مي سمير تكتب: كيف تكون "طويل العمر"؟

مقالات الرأي



كن رئيسًا.. أو زوجًا.. أو عاملًا

نمط العيش داخل القصر الرئاسى يضمن تغذية سليمة ومتابعة صحية فائقة

شريك الحياة يقى من أمراض القلب والسرطان ويحسّن السلوك

العمل بعد "المعاش" يضمن دخلًا ثابتًا وحيوية أكبر


معادلة تحمل الضغوط والعلاقات الاجتماعية والعمل مجهدة، خاصة إذا ما ارتبطت بمنصب أو زواج، لكن الغريب، أن أغلب الرؤساء والزعماء الذين عاشوا حياة صعبة مليئة بالقرارات الحاسمة، تمتعوا بعمر طويل وحياة رائعة، خاصة بعد انتهاء فترات حكمهم.

وفى سبيل بحثها عن حل لتلك المعادلة الصعبة، كتبت مجلة الـ«تايم» الأمريكية الأسبوعية، موضوعا، تناولت خلاله أسرار العلاقة الغريبة، التى تربط التوتر والمجهود غير العادى وطول العمر.

1- الحكم

وبين السطور ذكرت: فى خريف عام 2012، احتل جيمى كارتر مكانة فى التاريخ، باعتباره الرئيس الذى عاش لأطول فترة بعد مغادرته البيت الأبيض، حوالى 31 سنة و231 يوماً، محطما سجل هيربرت هوفر، الذى توفى عام 1964.

واليوم مر أكثر من 38 عاماً على مغادرة كارتر البيت الأبيض، حيث بلغ الرئيس الأسبق عامه الـ95 فى أكتوبر 2019، ما يعنى أن تركه للبيت الأبيض لم يكن نهاية الطريق، بل كان بداية لمشوار طويل متعدد الأوجه، خاضه الرئيس الأمريكى الأسبق.

وبعدما انتهت فترة ولايته رسميا، عاد إلى جورجيا، ومارس مهنة التدريس، كما عمل على تحسين لغته الإسبانية، وتعلم الطلاء، والشعر، علاوة على فوزه بجائزة نوبل للسلام، واستمراره فى الكتابة لأكثر من 20 عاما تقريبا.

لكن، لم يكن طول عمر كارتر أمرا غريبا، بالنسبة لرئيس سابق فى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ عاش رونالد ريجان حتى أكمل عامه الـ93، وأيضا جيرالد فورد، وبوش الأب، الذى توفى العام الماضى، عن عمر ناهز 94 عاما، أى بعد أكثر من ربع قرن على مغادرته للبيت الأبيض.

المجلة الأسبوعية الأمريكية رجحت أن تكون طبيعة الحياة الرئاسية هى كلمة السر وراء تمتع أغلب الرؤساء بالعمر الطويل، فى ظل تمتع القصر الرئاسى عادة بالوصول إلى أفضل أنواع التغذية والرعاية الصحية والظروف المعيشية، رغم أن هؤلاء الرجال تعرضوا لضغوط لا يمكن تخيلها.

وتابعت: فى حياة الرئيس، لا مجال لعدم الانتباه لأى عارض صحى بسيط، إذ يتبعه طبيب فى كل مكان يذهب إليه، بالإضافة لوجود الفرق الطبية على بعد خطوات منه طوال اليوم، وحتى عندما يعود الرؤساء إلى الحياة الخاصة، بعد انتهاء فترات ولايتهم، فإن تفاصيل الخدمة السرية التى تحرسهم تضم دائما فريقا للرعاية الصحية.

ومنذ سبعينيات القرن الماضى، تحولت الحياة الشخصية للرئيس الأمريكى لجزء من صورته الإعلامية، فى ظل حرص الرؤساء على تقديم صورة إعلامية متكاملة عنهم، وإظهار ذلك الرجل الذى يتناول الطعام الصحى، والحريص على ممارسة الرياضة بصورة منتظمة، وعلى سبيل المثال، قام بوش الأب فى بعض الأحيان بممارسة ثلاث أو أربع رياضات مختلفة فى يوم واحد.

وعن كيفية إدارة الشعور بالإجهاد، كتبت المجلة الشهيرة، هذا أمر ضرورى بالنسبة للرئيس، الذى يحرص عادة على الراحة، حتى يتمكن من مواصلة عمله، فبعد انتخابات عام 1960 التى شهدت مواجهة ساخنة بين جون كينيدى وريتشارد نيكسون، التقى الاثنان فى الاستراحة الرسمية لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ووعد نيكسون «الخاسر» غريمه الفائز كيندى: «قد انتقد سياستك ولكننى لن أشارك فى أى انتقاد يتعلق بحرصك على الراحة والاسترخاء»، فى النهاية يحتاج الرئيس أن يكون جسديا وعقليا وعاطفيا فى أفضل وضع ممكن لمواجهة القرارات الصعبة، التى يتعين عليه اتخاذها.

