قصة خيالية يكتبها عادل حمودة: عشق مجنون تحت السيطرة! (الحكاية السابعة)
رسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها واعتذرت عن إزعاجه وتمنت له نوما هادئا لكنه فى الحقيقة رجع إلى الفراش وهو يحملها فى ذهنه فلم ينم بسهولة
رغم أنه لم يحرمها مما اشتراه لها فإنها اكتفت بحقيبة صغيرة من الملابس وقليل من المال.. لم تشأ أن تحمل معها دليل إهانتها لنفسها
كان بريئا ساذجا جاهلا بأسرار السرير فلم تتركه إلا بعد أن أصبح متحكما مسيطرا قاسيا
لم تتوقف مجتمعات الإسكندرية ونواديها وسهراتها عن نسج الخرافات حول محمود وشيرين بعضها يصفهما برومانسية مفرطة والبعض الآخر يطعنهما بجرائم مجحفة
لم تجد أمامها لإسكات الشيطان الذى يغريها بجنة اللذة سوى حمام دافئ وركعات صلاة فى غير وقتها وآيات تحفظها للنجاة من الشر ونامت نوما متقطعا على غير عادتها
كان جائعا فلم تتردد فى أن تعرى نهديها لتطعمه.
كان منجما من الرغبة فابتسمت فى شراهة قبل أن تستنزف موارده.
كان بريئا ساذجا جاهلا بأسرار السرير فلم تتركه إلا بعد أن أصبح متحكما مسيطرا قاسيا.
يمكن أن نلخص الحكاية فى هذه الحفنة من الكلمات المكثفة ولكن الحقيقة أن التفاصيل الصغيرة مثيرة يصعب على كاتب عايشها أن يتجاهلها.
ثم ألا يتسلل الشيطان إلينا من تلك التفاصيل ولولاه ما أكل الأدباء خبزا وما شربوا حليبا وما أبدوا عملا؟
كنا فى نهاية المرحلة الثانوية عندما اختيرنا لحضور معسكر صيفى فى الإسكندرية.. لم أتحمس للسفر إليه، ولكن أكثر أصدقائى مرحا محمود وعدنى بأن نستمتع بصحبة البنات فى أوقات الجولات الحرة.
كان العرض بالتأكيد مغريا لمراهقين أمثالنا يعانون من ضغوط البلوغ عليهم.. ويشعرون بأن شيئا ما فى أجسادهم يؤلمهم.
على أننا ما أن وصلنا محطة قطار سيدى جابر حتى وجدنا ضابطا بحريا ينتظر محمود على الرصيف واستأذن فى أن يقضى معه يومان قبل بدء المعسكر ووعد بتوصيله إلى حيث مكاننا فى أبو قير قبل طابور الصباح.
لم يكن محمود سعيدا بذلك الاختطاف العائلى ولكنه لم يشأ أن يغضب أمه التى أوصت شقيقها عليه فلم يتردد فى طاعتها.
وقبل أن نفترق دس فى يدى ورقة بها رقم تليفون خاله وفى تلك اللحظة شعرت بأن مسألة البنات تبخرت أو تأجلت فأكثرنا جرأة وموهبة فى التعرف عليهن أصبح مقيدا.
بدأ المعسكر ولم يأت محمود.
تصورت أنه مريض لكننى عجزت عن الاتصال به لعدم توافر تليفونات عامة فى المعسكر.
عدنا إلى القاهرة ولم يعد محمود.
بل إن الدراسة بدأت ولكنه لم يأت.
وما ضاعف من الحيرة أن تليفون شقة خاله يرن ولا أحد يرد.
ولم يكن أمامى للاطمئنان عليه سوى زيارة والدته فى بيتها القريب من بيتنا فى العباسية
لم تكن أمه مثل أمهاتنا.. كانت رشيقة.. ترتدى ثوبا ضيقا مفتوحا من جميع الجهات.. تدخن.. وربما كان كأس المشروب الشفاف الذى بين يديها نوعا من الخمر.. ولحق بها رجل أنيق يمسك بسيجار غير مشتعل.. تفحصنى فى صمت بنظرة غير مريحة وكأننى لص أخطط لسرقتهما.
إنه زوجها الثالث.. الأول والد محمود.. والثانى والد أخيه غير الشقيق على.. والثالث يبدو أصغر منها وارتبطت به بعد أن تجاوزت سن الإنجاب.
قالت بحدة:
ـــ الكلب لا يريد العيش معنا!
