محمد مسعود يكتب: ..ونجحت ثورة الدراما
منذ وقت ليس بعيدا، ظن البعض، أن الدراما المصرية دخلت إلى نفق مظلم، لن تخرج منه أبدا.. وروّج المتشائمون أن ما كان للدراما المصرية من صولات وجولات، ذهب إلى غير رجعة.
بعد أن احتل السوق بعض الدخلاء على الصناعة، علاوة على اتهامات لبعض الشركات بتلقى تمويلات أجنبية لصناعة محتوى كارثى، يؤدى إلى انحدار الذوق العام، وفضح عورات المجتمع المصري.. وزرع قيم دخيلة عليه، زيادة حدة الاتهامات.. تواكب مع ابتعاد الكيانات الحكومية الثلاثة عن الإنتاج (قطاع الإنتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، شركة صوت القاهرة، ومدينة الإنتاج الإعلامي)، وهى الكيانات التى خرجت من خلالها أعمالا عظيمة، تحقق أعلى نسب المشاهدة حتى الآن.
لكن ما حدث من عبث فى سوق الدراما المصرية، كان سببه ببساطة أن الدولة فى وقت من الأوقات رفعت يدها تماما عن هذه السوق التى جمع الحابل بالنابل، وجعلت من المقاول منتجًا، وصاحب سيارة تعمل بالسياحة منتجًا، والطبيب منتجًا، كل من لديه المال أصبح بإمكانه الإنتاج.
وهذا المنتج الدخيل طبعا - ولا أقصد هنا أصحاب المهنة الحقيقيين- لم يكن يعنيه إلا ما يكسبه، بغض النظر عما يفعله فى سوق الدراما، من اختيار نص سيئ، يرضى نجمًا متوسط الثقافة والتعليم، ويسند لمخرج لا يستطيع فرض شخصيته على العمل، ليخرج لنا فى النهاية مسلسلا مسموما.
ولأن صناعة الدراما، من الصناعات المهمة جدا، التى من شأنها إعادة بناء الإنسان، فكان لابد للدولة أن تتدخل من جديد لضبط السوق، وضبط معايير العمل، وكان ذلك من خلال شركة إعلام المصريين ورئيس مجلس إدارتها تامر مرسى، وما إن أصبح تامر مرسى مسئولا عن هذا الملف، حتى تلقى ضربات واتهامات، تصفه مرة بالشخص الذى يريد احتكار السوق، أو من يريد تصفية حسابات قديمة مع الجميع.. وبمرور الشهور، أثبت تامر مرسى أن جميع الاتهامات كانت ملفقة، وأنه لم يسع لاحتكار أو تصفية حسابات بينما كان كل ما يعنيه أن يرمى حجرا كبيرا فى بحيرة الدراما المصرية التى كانت راكدة.. وربما أصابها العفن.. والتلوث.
قبل أن يضع تامر مرسى يده فى سوق الدراما، كان فى الإمكان أن يحصل النجم على نصف ميزانية العمل، وأن يختار النص، ويختار المنتج والمخرج ويختار الممثلين المساعدين، وربما الثانويين، كنت تسمع عن نجم أو نجمة يفوق أجره الثلاثين والأربعين مليونا، فى حين أن هذا الأجر كان كفيلا بإنتاج مسلسل ذى محتوى جيد، يجمع أفراد العائلة المصرية حول الشاشة، مثلما يحدث الآن.
كان هناك مخرجون أعلمهم بالاسم يوقعون ثلاثة مسلسلات لشهر رمضان على أن يختاروا أحدهم لتنفيذه، ضاربين عرض الحائط بالمسلسلين الآخرين، وكانت هناك مزادات علنية بين شركات الإنتاج على نجوم الصف الأول، ما أدى لارتفاع الأجور بشكل جنونى، حال دون خروج الأعمال بمستوى جيد.
الموسم الدرامى الجديد، أو بالأحرى رمضان 2020 يجمع بين غالبية المنتجين تحت مظلة الدولة التى تمثلها شركة إعلام المصريين، سينرجى تنتج، والعدل جروب تنتج، وأحمد عبد العاطى والجابرى وطارق الجناينى وريمون مقار ومحمد محمود عبدالعزيز، علاوة على شركات أخرى ستعود إلى السوق الدرامى قريبا.. لم يتم إقصاء أحد، أو إجباره على عدم العمل.
إذن، تم ضبط السوق من حيث الميزانيات والأجور والشركات العاملة، وجار العمل على مسلسلات جيدة من حيث المستوى الفنى مثل»الاختيار» لأمير كرارة الذى يقدم فيه شخصية أسطورة الجيش المصرى، أحمد المنسى، ومسلسل كبير لأحمد عز، علاوة على عودة نيللى كريم، وتواجد عادل إمام ويسرا، وعودة الكبيرين مجدى أبوعميرة فى مسلسل للفنانة ماجدة زكى، وأفضل مؤلف مصرى على الإطلاق محمد جلال عبد القوى.
بعد كل ذلك، أرى أن الثورة على الأوضاع المقلوبة فى الدراما المصرية نجحت.. وغلق منافذ التمويل غير الشرعى نجحت.. وبقى أن يعمل الجميع بجد وإخلاص.. لإعادة الدراما المصرية إلى ريادتها فى أقرب وقت ممكن.