الصبر.. شعار رفعه "أبو أحمد" لإتقان صناعة السجاد اليدوي بالبحيرة (فيديو)
داخل ورشة صغيرة بقرية الأبعادية التابعة لمركز دمنهور بمحافظة البحيرة، تجد "أبو أحمد" أمام نولًا خشبيًا مليئ بخيوط الصوف ينسج ويعقد تلك الخيوط معتمدًا على يديه وقدميه ليصنع متنوع السجاد اليدوي المستوحى من مختلف العصور والتصميمات الشعبية المليئة بالإبداع والجمال والدقة.
"ببقي منتعش وفرحان وأنا في شغلي وممكن أواصل لساعات حتى لو أنا تعبان".. بهذه الكلمات بدأ عم مصطفي الشهير بـ"أبو أحمد" صاحب الـ 63 عاما حكايته مع مهنة صناعة السجاد اليدوي والكليم والمشايات والشنط والمعلقات الجدارية بمحافظة البحيرة.
يقول "أبو أحمد"، حصلت علي دبلوم صناعة عام 1978م وعُرض عليا حينها أن أذهب إلى مركز تدريب في منطقة الجمالية بالقاهرة، وبالفعل ذهبت وتعلمت لمدة عامان وحققت المركز الأول على الدفعة، وعقب ذلك تم تعييني في محافظة الغربية بوظيفة فني بالشئون الاجتماعية، وبدأت أُنتدب إلى الجمعيات الخيرية التي تنفذ عدد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكان هذا بداية تعلمي أصول مهنة صناعة السجاد اليدوي.
وأضاف "أبو أحمد"، قائلا: الصبر والتركيز كانا السر وراء اتقاني لتلك المهنة علي مدار حياتي العملية بوظيفتي، وعندما أحليت للمعاش قررت أن أعود لموطني بمحافظة البحيرة وأنفذ مشروعا صغيرا لتصنيع السجاد اليدوي الذي أوشك على الانقراض.
وأوضح "أبو أحمد" أن النول الخشبي الذي يعتمد عليه في تصنيع السجاد اليدوي يتكون من 12 عرض، وهو عبارة عن ماسورتين من الحديد وفوقهم "السيفت، المير والمشط" مستخدما خامات الصوف، حيث يتم استخدام المشط "المكون من سنون معدنية" لضم الخيوط مع بعضها ويكون دوره الأكبر في رسم الرسومات الصغيرة، كما يتم استخدام المكوك في بداية ونهاية الشغل فقط ودوره الرئيسي هو رسم الخطوط العريضة، بالإضافة إلي دواستين أسفل النول الخشبي وبدورهم بعد الضغط عليهما يتم إنزال الخيوط العليا للأسفل والعكس، مشيرا أنه عندما يضغط بقدمه على الدواسة اليمني فيجب أن تكون يده اليمني متجهه بالخيوط إلى اليمين والعكس.
وعن سر إتقان الرسومات على السجاد اليدوي، قال "أبو أحمد": لازم يكون بالي رايق ومش بفكر في أي مشاكل اجتماعية حتى أستطيع أن أبدع في الرسم علي السجاد، وعندما أنتهي من الرسم أأخذ رأي الشباب فيما صنعت، لأن الشباب دائم التطلع ولديهم أفكار جديدة من الممكن أن استفاد منها كثيرا، بالإضافة إلي أنهم لا يجاملون مثل الكبار.
وأكمل "أبو أحمد"، قائلا: من أهم الرسومات التي رسمتها علي السجاد اليدوي، الأهرامات، أبو الهول، البحيرات، الأشجار، وعدد من الأشخاص والشخصيات الفرعونية والتي أعتمد فيها علي الأبعاد، كما أقوم بتصنيع الشنط اليدوية من نفس الخامات.
وعن أسعار السجاد اليدوي، يقول "عم مصطفى": أنا أعمل علي حسب طلب الزبون سواء مناظر طبيعية أو أشخاص وفي كل الأحوال يتم صبغ الصوف الأبيض بالألوان المطلوبة في التصميم وتحديد نوعية الخامات المستخدمة، ومن هنا يتم تحديد سعر المتر، فيبدأ سعر متر الرسمة الهندسية البسيطة من ٢٥٠ جنيها، أما إذا كانت الرسمة لمنظر طبيعي أو أشخاص فيصل سعر المتر فيها لـ 1000 جنيه.
واختتم "أبو أحمد" حديثه، قائلا: بدأت أعلم ابني أحمد ليواصل مسيرتي في المهنة ويساعدني، والحمد لله أصبح مُلم بأسرار كثيرة فيها، كما قمت علي مدار حياتي الوظيفية بتعليم أجيال في الجمعيات الخيرية، وفرحتي كانت لا توصف عندما أري سعادة أحدي السيدات المعيلات التي لا مصدر دخل لها أو عمل، بعد تعليمها أصول المهنة والتي أصبحت فيها رائدة بهذا المجال، وأتمنى أن تتبني الدولة وتهتم بتلك الحرف اليدوية التي أوشكت علي الانقراض، وذلك لتنميتها بإقامة العديد من المعارض بمختلف المحافظات للحفاظ علي هذا التراث الأصيل.
جدير بالذكر أن السجاد اليدوي يُعد أحد أقدم الحرف التي بدأت مع العصر الفرعوني منذ أكثر من 5 آلاف عام قبل الميلاد، وتحديدا في حضارة البداري، وازدهرت صناعة السجاد في العصرين الأيوبي والمملوكي، وبعد سقوط دولة المماليك واحتلال العثمانيين بلاد الشام انتقلت معهم تلك الصناعة إلى أمصار الدولة العثمانية، ومنذ هذا التوقيت وصناعة السجاد اليدوي عادت لتنتشر من جديد في مصر، حتى أن قرى كثيرة بأكملها كانت تحترفها، لدرجة أن كل قرية كانت تعد قلعة من قلاع صناعة السجاد.