كانت تقصد ابنها الذى فضل الإقامة مع خاله ومواصلة دراسته فى الإسكندرية وما أن أنهت جملتها الحادة حتى هبت من مكانها ومشيت مبتعدة وكأنى شبح لا تراه ومع شعورى بالحرج أخذت طريقى إلى الباب بمفردى.. فعلا بيت غير مريح.. لابد أن محمود وجدها فرصة للفرار منه.
لكن كان هناك على ما يبدو سبب آخر شجع محمود على البقاء فى بيت خاله كما عرفت منه فيما بعد.
يوم تركنا على محطة القطارات أخذه خاله إلى شقته فى حى كفر عبده الراقى ثم تركه بمفرده وذهب إلى قاعدته البحرية لينضم إلى طاقم يخت المحروسة.
راح محمود يفتش عن شخصية خاله بالفرجة على ما فى الشقة من أشياء.. وجد بارا صغيرا فى الصالة كعادة الطبقة الوسطى فى ذلك الوقت الذى كان فيه الحشيش أمرا مستهجنا لا يليق بأصحاب المقامات والهامات.. ووجد لوحة امرأة شبه عارية فوق الفراش.. تابلوه كان شائعا فى ذلك الوقت أيضا.. ومصحفا.. وجهاز تشغيل أسطوانات، ووجد على المائدة ثروة من الكباب والبسبوسة التهمها وكأنه لم يأكل منذ سنة.. ولم يجد فى التليفزيون صورة واضحة أو سهرة ممتعة فقرر أن ينام وشعر بالكسل فلم يطفئ الأنوار.
فجأة قام من نومه مفزوعا بعد أن سمع طرقًا متواصلاً على الباب.
فتح الباب نصف نائم فوجد أمامه امرأة بثياب النوم بدت أنها فوجئت به وفى لحظة تخيل أنها جارة خاله وعشيقته ترك لها نسخة من المفتاح ولكنها سرعان ما سألته عما يفعل فى الشقة نصف عار وكأنه يمتلكها؟.
ما أن عرفت الحقيقة حتى أفرطت فى الاعتذار والندم وإن لامت على خاله أنه لم يأت لها بسيرة عن ضيفه وابن أخته.
امرأة تخطت الثلاثين.. ولكن يصعب على غير الخبير بالنساء أن يكتشف سنها.. تبدو تحت الثلاثين.. جسد ممشوق كرمح.. نهدان بارزان فى حالة طوارئ.. وجه دقيق الملامح وكأنه نحت بدبوس إبرة.. شفتان ممتلئتان مثل قنبلة على وشك الانفجار.. وصوت محرض على الشهوة دون تعمد.
تأملته بنظرة واحدة فاحصة لم تستغرق أكثر من ثانية واحدة.. جهاز أشعة سريع الالتقاط.. وساعدها على اكتشافه أنه كان مكتفيا بقطعة واحدة إجبارية من ملابسه.
رسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها واعتذرت عن إزعاجه وتمنت له نوما هادئا لكنه فى الحقيقة رجع إلى الفراش وهو يحملها فى ذهنه فلم ينم بسهولة.
ما أن عاد خاله من السفر حتى سأله عنها ولكن البحار الشاب حذره منها:
ـــ امرأة خطرة ابتعد عنها. وعرض عليه خاله قضاء الإجازة معه.
كانت أياما حلوة عاشها محمود مع خاله ولكن الأهم أنه فتح له قلبه ليخرج ما فيه من أشواك تسبب الجراح وتفجر الدماء:
ـــ لا أهضم سلوكيات أمى وأتألم من كل تصرفاتها وأشعر بالخجل عندما يكتشف أحد من أصدقائى وزملائى وجيرانى أنها تزوجت للمرة الثالثة وأنجبت أبناء وبنات من رجال مختلفين ورغم سنها ومكانتها فإنها لا تزال تتصور نفسها شابة ولا تمل من حفلات الرقص التى تدعو إليها شخصيات غير مريحة لا يختلفون عنها كثيرا وزاد عليها الرهان يوميا على سباق الخيل بالنهار ولعب البوكر فى الليل.
ـــ أنا أعرفها أكثر منك ولولا صلة الدم بيننا لقاطعتها ولكن لو شئت أن تنتقل إلى هنا وتكمل دراستك الثانوية والجامعية فسوف أشعر بالونسة فى الأيام القليلة التى أقضيها بعيدا عن البحر.
ـــ عرض يصعب رفضه ويخرجنى من حالة السيطرة المحكمة التى وضعتنى فيها أمى وجعلتنى فى شرنقة ليس فى داخلها ما ينتج حريرا وإنما ينتج صديدًا.
لكن المؤكد أن ظهور امرأة نصف الليل كان عاملا مشجعا لتغيير ما حوله بعد أن أحس بأن شيئا ما سيكون بينهما.
