عبدالحفيظ سعد يكتب: د. على مبروك: الأزهر لن يقبل تجديد الخطاب الديني
معركة الطيب والخشت ليست الأولى
يتجدد الحديث عن تجديد الخطاب الدينى على مدار ست سنوات، دون إنجاز.. مؤتمرات هنا وجلسات هناك، وسجال ومعارك بين أصحاب الحداثة من طرف والمتمسكين بالموروث كطرف ثان،
بلا جديد، سواء الحديث عن التجديد الذى لا يراوح مكانه، كأنه «ضجيج بلا طحن».
لتثبت الأيام، أن الاتهامات التى كانت توجه إلى مؤسسة الأزهر بأنها ستقف ضد إحداث ثورة حقيقية فى ملف الخطاب الدينى، حقيقية، رغم أن الأزهر، هو المؤسسة المنوط بها قيادة ثورة التجديد، باعتبارها المرجعية العليا للعلوم الإسلامية ليس فى مصر فقط بل العالم كله.
لذلك لم تكن المعركة الكلامية التى دارت بين شيخ الأزهر أحمد الطيب ورئيس جامعة القاهرة عثمان الخشت، المعركة الأولى، فقبل أربع سنوات ونصف السنة من الآن، تنبأ الدكتور والباحث على مبروك أستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، بكلية آداب جامعة القاهرة، قبل رحيله عن الدنيا 2015 فى كتابه بعنوان «الأزهر وسؤال التجديد»، بأن الأزهر لن يتصدى بشكل حقيقى لقضية تجديد علوم الدين أو الخطاب الدينى، ليواجه الأفكار المتطرفة التى تعانى منها الأمة العربية والإسلامية، والتى أفرزت فكر تنظيم الإخوان، وصولا لداعش والقاعدة، والتى تعتمد كلها على موروثات قديمة، والتى صارت عبئا على الإسلام، كدين يحمل رسالة حضارية للعالم والإنسانية.
ما طرحه الدكتور على مبروك فى كتابه «الأزهر .. وسؤال التجديد»، يحمل حججا، بأن علماء الأزهر، لن يستطيعوا أن يتصدوا لمهمة تجديد الخطاب، لأن المؤسسة ذاتها، تحتاج إلى تجديد، بل ثورة فى تعاملها مع الموروث والذى صارت جزءا منه، خاصة بعد تبنيها المذهب «الأشعرى»، نسبة للإمام أبو الحسن الأشعرى فى العقيدة منذ عصر المماليك، وبعد الإحياء الثانى للأزهر عقب سقوط الفاطميين وسيطرة الأيوبيين على الحكم، وأنها أغلقت أى باب للاجتهاد الفكرى منذ ذلك الزمن.
الغريب أن دكتور مبروك، والذى يعد امتداداً لأفكار الراحل نصر حامد أبوزيد، كان يواجه حرباً من الدكتور الخشت، والذى تصدى له وقت رئاسة كلية الآداب جامعة القاهرة، ورفض منح الدكتور مبروك درجة علمية عن أحد أبحاثه، والتى تنتقد الموروث الدينى وفكر الأشاعرة الذى يضعه الأزهر مرجعية له، وهو ما يدل على أن الخلاف الحالى بين شيخ الطيب والخشت، ليس وليد توجه سياسى بقدر كونه سؤالا ملحا إلى الأزهر لا يجد له إجابة.
ومن هنا نجد أن دعوات الأزهر للمؤتمرات والندوات والمنتديات، تحت لافتة «تجديد الخطاب الدينى» ما هى إلا «ثرثرة» بلا نتائج، وأنها مجرد فاعليات لمواكبة الحدث، دون محاولة الوصول إلى نتائج حقيقية تواجه الفكر المتطرف، بمعنى أنه حديث فى القشور ومحاولة تجميل الخطاب، دون القدرة على الحديث عن الأصول الغائرة التى يواجهها مجتمعنا المعاصر.
ونجد أن عجز الأزهر عن مواجهة الأفكار المتطرفة بشكل جذرى وعدم قدرته على طرح خطاب دينى جديد، سببه أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك، وهى النتيجة التى خرج بها الدكتور والباحث على مبروك أستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، بكلية آداب جامعة القاهرة، والذى رحل منذ أربع سنوات، لكنه قبل رحيله بأيام كان وضع كتابا بعنوان «الأزهر وسؤال التجديد»، يناقش فيه إمكانية أن يقوم الأزهر بتجديد الخطاب الدينى، ومواجهة الأفكار المتطرفة التى تعانى منها الأمة العربية والإسلامية الآن.
يجزم الكاتب بأن الأزهر، لا يمكن أن يلعب دورا فى تجديد الخطاب الدينى، لأنه جزء من أزمة الخطاب الدينى.