لكن الغريب، أنه بالنسبة للعديد من الرؤساء، يعمل الضغط كمضاعف للقوة، وأظهرت نتائج الأبحاث أن تأثير الضغوطات على الشخص تتوقف على كيفية مشاهدتها، بمعنى أن ما هو ضار يصبح مفيداً عند معالجته، كحقيقة من حقائق الحياة أو فرصة للتعلم، فكلما كان الشخص أكثر قوة، كلما كان أكثر قدرة على التحكم، وتزيد احتمالات تعلمه استخدام الضغوطات لمصلحته.

ويلعب نمط حياة الرؤساء دوراً فى تمتعهم بالعمر الطويل، إذ عندما يغادر الرئيس الأمريكى البيت الأبيض، يبدأ عادة فصل جديد فى حياته، قد لا يقل إثارة عن فترة ولايته، وعن هذا يتذكر كارتر: «عندما خرجت من البيت الأبيض، أدركت أن متوسط العمر المتوقع هو 25 عاما، ولذلك كنت حريصا على استغلال هذه الفترة».

المجلة الأمريكية أوضحت أيضا، أن أغلب الرؤساء يتمتعون بالكثير من الإمكانيات التى تؤهلهم للقيام بالعديد من المهام، على سبيل المثال أطلق بيل كلينتون مؤسسته العالمية، وبعد أقل من عامين من مغادرة منصبه، دخل باراك أوباما والسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما فى اتفاق متعدد السنوات، لإنتاج أفلام ومسلسلات مع نتفليكس بعنوان (الأرض العليا).

والحقيقة، فإن الانخراط فى عمل هادف يرتبط أيضا بشكل وثيق بالعمر الطويل، لذا حرص الرؤساء فى العصر الحديث على الارتباط بقضايا يؤمنون بها، ما يساهم فى تعزيز شهرتهم، ومن وجهة نظر نفسية، فإنهم يستقرون على المدى الطويل.

وبالطبع، لدى الرؤساء السابقين شيء آخر، إذ هناك حاجة للحفاظ على سمعتهم بالتاريخ، خاصة إذا سار وقتهم فى السلطة على نحو لا يتماشى مع خططهم، وربما يساعد تصحيح السجل على إبقاء الرؤساء السابقين على قيد الحياة لفترة أطول قليلا، لأن هناك الكثير من العمل الذى يتعين القيام به.

والرؤساء غير المحبوبين لديهم ميزة فى هذا المجال، وأكبر دليل على ذلك، أنه وسط قدر كبير من الانتقادات، غادر هارى ترومان واشنطن فى عام 1953، متنازلا عن البيت الأبيض إلى دوايت أيزنهاور، لكن ترومان عاش 19 عاما بعد مغادرة البيت الأبيض، حتى بلغ 88 عاما، وعمل على تحسين سمعته سنويا، حتى نيكسون، الذى استقال عام 1974، قضى بقية عمره فى تأليف الكتب، وفتح مركزاً للأبحاث.

2- الزواج

وتحت عنوان «هل يعيش المتزوجون أيضا حياة أطول؟»، استطردت المجلة الأمريكية الشهيرة بـ«فى الواقع، يعيش المتزوجون عمر أطول، ولكن لا يزال هناك الكثير من المحاذير»، مستشهدة بما قاله بيتر مارتن، أستاذ التنمية البشرية والدراسات الأسرية بجامعة ولاية أيوا: «إذا بقيت متزوج، فهو بمثابة دعم اجتماعى رائع».

وأضافت: إن وجود شريك فى فترة منتصف العمر، وتحديدا عندما تظهر أغلب الأمراض المزمنة لأول مرة، يكون بمثابة وقاية ضد الوفاة المبكرة، وفقا لدراسة أجريت عام 2013، نشرها مارتن وزملاؤه المشاركون فى مجلة الطب السلوكى، والأشخاص الذين لم يتزوجوا أبدا يكونوا أكثر عرضة للوفاة مبكرا، بمقدار الضعف، مقارنة بالمتزوجين، الذين يعيشون فى زيجات مستقرة، وخلص مارتن إلى أن الزواج هو عامل كبير فى البقاء على قيد الحياة.