على أنه كان يريد أن يعرف سر خطورتها التى حذره منها خاله.
كانت تسكن فى الشقة المجاورة.. وحيدة.. دخل زوجها السجن فى أول قضية تهريب هيروين إلى مصر.. وترك لها خبيئة من المال الكاش لم يصادر.. عثرت على الكنز وجنت ما فيه.. ولكنها أنفقته بحذر حتى لا يكتشف أمرها.. بدت متواضعة الإنفاق رغم أنها مليونيرة.
وحتى تبرر نفقاتها عملت مترجمة لعدة لغات فى أحد المراكز الثقافية.
التقت بزوجها فى مكتب المحاماة الذى يديره ويقتصر على الدفاع عن الأجانب متعددى الجنسيات الذين يعيشون فى الإسكندرية. ووجدت نفسها تشد إلى الأفوكاتو المهذب الوقور.. وما أن عرض عليها الزواج حتى وافقت بلا تردد.
بعد سنوات طوال.. ربما عشر.. ربما أكثر.. فوجئت بالقبض على زوجها ضمن عصابة.. وحكم عليه بالسجن المؤبد.. وتركها وحيدة.
وذات يوم وجدت أمامها صبيا فى العاشرة أعطاها خطابا واختفى وما أن فتحت الخطاب حتى قفزت فى الهواء فرحة.
سمع محمود الملف السرى لحياة فريال فلم يجدها خطرة.. بل.. وجد أنها امرأة مظلومة.. تعيش وحيدة.. منعزلة عن الناس.. وإن ربطتها علاقة صداقة راقية بخاله تقتصر على الجيرة الطيبة على حد قوله.. لكن الله أعلم.
إن خاله مشهور بمغامراته الجريئة
لكن الحقيقة أن البحار المغامر كف عن الشقاوة عندما وقع فى هوى فتاة ساحرة ورثت الفتنة عن أمها القعيدة وأبيها ضابط الجيش الإنجليزى الذى قتل فى معركة العلمين.
وهناك سبب آخر جعل خال محمود يبتعد عن جارته.. خوفه على سمعته بين سكان الحى المتميز.. وعلينا ألا نشك فى ذلك فقيم الستينيات من القرن العشرين كانت مشبعة بالرقى والسمو والحياء.. احترام بنت الحتة وحمايتها..
لم تعرف مصر التحرش الجنسى بتلك الحمى الشائعة إلا بعد أن انتشار الأفكار المتشددة على عكس المتوقع ولكنه التزمت الذى يضاعف من الكبت الذى لابد له من انفجار.
وأحيانا تبادر المرأة بالغواية وتراوض الرجل على نفسه وغالبا ما تصل إلى ما تريد بسهولة فالرجل أضعف من أن يقاوم خاصة إذا كان مراهقا مثل محمود.
أحس محمود بأن جارته عينيها منه ولكنه لم يملك الشجاعة كى يلمسها أو يقترب منها وانتظر لحظة الشرارة التى ستشعلها هى بنفسها.
لم تغب جارة منتصف الليل بملابس النوم عن بال محمود وكثيرا ما تخيلها معه تطعمه من ثمار جسدها فراولة ومانجو ولوز.
على الجانب الآخر من الجدران كانت شيرين العبد تفكر فيه.. صورته بالبوكسر أثارتها.. أعادت إليها ذاكرة المتعة المنسية منذ سنوات.. من جديد أوجعها جسدها بشدة طالبا الدواء والشفاء..
على أنها كانت تخشى فضيحة جديدة بعد أن تناسى من حولها فضيحة زوجها ومنحوها عذر الجهل بما كان يفعل.
لم تجد أمامها لإسكات الشيطان الذى يغريها بجنة اللذة سوى حمام دافئ وركعات صلاة فى غير وقتها وآيات تحفظها للنجاة من الشر ونامت نوما متقطعا على غير عادتها.
لكن الشيطان الذى يوصف بالشطارة لم ييأس.. أقنعها بأن عليها تجهيز طعام للشاب فى وقت غياب خاله.. إنه مجرد طعام ستقدمه إليه وتعودين سريعا إلى شقتك.. لن تماطلى فى الحديث معه حتى لا يقع المحظور.. خطوة واحدة لا أكثر ستتحملينها دون معاناة.
دقت بابه حاملة ما طهت من طعام.. ساعدها فى وضع الطعام على المائدة.. دون أن يقصد لمس صدرها.. سقط الخبز منها.. انحنت لترفعه من على الأرض.. وجد نفسه يلتصق بها.. حانت اللحظة التى انتظرها كل منهما وكانا على يقين بأنها ستأتى ستأتى.