ويذهب الدكتور مبروك فى كتابه الأخير إلى أن أسباب عجز الأزهر كمؤسسة دينية عن تجديد الخطاب الدينى، ترجع لفكر المؤسسة نفسها القائم على الفكر الأشعرى/ الشافعى الذى يحتاج إلى تجديد، وكأنه يقول كيف تعطى أصل الداء مهمة علاج نفسه، إذا كان هو من يحتاج لمن يداويه.
ويقول فى كتابه: «أصحاب الفضيلة شيوخ الأزهر من القائمين على رأس المؤسسة العريقة فى إنتاج القداسة، قد بادروا إلى إعلان احتشادهم من أجل إنجاح الثورة المأمولة لتجديد الخطاب الدينى، لكن ما تواتر عن هؤلاء الفضلاء من شيوخ الأزهر بخصوص كيفية إحداث الثورة الدينية يكشف عن أن نجاحها يحتاج لما أبعد من مجرد إعلان النية، بل لابد أن يكون لديهم امتلاك القدرة على إحداث القدرة».
ويرى أن الأزهر وشيوخه بتفكيرهم الحالى لايمتلكون «القدرة» المعرفية المطلوبة لإحداث الثورة الدينية سواء فى الخطاب أو الأفكار، مضيفاً أن القدرة المعرفية هنا لا تقتصر على العلوم الدينية الصماء، بل تضم جملة من الأدوات والمناهج والمفاهيم التى اكتسبها العقل المعاصر فى جميع المجالات التى تمكنهم من الخروج عن المألوف وعدم الارتكان للماضى والموروث الذى عفا عنه الزمن.
ويذهب على مبروك، إلى أن ما يطرحه شيوخ الأزهر من أفكار تتعلق بتجديد الخطاب الدينى، هى الثرثرة بنتائج معرفية بقصد التجميل وادعاء الانتساب إلى الحداثة دون أن يحاولوا الوصول إلى نتائج حقيقية تواجه الفكر المتطرف، بمعنى أنهم يتحدثون فى القشور ومحاولة تجميل الخطاب، دون أن يقدروا على الحديث عن الأصول الغائرة التى يواجهها مجتمعنا المعاصر.
ويؤكد الدكتور مبروك أن المؤسسة الأزهرية لايمكن أن تسعى لخلخلة المستقر لوجوده، متسائلا هل يقبل شيوخ الأزهر أن يزلزلوا وجودهم ووضعهم الدينى إذا ما اشتغلوا فى موضوع الخطاب الذى يقومون بحراسته؟.
ويدلل على أن دعوة الأزهر للعمل على تجديد الخطاب الدينى الإسلامى، لها تاريخ ممتد فى العصر الحديث، ولم تكن الدعوة الأخيرة الأولى لها، بل سبق فى القرن التاسع عشر الميلادى، عندما طلب الخديو إسماعيل من شيخ الأزهر وعلمائه، أن يعملوا على تأليف كتاب فى الحقوق والعقوبات موافق لروح العصر سهل العبارة ومرتب المسائل على نحو ترتيب كتب القوانين الأوروبية.
ورغم أن ما طلبه الخديو إسماعيل فى ذلك الوقت يعد بسيطا جدا، مقارنة من المطلوب إنجازه من الأزهر الآن، الذى يصل لإحداث ثورة فى الفكر الإسلامى، عبر تجديد خطابه، لكن شيوخ الأزهر قبل قرن ونصف القرن رفضوا وعجزوا عن تقديم أى تصور للخديو إسماعيل، وهو ما دعا الخديو وقتها إلى إنشاء المحاكم الأهلية التى جرى العمل فيها بالقوانين الأوروبية بعد أن عجز شيوخ الأزهر عن وضع تصور لقوانين عصرية، صار أنفسهم يلجأون إليها رغم وجود المحاكم الشرعية، لكنهم وجدوا فى المحاكم الأهلية ذات القانون الوضعى، أضمن لهم من والعدل الإنصاف من المحاكم الشرعية التى تستند فى شرعيتها للوحى السماوى.
وتمر الأيام لنجد أنفسنا أمام النتيجة نفسها، لا أحد يجرؤ أن يدخل فى صلب وجوهر تجديد الخطاب، ويكتفى الأزهريون بترديد مفاهيم تجديد الخطاب والاكتفاء بعقد المؤتمرات وإقامة المنتديات، ويعتقدون أن تحديث للخطاب، ما هو إلا ظهور الشيوخ بلباس عصرى، أو الحديث بلغة جديدة دون أن يمسوا الموروث، وهذا ما يفسره رد شيخ الأزهر على الخشت أن التجديد والتحديث فقط فى «بيت الأب»، دون المساس بالموروث بكل ما فيه من ألغام.