منال لاشين تكتب: طبخة سلام بالحجم العائلي
القدس الشرقية خط أحمر والمطلوب طرح خطة سلام عربية
لأول مرة يتفق الفلسطينيون أمام خطة سلام ويختلف العرب
إيران وتركيا وحروب الشرق الأوسط ساهمت فى تغيير المشهد وغياب صدام والقذافى والأسد الكبير لعب دورا حاسما فى الجامعة العربية
كان الفيلم النسائى «احكى يا شهرزاد» فى عام 2009، ولكن ثمة مشهداً يفسر رفض الكثيرين لخطة ترامب وزوج ابنته تحت دعوى حل القضية الفلسطينية.
المشهد كان بين سوسن بدر وحسين الإمام، هو يتقدم للزواج منها وببخل شديد يطلب من سوسن بدر أن تتولى الإنفاق على البيت ويستولى على مرتبها، وتعطيه سيارتها شرطا للزواج منها، فردت سوسن عليه: أنت راجل أهبل عايزينى أصرف عليك عشان تنام معايا، وهذه الجملة العبقرية تلخص لب الخلاف أو بالأحرى الرفض المبدئى لخطة ترامب، فإذا كان ترامب أو صهره يريدان نزع القدس الشرقية كلها ومنحها لإسرائيل، فلماذا يدفع العرب ثمن ضياع القدس؟.. هذا سؤال استنكارى غاضب، ولكن مع ذلك لدى البعض من متابعى القضية الفلسطينية هذا سؤال له عشرات الإجابات من واقع تاريخ الصراع والجغرافيا وذكريات كامب ديفيد واوسلو وعشرات الصفحات من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والمحلية، أضف إليها الآن 181 صفحة هى خطة ترامب. إذن نحن أمام جبل ثلج غارق فى المحيط لا نرى سوى قمته فقط، وممثلة فى تصريحات وتسريبات. إذن الأمر يزداد غموضا وحيرة بين المنطق.الواقع وبين منطق الحق. بين صيحة أمل دنقل (لا تصالح ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ والرجال التى ملأتها الشروخ) وبين منطق السادات (99% من أوراق اللعبة فى أيدى أمريكا) وهيكل (إننا أمة الفرص الضائعة).
ما بين هذا وذاك وما بين الرفض المطلق والقبول المذل مساحة شائعة من المتغيرات والإحباطات فلا الفلسطينيين ظلوا كما هم ولا العرب وبلادهم وأنظمتهم ومخاوفهم وشرورهم، فثمة ملاحظة أو بالأحرى جرح محبط وغائر، فمع كل جولة مفاوضات تخسر القضية الفلسطينية أرضا أكثر وتواجه خيارات أقل، وذلك منذ مفاوضات ما بعد 48.
1- خيار ترامب
منذ أن أعلن ترامب عن بعض بنود خطته تابعت سيلاً من المقالات والتحليلات غربا وشرقا أجنبيا وعربيا، وتوقفت عند ملاحظة مهمة لأحد الخبراء الأمريكان.ملاحظة حول المشهد العربى الآن، وهو مشهد مختلف عما سبق من المفاوضات والمبادرات.. نحن أمام إجماع فلسطينى وخلاف عربى، ربما لأول مرة يتوافق الفلسطينيون حول الرفض فى مواجهة مواقفة معلنة لبعض أنظمة عربية، وذلك من خلال حضور سفرائها بأمريكا لحظة المؤتمر الصحفى لترامب ونتنياهو، وهناك دول وأنظمة تلقى بالكرة أو بالأحرى المسئولية على الانقسام الفلسطينى، ويبقى الموقف المصرى المصر على بقاء القدس الشرقية عاصمة لفلسطين وعلى انتهاز الفرصة للتفاوض.
ويرجع الخبير الموقف العربى الذى يميل إلى الموافقة ويهرول لإنهاء القضية الفلسطينية إلى عدة عوامل، فالمشهد الإقليمى مختلف بالولايات، هناك التهديد الإيرانى لدول الخليج والأزمة الليبية التى تهدد ليس بضياع ليبيا فقط، وإنما تشعل دول الجوار تونس والجزائر قلقا بالإضافة إلى ذلك هناك حرب اليمن وسوريا وأزمات العراق المتكررة، وسط كل ذلك ترى بعض الأنظمة العربية أن فلسطين لم تعد الأزمة الأولى أو الأكثر خطورة على الأمن القومى العربى.
بالإضافة إلى هذه العوامل والمتغيرات اعتقد أن ثمة تغييراً مهم فى المشهد العربى، وربما يكون هذا التغيير من أهم العوامل المؤثرة على القضية الفلسطينية، وهذا المتغير هو غياب الأنظمة العربية المتشددة أو ما يعرف بـ«نظم الصمود والرفض» صدام فى العراق والقذافى فى ليبيا وأخيرا الأسد الكبير فى سوريا.