طلبت منه أن يأتى معها إلى شقتها وغرفة نومها.. ستكون هناك أكثر حرية.. والمرأة إذا شعرت بحريتها منحت شريكها ما لا يخطر على باله أو خياله أو خاطره أو تصوره.. كنوز الجسد تفتح بكل ما فيها من لؤلؤ ومن مرجان.
لكن الأهم أن شيرين العبد قررت أن تعلمه فنون الحب.. إن المراهق عادة يكون مشغولا بنفسه مركزا على شهوته حتى يفهم من الطرف الآخر حقائق الفراش وخبرته.. حتى يستوعب حقوق شريكته.. ولو طلبتها بنفسها.
لم تتركه شيرين يتصرف بمفرده.. لن تستمتع.. ولن يتعلم.
ــ المرأة يا محمود كائن متمرد عينه يدب فيها رصاصة لا تقنع إلا بالرجل المسيطر الذى تتمسح فيه ولا تكف عن شمه ولمسه وطاعته حتى يرضى عنها دون ذلك ستبحث عن غيره ستبحث عن من يسد فرغاتها ويشكمها.
ـــ أنا مستعد أن أنفق فى مدرستك حياتى.. طوال الليل والنهار سأطالع.. سأذاكر.. سأنهى جميع واجباتى.. كل ما يمكن أن أفعله سأفعله.... لن تمتلئى كراستى بالعلامات الرديئة.. سأتفرغ إليك تماما.. سأكون رجلك الأول ومكتشفك الأول ومستوطنك الأول.. سأدخل بحارك.. واستلقى على دفء رمالك.. سأعوضك عن كل ما عشت من حرمان.
ـــ أنا أيضا سأرتكب آلاف الحماقات حتى أرضى خيالك.. سأكون جارية لك من أجل وصالك.. سأمسك بيدك حتى تدخل بنفسك أقوى الممالك.. سأطعمك من خيرات جسدى ما لن تجده إلا فى الجنة.
والحقيقة أن كل منهما نفذ ما قال حتى أصبح من الصعب عليهما الاستغناء عن بعضهما البعض.. عاملها كقطة ناعمة الوبر فلم تكف عن التمسح فيه.. أرقدها سلطانة فى الفراش فسجدت له طائعة مستسلمة.. أخذها من العطش والجفاف إلى الجنة فآمنت به.. وبعد أن كانت معلمته أصبحت جاريته.
ولكن محمود الذى نجح بتفوق فى مدرسة العشق رسب بشدة فى مدرسته الثانوية فقامت قيامة أمه وأصرت على إعادته إلى القاهرة ليكون تحت عينيها من جديد.. ولم يمانع شقيقها.. ولكن.. محمود هو الذى رفض.
وجنت شيرين من مجرد تصور أنه سيبتعد عنها حتى لو كان من الممكن طرق بابها من وقت لآخر فهى بخبرتها تعرف أنه سيخرج عن سيطرتها.
وبجنون لم يعرف عنها قررت مضاعفة الجرعة التى تسقيها له من جسدها حتى يدمنها تماما فأغرته بالسفر معها أسبوعا فى باريس لتحرره تماما من سيطرة أمه وجهزت كل شىء وفى سرية تامة غادرا القاهرة.
فى باريس نفذت خطتها لينال شهادة عليا فى السيطرة على الفراش.
سهرت معه فى نوادى العراة حيث الرجال والنساء لا يفرقون فى الظلام بين من جاء معهم أو من يقترب منهم.. إنه قانون المتعة فى العتمة الذى يسقط فى ثوان معانى الارتباط والإخلاص ويجعل الرجال قطيعًا من الثيران العمياء الهائجة.
تجربة أثارت استغراب محمود ولكن شيرين ابتسمت قائلة:
ـــ المشاعر ضعف ولو لم تشعر بالبديل فى وجودى فلن تنجو من عبث النساء بك.. نل منهن على الإفطار قبل أن يلعبن بك على العشاء.. المرأة ليست ذلك المخلوق الضعيف كما يتصور الرجال إلا إذا نجحتم فى إخضاعها.. ولن تقدر على ذلك إلا إذا نسيت وهم الحب وتذكرت سطوة الجنس.. امنح جسدك كل ما يحتاج من خبرة وسيطرة تسقط النساء على الأرض ويقبلن قدميك.
وكانت هناك تجربة مثيرة أخرى.
تركته نائما فى الفندق وبعد ساعة عادت ومعها ثلاث عاهرات استيقظ على وجودهن عاريات فى الفراش وطلبت منه شيرين أن يسيطر عليهن وهى واقفة تتابع ما يفعل قبل أن تنضم إلى الحفل الجماعى.
