"فبراير مبارك".. شهر التنحي والرحيل
شهد شهر فبراير خلال 9 أعوام حدثين، هما الأهم في الحياة السياسية المصرية؛ ففي 11 فبراير عام 2011 كان قرار الرئيس الراحل محمد حسني مبارك بالتنحي عن حكم البلاد، والذي استمر على عرش حكمها ثلاثين عامًا كاملة، أما 25 فبراير عام 2020 فقد شهد وفاته، بعد أن بلغ من العمر 91 عامًا وبعد صراع طويل دام مع المرض.
أحداث عاصفة اندلعت يوم الخامس والعشرين من يناير، بدأت بدعوات متناثرة على
صفحات التواصل الاجتماعي، وكان الهدف منها هو رفع الصوت بالاعتراض على بعض الإجراءت
الأمنية التي اتخذتها الحكومة في ذلك الحين، ورغم أن تلك الدعوات كانت في أغلبها
شبابية، إلا أنها لاقت صدى واسع لدى الشعب المصري.
نجح اليوم الأول من هذا التحرك الذي تنامى عبر ثلاثة أيام متتالية، حتى كان
يوم السابع والعشرين من يناير، والذي شهد سقوط أول متظاهر بالسويس إثر اشتباكات
اندلعت بين الشرطة وعدد من المحتجين، فكان التصعيد أعنف وأشد يوم الثامن والعشرين
من يناير.
وفي 28 يناير 2011 اندلعت المظاهرات في محافظات الجمهورية، مرددة هتافات
وشعارات تطالب بتنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن سدة الحكم، وخرج مبارك في عدة
خطابات تهدئة للشعب الذي عقد العزم على الاعتصام في ميدان التحرير، الذي تحول إلى
ما يشبه مقر لإدارة تلك الاحتجاجات.
تكهنات عديدة توالت منها المتفائل برحيل الرئيس، ومنها المتشائم أيضًا
برحيله، وأصبح الأمل هنا معلق على جيش مصر، فهو المؤسسة التي تحملت البلاد في هذا
الوقت بعد تراجع دور الشرطة قليلًا، فكان الجيش هو ملاذ المواطن.
ثم كان قرار التنحي يوم 11 فبراير؛ حيث ضج الميدان بفرحة عارمة من جانب، كما ضج
بقلق أكبر من جانب آخر، إلا أن كلمات اللواء عمر سليمان التي كلفت المجلس الأعلى
للقوات المسلحة بإدارة البلاد كان فيها قدر كبير من الطمأنينة، فالجيش المصري جيش
وطني باقتدار ويستطع أن ينجو بالبلاد من بين هذا الموج المتلاطم.
عاصفة أخرى بعد التنحي بدأت، صراع سياسي على السلطة انتهى بوصول الإخوان
لسدة الحكم في 2012، حيث حكموا عامًا كاملًا كان مليئًا بخذلان آمال هذا الشعب
الذي كان يعلق الكثير على ما فعله في 25 يناير، فما كان من هذا الشعب إلا تجديد
الاحتجاجات مرة أخرى حتى كانت 30 يونيو 2013 والتي فيه تم عزل رئيس الإخوان، حيث
بدأت مرحلة جديدة في مصر.
وصل الرئيس عبد الفتاح السيس إلى سدة الحكم بعد انتخابات رئاسية، كان له
فيها النصيب الأكبر من الأصوات، وبدأت الأمال من جديد عبر سلسلة من الإنجازات
المتتالية التي بها فاجئت القيادة السياسية الجميع، سواء على الصعيد الأمني أو
الاقتصادي، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، خلال خمس سنوات متتالية حتى أصبحت
مصر ذات تأثير وثقل دولي مشهود.
تسع سنوات كاملة توالت فيها الأحداث، وكان مبارك خلالها حبيس غرف
المستشفيات، وأبرزها مستشفى المعادي العسكري؛ حيث توالت عليها الأزمات المرضية كما
توالت على مصر، التي كان يراها من شباك غرفته المطل على نهر النيل العظيم.
وفي صباح يوم الثلاثاء 25 فبراير، وهو ذات الشهر الذي أعلن فيه مبارك تنحيه
عن حكم البلاد، أعلن الأطباء أن قلبه توقف عن الخفقان واستعد للقاء ربه، ليُسجل
التاريخ هذا اليوم أيضًا في ذاكرة الأمة المصرية.