عبدالحفيظ سعد يكتب: "حلم الطفولة" فى جنة مجدي يعقوب
جنة الله لا يعرف أسرار مفاتيحها هؤلاء كارهو خلقه تحت ستارة دين أو عرق
عاشق البسمة، وصانع البهجة... التعبير الأدق فى وصف حال قصة دكتور مجدى يعقوب، طبيب القلوب..
الزاهد يحلم بجنة على الأرض، لا يملك من الأدوات أن يجعلها خالية من كل داء، لكنه يسعى لنزع الألم، ويزرع على أرضها الضحكة والبسمة.
ورث عن والده الطبيب صاحب الأصول الصعيدية، قيمة أن العمل الأجمل والأبقى، هذا العمل الذى يمنح لمرضاه الأمل فى نزع الألم أو تخفيفه عنهم، ورث الابن فى مدينة بلبيس بالشرقية حيث تربى وعاش، من والده الطبيب والذى عمل مفتشاً صحياُ بها، أسلوب التعامل مع مرضاه لا يهمه غنى أو فقير، فالمرض ابتلاء رفعه عن كاهل الفقير رسالة لكل نبيل.
أسلوب الأب الذى تربى عليه مجدى الصغير، والذى يتفاخر به أبناء أقدم شوارع بلبيس فى عدة مقابلات صحفية لهم بطيب معاملة الأب وذكراه الحسنة، الذى مازال يتحاكى عنها، أحفاد جيرانه، ومرضاه.
وطبيعى جدا، أن ينتقل مفهوم أن الطب رسالة إنسانية قبل أن تكون مهنة، من الأب للابن، بل إن هذا المفهوم يعبر أيضا عن «حلم الطفولة»، فعندما تسأل طفلاً ماذا تتمنى أن تعمل عندما تكبر؟ فيجيب دكتور.، فتسأله لماذا، يجيب «عشان أعالج المرضى، وأساعد الناس التعبانة»..
هكذا يسير حلم الطفولة، مع من يرغب فى العمل فى الطب منذ الصغر، حتى يصل لسنوات المراهقة الأولى، ويظل الفتى يردد أنه يريد أن يصبح طبيبا، حتى يعالج المرضى ويرفع عنهم.
لكن مع التقدم فى سنوات العمر، وإدراك الطفل، أن حلمه فى الوصول لكلية الطب، يحتاج لسنوات من الشقاء والتفوق، قد تعجز إمكانياته فى الوصول إليه، لذلك لا يحصل على لقب الطبيب إلا متقدمى الصفوف فى اختبارات الثانوية العامة، باعتبارها أنها على رأس قمة هرم ما يعرف باسم «كليات القمة»، لذلك لا يصل إليها إلا الطلبة أصحاب القدرات الخاصة فى المهارات، بل الاجتهاد فى الحصول على الدرجات النهائية.
فى الجامعة يجد طالب الطب نفسه مختلفا عن أقرانه فى الاستمرار فى الاجتهاد أكثر، بل سنوات دراسته تمتد لسبع سنوات، وبعدها لا ينقطع فى تحصل الدراسات العليا حتى يتحقق كطبيب، ويحافظ على تفوقه.
لكن مع شقاء الدراسة، ونتيجة ضغوط الحياة، يبدأ «حلم الطفولة» الذى كان يتمناه الطفل أن يصبح طبيباً، فى علاج المرضى ومساعدة المحتاج فى التبدد، تحت أقدام ضغوط الحياة.
ويتغير مفهوم الطب، عند الطفل من مجرد مساعدة المرضى وتخفيف تعبهم، بعد أن يختلط به حلم جديد «الخمسة عين» (عيادة، وعربية وعروسة وعمارة وعزبة)، كما يطمح طلبة الطب أثناء دراسته، بل ما يتمناه أهلهم لهم بعد معاناتهم معه ماديا ونفسيا طوال سنوات الدراسة، خاصة أنهم يضطر أن يعمل بعد التخرج ساعات أكثر، لأن راتبه الرسمى، لا يكفى لسد قشور الحياة.
ولذلك لا يعد تغير حلم الشاب، نتيجة طموحه، وحقه فى الحصول على حياة كريمة بعد سنوات الشقاء والتعب، أمراً سيئا، ولا أحد يلومه عليه، لأنه يستحق حياة أفضل، لا تقل فى جودتها عن رجل الأعمال أو لاعب الكرة أو النجم، وفئات عديدة فى المجتمع.
لكن يظل «حلم الطفولة» يراود الطبيب مجدى يعقوب، فلم يهمله، رغم أنه حصل على كل ما تمنى من شهرة ومجد وأوسمه رفيعة من ملوك وأمراء العالم، وعلى رأسهم ملكة التاج البريطانى، بل فوق كل ذلك حمل السمعة الطيبة كعالم وطبيب، بتخصصه النادر فى زراعة القلوب، وإجراء العمليات المعقدة، ما يجعله يحصل على درجات علمية وجوائز لدوره العلمى والطبى. ويضاف لذلك ما حققه من ملايين نتيجة سنوات عمله الطويل كأهم جراح قلوب فى العالم.
كل ما حققه مجدى يعقوب بعد سنوات من العمل لأكثر من نصف قرن، لم تثنه عن «حلم الطفولة».. جمع كل ماله وسمعته وشهرته ومجده العالمى كطبيب وقرر أن يضعهم فى خدمة مشروع يراود حلم طفولته فى إسعاد المحتاج، وهو يدرك أنه لن يستطيع أن يصنع جنة على الأرض، لكنه قد يساهم فى علاج ورفع المعاناة عن المرضى.
واختار فى البداية أرض مصر، هناك فى أقصى الصعيد الجوانى بأسوان حيث الناس الطيبين، وضع كل ما يحمله من تركة سواء مال وسمعة، للمساهمة فى إنشاء مستشفى لعلاج قلوب الأطفال بالمجان لا فرق بين غنى وفقير، لإدراكه أنهم الأقل قدرة على تحمل الألم، والأكثر احتياجا للعلاج، حتى يعيشوا سنوات عمرهم الممتد.
وبين اختيار المكان الأقصى بعدا عن أضواء العاصمة وصخبها، واختيار التخصص فى علاج قلوب الأطفال، بما يمثلوه من براءة، ظهر حلم مجدى يعقوب فى أن يصنع جنته الصغيرة، لم يعنه ما يعيش فيها من حوله من إهمال وفساد فى الذمم، يريد عن يساعد الناس، على الأرض ويمنحهم أملا ويضع على شفاههم ضحكة وعلى وجوههم ابتسامة، هكذا أقصى ما يطمح فيه الإنسان على أرض من جنة، أما «جنة الله» فالله، صاحب حق دخولها خالقها، وليس البشر.
جنة الله، لا يعرف أسرار مفاتيحها هؤلاء كارهى خلقه، تحت ستارة دين أو عرق.. جنة الله ليس بيد شيخ أو قسيس ولا حاخام، أقرب إليها هؤلاء الأولياء الطيبين، الذين يساعدون خلقه، مثل الدكتور مجدى يعقوب، الذى يثبت أن هناك طريقاً آخر للإيمان، وهو «عبادة الله، بخدمة وإسعاد الناس (خلقه)».