ــ ما كان فى العتمة أصبح فى النور.
علق محمود:
ــ أنت مجنونة.
ـــ أنا عمرى فى الحياة قصير وما تألمته فيها كثير.
ـــ أشعر أن قلبى يجف يوما بعد يوم وأنى صرت آلة خشنة.
ـــ لن تنجح فى الحياة إلا إذا كنت ماكينة بلا مشاعر تضعفك وتستهلك وقتك فى التفكير فى امرأة تلعب بعواطفك.
ولكن مفاجآت شيرين لم تتوقف.
جاءت بأجهزة ومعدات من محلات الجنس سيكس شوب وراحت تجربها معه ليشعرها بالألم الذى يسبق انفجار ذروة المتعة.
أقنعته بأن تلك الذروة لا تخرج إلا من شدة الوجع.. العذاب يسبق النشوة.
شعر بأنه فى عالم آخر غير الذى تصوره بخياله البسيط.. أحس بأنه أصبح أكبر من عمره بعشرين سنة.. ما هذه المرأة التى تتغير ساعة بل كل دقيقة.. وكأنها ألف امرأة وامرأة فى واحدة؟.
امتد أسبوع باريس شهرا وقبل عودتهما إلى القاهرة سألته:
ــ هل تحب أن تعيش هنا دائما؟.
كانت لهجتها سهلة وكأنها تسأله عن طريقة تجهيز البيض للإفطار.
وأمام دهشته أضافت:
ــ أنا أمتلك حسابات زوجى فى بنوك سويسرا وفيها من المال ما يجعلنا نعيش ملوكا ولكن أفضل أن تكمل تعليمك وفى الوقت نفسه نفتح مطعما نستثمر فيه بعضا مما نملك ليصبح فيما بعد سلسلة من المطاعم ولو شئت أن نمارس نشاطا آخر فلن أرفض.
سألها فى استغراب:
ــ كيف نجحت فى تهريب المال والنظام يجرم من يمسك فى يده بدولار أو فرنك أو مارك؟.
أجابت:
ــ كلما عانت بلد مما يجرى على سطحها تضاعف عدد من يكسبون فى بطنها.
ــ لم أفهمك؟.
ـــ هربت أموالى بعد أن تنازلت عن ربعها ولن تصدق أن العصابة التى نفذت العملية أرسلت لى الإشعار مع صبى صغير.
لم يكن لديه ما يغريه بالعودة إلى مصر.. وبدت الحياة فى أوروبا مغرية.. ممتعة.. ونجحت شيرين فى تنفيذ خطتها.. علمته ما تعرف من لغات قبل أن ينضم إلى مدرسة ثانوية حرة.. ونجحت فى تشغيل مطعم للمأكولات اللبنانية.. وأنشأت شركة استيراد كل ما يلزم العرب المقيمين فى فرنسا من بلادهم الأصلية.
والملفت للنظر أن محمود تفوق فى الدراسة وأبدى براعة فى البيزنس لم يتوقعها فى نفسه.. والغريب أنه لم يفكر فى امرأة أخرى غير شيرين رغم كل ما حوله من نساء يصعب على أكثر الرجال زهدا وخمولا المقاومة.
هنا أدرك محمود ما فعلت به شيرين.. جففت قلبه حتى لا يهجرها.. جعلت المتعة متجددة ومسيطرة.. ودفعت به إلى النجاح الذى يريده الرجال ولو كانوا فى عمره.. ولكنه بعد أن فسر حالته أسعده أن يكون عليها.. الحب ضعف.. وعدم الإشباع فى الجنس يفقد الإنسان تركيزه ويفسد مستقبله ويدفعه إلى اختيارات خاطئة.
ولكن الزمن لم يكن فى صالح شيرين فقد أصيبت بسرطان فى الدم وعانت كثيرا من العلاج الكيماوى بعد عشر سنوات من إقامتهما فى باريس على أنها لم تتردد فى توظيف سكرتيرة لمحمود دفعت لها مقابل أن تنام معه.. ليتذكر درس السيطرة.. جنس فقط بلا حب.. ولم يكن من الصعب عليه اكتشاف ما فعلت.. إنها لم تعد قادرة.. ولكنها لا تزال متحكمة.
ومن شدة ثقتها فى نفسها كتبت شيرين نصيبها من المطعم والشركة إلى محمود الذى ظل مشدودا إليها.. مستسلما لما تريد.. مستمتعا بما توافق عليه من نساء دون أن يفرق بينهن.. أو يشتاق لواحدة منهن.. ماكينة.. مجرد ماكينة.
