كرة الطائرة يعرف أن "الجيم" لا ينتهى سريعا، رفض الحديث عن كل ما يدار، صمت أمام غيابه عن المباريات فقط واصل مرانه وهو يعرف أن هناك "ضربة" ستفتح له أبواب النجاح طالما أن علاقته مع الجماهير تسير بشكل طيب حتى لو مرت بمنحنيات فكثيرون يحبونه فنيا لكنهم ينقلبون عليه، لم يحصل على "الجنسية الأهلاوية" بعد.

 

يستمر اللاعب، يتلقى ضربة تحت الحزام بعد عودة زوجته لتونس بسبب وضعها لنجله الأول "كريم" لكنها عادت للقاهرة، الشائعات لم ترحمه وروجت أنه يستعد للرحيل، لكن البداية الحقيقية جاءت في مباراة كأس مصر أمام المصري، وقتها صنع هدفه الأول، قبل أن ينجح أحمد فتحي في تسجيل هدف اللقب للمارد الأحمر، أخيرًا ابتسمت لمعلول الجماهير.

 

يستغل تلك الابتسامة، مباراة الأهلى مع الترجي في ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا صعبة، فريق بلده السابق أمامه وجها لوجه والجماهير التونسية سرعان ما تحول البطل لخائن، هذا أمر مشروع فقط في كرة القدم، لكن "معلول" لا يكترث، وسط ضغط عصبي كبير يستطيع تسجيل هدف التعادل، روح الفانلة الحمراء سيطرت عليه فطلب من زملاءه العودة للمباراة دون احتفال، يردد مقولة أحمد فتحي "الاهلى مبيحتفلش بتعادل"، يستمر في اللعب ثم يصنع هدف الفوز.

 

كل القلوب الحمراء فُتحت، كل القيود تحطمت، كل الأيادي رُفعت احتراما أما الألسنة فانطلقت تغني "ألاقى زيك فين يا علي"، تماما كما أهدت "تريكة" من قبل "يا يا يا تريكة"، وتأكيدا على أنه أصبح لاعب أهلاوي كانت جماهير الأهلى أكثر داعم له حين شارك مع منتحب بلاده في كأس العالم 2018، وردًا للجميل أكد "معلول" مطالبته المستمرة بعودة الجماهير التي ساندته مؤكدا أن أي لاعب يتمنى الاستمرار في الاهلى.

 

تحول سرير القاهرة إلى أفضل ملاذ لـ"معلول"، أحب العكاوي وإسماعيل ياسين  وتوم آند جيري، وتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "انستجرام"، كما يحب الملابس " الكاجوال"، ويحب صيفها أكثر من شتاءها.

 

في القاهرة أيضًا أحب "معلول"  الناس فلا يمتنع عن التقاط الصور التذكارية مع المشجعين، يوافق بتواضع شديد دون إحراج أحد، كما يحب "فعل الخير" وحل الأزمات بين أصدقائه.

 

تخطى "معلول "الكثير بفضل زوجته مريم زياني التي يعدها أول المشجعين مع أولاده كريم وسليمة، أما لاعبه المفضل هو كرستيانو رونالدو وحلمه هذا العام تحقيق لقب "الأميرة السمراء" هذا الموسم.