فريق مارتن ليس هو أول من رصد العلاقة بين الزواج والحياة الأطول، إذ أظهرت إحدى الدراسات التى أجريت على 153.330 مصاب بمرض القلب، أن الأشخاص المتزوجين لديهم توقعات أفضل بكثير من الشخص الذى يعيش بمفرده، ومن المرجح أن يكتشفوا إصابتهم بالسرطان مبكرا، ويعتقد الباحثون أن الأمر مرتبط بتزويد شخص ما بالدعم المباشر.

وعندما يكون لديك شخص ما طوال الوقت، فهذا يعنى أن لديك شخصاً يذكرك بأخذ دوائك والذهاب إلى الطبيب، وإذا تعرضت لإصابة أو أزمة، فهناك فرصة جيدة لأن يكون هناك شخص ما لمساعدتك، ومن المرجح أن يتبنى الأشخاص المتزوجون سلوكاً صحياً، مثل الإقلاع عن التدخين إذا كان شريكهم يفعل ذلك.

وعن هذا يقول مارتن: إنه سمع الكثيرين يقولون إنهم يتقيدون بالسلوكيات الصحية التى اعتاد عليها شريك حياتهم المتوفى، لكى يحتفظوا بذكراه. ومع ذلك، لا يبدو أن تأثير الزواج المزعوم يفيد الرجال والنساء على قدم المساواة، حيث وجدت دراسة Life-Cycle -مشروع مستمر بدأ فى متابعة أكثر من 1500 شخص فى عام 1921-، أنه بينما من المرجح أن يعيش الرجال المتزوجون بثبات لفترة أطول بكثير من الرجال غير المتزوجين، تتمتع النساء المطلقات بنفس متوسط أعمار المتزوجات، كما أن المرأة التى لم تتزوج على الإطلاق، وتتمتع بحياة ثرية ودائرة قوية من الأصدقاء، تتمتع عادة بعمر طويل، مقارنة بالنساء المتزوجات. وسواء كان الناس متزوجين أم لا، فإن الروابط الاجتماعية القوية والصداقة من العوامل المهمة بشكل خاص، من أجل التمتع بشيخوخة صحية.

3- العمل

وأكملت المجلة الشهيرة ملفها عن العمر الطويل تحت عنوان فرعى «الدفع مقابل حياة طويلة»، مستشهدة بجملة الفيلسوف الرومانى الشهير سينيكا: «الحياة، إذا تم عيشها بشكل جيد، فهى طويلة بما يكفى»، وفى عصرنا، قد تكون تلك النصيحة صادقة، ولكن الحقيقة، هى أن الحياة، بصرف النظر عن طريقة عيشها، أصبحت أطول بالنسبة للعديد من الناس، كما أنها غالية الثمن أيضا. 

ومن المحتمل أن تكون هذه الحياة الطويلة أكثر نشاطا عما كانت عليه فى الماضى، خاصة بعدما وجد الباحثون فى كلية الطب بجامعة ماساتشوستس أن الأمريكيين الأكبر سنا يظهرون علامات أقل من الضعف أثناء أداء المهام اليومية، وأيضا طاقة أكثر من الأجيال السابقة. 

هذه الحقائق السعيدة لا تخلو من سلبياتها بالطبع، وأهمها أن السنوات الذهبية تحولت إلى عقود ذهبية، وبالتالى جلبت معها تحديات مالية كبيرة.

ومن أجل تحمل تكاليف حياة أطول، لابد من إعادة التفكير فى كيفية الاستعداد المالى لمواجهة العمر الطويل، لذا، هناك الكثير من النصائح فى هذا المجال، مثل التفكير فى طرق إدخار الأموال، كما يقول الملياردير الأمريكى وارين بوفيه: «أنا لا أدخر ما يتبقى من راتبى، ولكننى أنفق ما يتبقى من راتبى بعد الإدخار».

القاعدة هى ثبات الجزء الذى تدخره من دخلك بصرف النظر عن احتياجاتك الشخصية، وهناك نصيحة أخرى، وهى عدم إنفاق المكافآت والاحتفاظ بها من أجل المستقبل، وأيضا العمل لفترة أطول، خاصة أنه فى السنوات الأخيرة، بالتزامن مع النمو الاقتصادى، تميل الشركات إلى الاستعانة بكبار السن. على سبيل المثال أثبتت الدراسات أن الأفراد الذين يتمتعون بتجربة حياة أكبر قد يتصلون بشكل أفضل بالعملاء، وبالتالى زاد حجم الاستعانة بكبار السن فى خدمة العملاء.