وذات يوم كان محمود وشيرين يتناولان طعام العشاء فى مطعمهما القريب من الشانزليزيه عندما فوجئا بحالة صخب فى المدخل.. رجل يبدو مهما تسبقه حاشيته.. يريد مائدة دون حجز مسبق.. وقام محمود غاضبا لطردهم.. ولكنه.. عاد والرجل وحاشيته معه بعد أن دعاهم إلى مائدته.
كان من السهل معرفة الرجل المهم.. هو تاجر سلاح مصرى شهير يعيش فى بريطانيا.. خرج من تحت يديه رجال أعمال نجحوا فى مصر وسيطروا على اقتصادها فيما بعد.. هو نفسه عاد إلى القاهرة بعد حرب أكتوبر ليهدى السادات عشر سيارات مرسيدس ليستخدمها فى تنقلاته بعد أن لاحظ أن السيارات الرسمية غير لائقة لموكب رئيس.. وفى المقابل سمح له السادات بمشروع تنمية عقارية كسب من ورائه الملايين بجانب ملايين أخرى كسبها من كازينوهات القمار التى دخلت مصر لأول مرة على يديه.
أصبح محمود من رجال رامى صدقى الذى اختبره فى صفقات سلاح بسيطة باعها لطرفى حرب أهلية فى دولة إفريقية ثم تركه ينفذ صفقات أكبر لدول شرق أوسطية متخاصمة دينيًا وسياسيًا.
تدهورت صحة شيرين حتى شعرت بأنفاس الموت تلسع وجهها.. طلبت من محمود أن يعيدها إلى الإسكندرية لتقضى أيامها الأخيرة فى شقة تطل على البحر الذى لم تمل من النظر إليه وكأنها تنتظر أن تخرج معجزة من بين أمواجه تعيد إليها الحياة التى كانت عليها.
ولكنها.. لم تكن لتمل من أن تعبر لمحمود عن امتنانها لسنوات المتعة التى قضتها معه.
وجاءت لحظة الرحيل متفجرة بدراما لم تحتملها.. تجمدت أنفاسها وتوقف قلبها وسقطت على الأرض ميتة عندما عرفت أن زوجها السابق أطلق عليه الرصاص بعد أن خرج من السجن وإكراما لها لم يبلغ محمود الشرطة عنه.
دفنت شيرين فى مقام من رخام بناه محمود وحوطه بأشجار نادرة جلبها من الهند تفوح منها رائحة عطرة حتى تصور الناس أنها رائحة تخرج من القبر فآمنوا بأن من فيه سيدة صالحة من أولياء الله الطيبين المحسنين.
ولم تتوقف مجتمعات الإسكندرية ونواديها وسهراتها عن نسج الخرافات حول محمود وشيرين بعضها يصفهما برومانسية مفرطة والبعض الآخر يطعنهما بجرائم مجحفة.
وعاش محمود بعد شيرين بلا قلب كما دربته.. وكان جمود مشاعره وراء نجاحه غير المسبوق فى البيزنس حتى أصبح فى قائمة الأكثر ثراء فى مصر.
كان يغير النساء كما يغير أحذيته.. ومهما تمتعت المرأة من مواصفات اجتماعية وشخصية فإنها فى عينيه عاهرة يدفع لها على قدر ما تمتعه.. والغريب أنه وجد طابورا طويلا فى انتظاره.
على أن الإسكندرية التى لم تكف عن النميمة عنه فوجئت به يتجاوز كل ما عرفت من حكايات مثيرة بقصته التى لم تنس مع سوسن المصرى.
فى الصيف التالى على وفاة شيرين صادف محمود على شاطئ المنتزه امرأة لم يبعد نظره عنها.. كانت على رمال الشاطئ بمايوه فرنش كات زاد من إبراز مفاتنها بجانب ابتسامة ساحرة تفتح أشد القلوب غلاظة.. وفى الحال طالب من مساعده عميد الشرطة السابق معرفة كل شىء عنها.. وبعد ساعتين كان أمامه ملف مصور عنها.
سوسن المصرى.. موظفة فى بنك أجنبى.. تحت الثلاثين.. زوجها طبيب فى مستشفى حكومى للرمد.. تزوجا منذ خمس سنوات تقريبا.. لم ينجبا.. يعيشان معا فى شقة ضيقة مستأجرة فى حى محرم بك.. يمتلكان سيارة فيات صغيرة.. كانا فى المنتزه بدعوة من صديقة المدرسة المتزوجة من مالك مصنع لمقطورات لوريات النقل.
لم يتردد محمود فيما فكر فيه.. ذهب إلى الزوج فى مستشفاه وعرفه بنفسه.. ودون مقدمات قال له:
ـــ أريد أن أتزوج زوجتك!.
ـــ هل أنت مجنون أم أبله؟.