فهذه الأنظمة كان لديها ثقل إقليمى ومالى مؤثر فى قرار وتوجهات العرب والجامعة العربية، ولذلك يرى البعض أن خيار ترامب قد يكون فرصة أخيرة للفلسطينيين حتى لو كانت بلا قدس شرقية أو غربية، حتى لو كانت مجرد رقع فى ثلاث دول يحاولون ترقيعها بجسور وكبارى. أما الكعكة التى يبديها ترامب وصهره فهى مليارات من الدولارات. هذه المليارات التى تتجاوز 700 مليار دولار تذهب كتعويض للدول عن الأرض لتحسين أو بالأحرى اقتصادها، وجزء آخر لإعداد مدن ومشروعات تستوعب الفلسطينيين فى دولة الترقيع.
2- شبح عرفات
من المتغيرات الحاسمة فى المشهد غياب زعيم فلسطينى قوى يعد مرجعية لا ترد، فأبو مازن ضعيف ويزداد ضعفًا يوما بعد الآخر، ولذلك فإن الطرفين الموافق والمعارض يحاولان استحضار روح أو بالأحرى مواقف الزعيم ياسر عرفات. مثلما حاولوا استحضار مبادرة روجرز كدليل علي موافقة الزعيم عبدالناصر للسلام مع إسرائيل، وإثبات أن عرفات ندم أشد الندم على مواقفه المتشددة بداية من مباحثات كامب ديفيد وحتى مبادرة الرئيس الأمريكى السابق بيل كيلنتون، وأنه اضطر إلى هذه المواقف لأسباب مختلفة منها الخوف من اغتياله هو شخصيا على يد المتشددين.بل يصل الأمر إلى أن موافقة عرفات على خطة لتعويض فلسطين بأراض أخرى بدلا من الأرض التى حصلت عليها إسرائيل وبنت عليها مستوطنات أو بالأحرى المزيد من المستوطنات، وقد بلغ عدد 280 ألف إسرائيلى فى المستوطنات فى عام 2000، ولكن لا أحد تجرأ على القول بأن عرفات قد وافق على التخلى عن القدس الشرقية وإقامة عاصمة فلسطين بها، وإن كانت القدس فى كل المفاوضات العقبة الرئيسية أو المعضلة فى كل مفاوضات، وذلك بشكل مطلق وليس مقارنة بقضايا اللاجئين والأمن فقط.
3- القدس لنا
فى خطة ترامب لا يوجد للفلسطينيين أو العرب أو المسلمين وجود فى القدس الغربية أو الشرقية، ولذلك اعتبر الكثير من الخبراء بما فى ذلك أمريكيين بأن خطة ترامب مستحيلة وغير مقبولة وتفتقد إلى المنطقية، ولن تخلق إلا المزيد من التعقيد وإطالة عمر القضية، واعتبر آخرون أن خطة ترامب مجرد حركة انتخابية لكل من ترامب ونتنياهو.
ولذلك قد يبدو من المثير للدهشة بالنسبة لى وللكثيرين التعامل بجدية بالغة مع خطة ترامب وخضوع بعض الدول العربية للخطة والدعوة لقبولها بوصفها الفرصة الأخيرة أمام الفلسطينيين.متناسين أن هناك رفضاً للخطة من دول أجنبية أوروبية ومن مجلس الأمن، والأهم أنها تضيع القدس الشرقية ومقدساتها إلى الأبد، وتحقق حلم اليهود أو بالأحرى الصهاينة التاريخى بهدم المسجد الأقصى من أجل عيون هيكل الملك سليمان، وبذلك فإن وضع القدس فى خطة ترامب يمثل عقبة دينية وليست سياسية فقط.
ولذلك فمن المستحيل بالنسبة لى وللكثير القبول بضياع القدس الشرقية والمسجد الأقصى، وبالمثل لم يستطع معظم الأنظمة العربية والإسلامية تحمل ضياع الأقصى أمام شعوبها، وخاصة أن عدة دول عربية ستدفع مليارات الدولارات ضمن خطة ترامب، وتبرير دفع الأموال مع ضياع الأقصى يحتاج إلى حاوٍ بأكثر من حاجتها لسياسى أو تبريرى.
ومع ذلك ورغم كل ذلك فأنا مع الهجوم بدلا من الانحساب يجب ألا يكتفى العرب أو بعضهم وفلسطين بالرفض والمقاطعة، بل علينا تقديم خطة بديلة ودخول مفاوضات مباشرة على أساس مناقشة الخطتين على أساس اتفاق العرب جميعا على عدم التخلى عن القدس الشرقية والمقدسات وهنا يمكن أن يلعب الأردن موقفا محوريا من خلال وصايته على المقدسات الإسلامية فى فلسطين. نحن نحتاج الآن إلى كل ضمير عربى ومسلم وأجنبى وكل أدوات التفاوض والسياسة من أجل حماية القدس الشرقية والمقدسات الإسلامية والمسيحية. نحن دعاة سلام لا استسلام وليس بعد القدس الشرقية ما نخاف عليه أو ندفع الفلسطينيين للتنازل عنه.