ـــ سأدفع لك مليون جنيه!.
ــ أخرج قبل أن أقتلك.
ــ فكر فى العرض واتصل بى على رقم التليفون فى الكارت الذى وضعته أمامك على مكتبك.
أعرف أن هناك من سيشكك فى هذه الرواية التى ظهرت فيما بعد فى فيلم عرض مهين مثلته ديمى مور أمام وودى هارلون وروبرت ريدفورد وإن كان المبلغ مليون دولار مقابل ليلة واحدة يقضيها الثرى مع الزوجة الساحرة.. ولست أشك فى أن قصة الفيلم مستوحاة من هذه الواقعة التى تأكدت من صحتها بعد أن نشرتها دون أسماء فى «روزاليوسف» دون أن أعرف أن بطلها هو محمود صديق المدرسة الثانوية الذى اتصل بى على تليفون المجلة ليؤكد صحة الواقعة وكانت فرصة لإعادة المياه إلى مجاريها بيننا.
المفاجأة أن الطبيب وافق على الطلاق وقبض المليون جنيه وترك الإسكندرية واختفى.. والحقيقة أنه تمسك بزوجته حتى آخر لحظة.. ولكنها.. أحالت حياته إلى جحيم فلم تكن لتصدق أنها يمكن أن تتزوج مليونيرا شديد الثراء مثل محمود يحقق لها كل ما تريد دون جهد أو مشقة.. كل ما عليها أن تفكر فى شىء حتى تجده أمامها.
لم تحتمل سوسن المصرى الزواج منى طويلا.
أسعدها فى البداية ما تحصل عليه من أشياء ثمينة لم تكن لتحلم بها ولكنها فى الوقت نفسه لم تتصور أن الثمن الذى ستدفعه أعلى من قيمة تلك الأشياء.
طلب منها أن تقبل بوجود امرأة أخرى فى فراشهما وأمام بريق عقد الماس الذى وضعه أمام عينيها وافقت.
وأجبرها على مشاهدته وهو مع امرأة غيرها فى غرفة نومهما ولم تعترض بعد أن وجدت مفاتيح (المرسيدس) فى يدها.
لم يكن يفكر فى إذلالها ولكنه يتصرف على طبيعته التى شكلتها شيرين حتى يسيطر على النساء وربما لكى لا يحب غيرها ولو بعد أن ماتت.
إنها فى الحقيقة التى تسيطر عليه من العالم الآخر.
ولكن تحمل سوسن تجاوز قدرتها كما أن ما ملكت من مجوهرات وثياب وسيارات جعلها تفقد رغبتها فى امتلاك المزيد منها.
فوجئت به يقيد بأغلال مثل أفلام الجنس الأوروبية والأمريكية ويقيد حركتها فى الفراش ثم بدأ يضربها بكرباج متعدد الشرائط ورغم صراخها وشدة ألمها لم يتوقف بل إن الألم كان يزيده عنفا ورغم أنها اعترفت لنفسها بأنها لم تصل للنشوة التى ذاقتها من قبل، إلا أنها أحست بأنها مجرد دمية جنسية.
وفكرت أكثر من مرة أن تتركه.. ولكنها بدت بلا سند فى الحياة بعد أن أخرجها من البنك لتتفرغ له كما أنه أقنعها ببيع شقتها القديمة وسيارتها الصغيرة فلم تعد فى حاجة إليهما.. بجانب أنها تعودت على الحياة المترفة وأدمنتها وصعب عليها الشفاء منها.
على أنها استيقظت ذات صباح وهى تقرر طلب الطلاق ولو جردها من كل ما منحه إليها.
ـــ أشعر أننا بلا كرامة كلما اقتربت منى.
ـــ تريدين الطلاق؟.
ــ نعم.
ـــ أنت طالق!
هكذا ببساطة انفصلا.
ورغم أنه لم يحرمها مما اشتراه لها فإنها اكتفت بحقيبة صغيرة من الملابس وقليل من المال.. لم تشأ أن تحمل معها دليل إهانتها لنفسها.
ـــ لك كل ما تملكين.
ــ لا أريد سوى هذه الأشياء البسيطة!
أين ستذهبين؟
ـــ سأبحث عن عمل فى مدينة أخرى لا يعرف أحد فيها حكايتى.
ظلت سوسن شهرا كاملا فى بيت صديقتها زوجة صاحب مصنع مقطورات النقل ولكنها شعرت بنظرات زوجها غير المريحة فقررت أن تبحث لها عن مكان آخر.
فتشت فى دفاترها القديمة فلم تجد أفضل من السفر إلى أسيوط لتعيش هناك مع أمها الثانية تريزا.
كانت تريزا جارتهما فى حى جليم.. ولدت سوسن على يديها.. بل رضعت من ثديها لتشارك ابنها شريف فى طعامه.. وشاركته أيضا فى صناعة الطائرات الورقية.. وفى الدروس الخصوصية.. ولكنها.. لم تشاركه فى الهجرة إلى كندا تاركا أمه وحيدة بعد أن قتل أبوه خطأ فى جريمة ثأر.
وما أن وجدت تريزا نفسها بمفردها حتى قررت العودة إلى بيت عائلتها فى أسيوط بعد أن أصبح مهجورا وباعت ميراثها لتنفق على جمعية قبطية تساعد المحتاجين وتعالج المدنيين وتعلم الأميين وتأوى المشردين دون أن تنظر إلى خانة الديانة فى البطاقة الشخصية مما رفع من مكانتها.
لم تصدق تريزا نفسها وهى تفاجأ بسوسن على باب بيتها.. ردت الروح إليها.. وبعد أن كانت تنتظر الموت.. استردت رغبتها فى الحياة.. وما أن سمعت ما جرى لها حتى أخذتها فى حضنها وهى تهمس لها:
ـــ ربنا نجاك من الشيطان!
قسمة ونصيب!
بكرة نذهب إلى الدير ونباركك بالزيت المقدس!
لم تكتف سوسن بزيارة الدير وإنما اقتنعت بالعمل محاسبة للجمعية الخيرية ولم تمر سوى سنة واحدة حتى اختيرت مديرة لها.
ولو صارحت سوسن نفسها لاعترفت بأنها تحب محمود وبأن ابتعادها عنه أصابها بالخوف والبرد والغربة لكنها كلما اقتربت من هذا الاعتراف تتذكر شعورها بالإهانة مما يفعل بها دون مشاعر أو أحاسيس.
لكن ما لم يخطر على بالها أن محمود لم ينسها.. ورغم أنه حاول نسيانها بأحضان غيرها إلا أنه سرعان ما أصابه الملل من معاشرة النساء وكأنه فقد قدرته على ذلك.
ذات مساء وجدته أمامى فى مكتبى بدا متوترا مرهقا وكأنه لم ينم منذ سنة. سألنى:
ــ هناك حب حقيقى أم أنه كلمة تتوارى وراء رغبة تفقد معناها بعد الإشباع؟.
ــ الحب الحقيقى لا ينتهى بالإشباع بل يزيد بعده.
ـــ تجاوزت الأربعين ولم أشعر به إلا بعد أن تركتنى سوسن.
ــ الرجل يحتاج دقيقة واحدة ليعشق امرأة ويحتاج عصورا لينساها.
ــ لا أريد أن أنساها أريد أن أراها سأطلب منها أن تسامحنى ولن أعود إلى همجيتى معها بل سنقرأ معا الشعر ونستمع إلى الموسيقى ونسافر إلى أكثر المدن نعومة.
ــ يبدو أن القلب المتفحم استرد جذوة النار.
ـــ أريدك أن تساعدنى فى استعادتها.
ــ لكنى لا أعرف أين اختفت؟.
ــ عرفت أنها فى أسيوط وعندى عنوانها ولكننى أخشى أن ترفضنى وساعتها لن أحتمل الصدمة صدقنى لا أستطيع العيش بدونها.
سافرت إلى أسيوط واتجهت مباشرة إلى مكتبها فى الجمعية
ورحت بكل ما أملك من قدرة على الإقناع أحثها على الجلوس ولو مرة واحدة مع محمود لتتأكد من أنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها وبعد طول صبر نجحت وكان شرطها أن نلتقى جميعا فى بيت تريزا.
كانت على يقين بأن تريزا بشفافيتها وبصيرتها ستكتشف ما يبطنه محمود.. هل تغير.. هل يحبها أم يشتاق إليها؟.. هل ستصبح فى عينيه كل النساء؟.
والحقيقة أننى لم أفاجأ بما جرى.
ما أن جلس محمود وسوسن فى حديقة البيت دقائق معدودات حتى وجدناهما يعلنان تجديد زواجهما.
كان شرط سوسن الوحيد أن تعيش حياة طبيعية معه دون قهر أو سيطرة أو سلوكيات لا تقبل بها ووافق محمود على الفور.
وكان على محمود أيضا أن ينتقل إلى القاهرة حتى يعفى سوسن من الفضيحة السابقة ووجد محمود فيللا مناسبة على المريوطية واسماها السوسن.
التزم محمود بما وعد به ولكن بعد شهر واحد طلبت منه سوسن أن يقيدها ويجلدها ويعذبها كما كان.
ولم يفاجأ محمود.