مصطفى محمد يكتب : حُب به سُم قاتل!

ركن القراء

مصطفى محمد
مصطفى محمد


في رأيي الشخصي أعتبر أن من يمتلك سلاح الإعلام الإحترافي الفاعل بألوانه المختلفة في هذا العصر، قد يكون لديه نفس تأثير قوة الردع النووية، بل ربما أكثر!

في دراسة أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، للإجابة على السؤال المحوري حول ماهية وخفايا صناعة الإعلام، وهو ..

ماذا تريد وسائل الإعلام من الجمهور، وماذا يريد الجمهور من وسائل الإعلام؟

وجاءت مفاجئة الجواب كاشفة لمدى أهمية البحث والتحليل العلمي في قياس توجهات الرأي العام، وفهم خفايا هذه الصناعة الثقيلة.

فقد خَلُصت الدراسة إلى أن ما تحتاجه وسائل الإعلام من الجمهور هو ( الحب )!

نعم عزيزي القارئ، الحب، هو غاية أي وسيلة إعلامية منك.

أما ما يحتاجه الجمهور من وسائل الإعلام، هو (الجديد)، ولا مانع من تناول الأخبار والأحداث القديمة، لكن بشرط، إعادة صياغتها في قالب مشوق وحبكة خبرية تجذب الانتباه، ومن خلال طرح زوايا جديدة تشوش على حقيقة إعادة تدوير السياق الذي تم تداوله بالفعل سابقاً.

ولكن يظل السؤال الأهم، هو، كيف تحوز الوسيلة الإعلامية على حب الجمهور؟

يحصل أي منبر إعلامي، سياسي كان أو رياضي أو حتى برامج الطبخ، على حب وانتماء الجمهور، عندما ينجح في أن يكون ممثل عن أحلام وطموحات وآمال وتطلعات الشريحة المستهدفة من إنتاج هذا البرنامج، أو تلك المحطة أو الجريدة.

عزيزي القارئ..

من المهنية أن اضرب لك مثالاً يوضح ما سبق وشرحته، وهنا لن أجد في منطقتنا أوضح من إعلام ( الجزيرة )، بكل أذرعها وقنواتها السياسية والرياضية والترفيهية، والتي دأبت في سياستها التحريرية منذ اللحظة الأولى، على دغدغة المشاعر الدينية والوطنية، ولعبت على وتر مناصرة قضايا الحرية ومناهضة الاستبداد،

وخلقت وسوقت عبر شاشتها ومنصاتها المتنوعة، لخطاب لوبي ديني و قومي، رغم التناقض الإيديولوجي الواضح بين التيارين!

بالإضافة إلى الإيحاء الخادع، بأن منبرهم محراب للمهنية والحقيقة والرأي والرأي الآخر!

حيث هدفت من وراء مداعبة المشاعر والمثل العليا، إلى التسلل إلى وجدان المشاهد عبر بث محتوى في العالم الإفتراضي، يعوضه عاطفياً، عن ما فشلت فيه إرادته العاجزة عن التغيير على أرض الواقع.

وبالتالي حصلت على الحب المنشود.

وهنا يأتي دورنا في الإجابة على السؤال الأصعب حول غاية وسائل الإعلام..

 

ما هي الخُطوة التالية؟ وماذا هم فاعلون بهذا الحب؟!

عندما يسيطرون على مشاعرك النبيلة، ويأخذون منك ما لا يُشترى بالمال، قلبك و وجدانك، لينفردوا بعدها بعقلك وأفكارك، ومن ثما يشكلون وعيك، عندها، ربما يقلبون ثوابتك الراسخة رأساً على عقب.

ونعود مرة أخرى لنموذج ( الجزيرة ) الكاشف لخطورة السقوط في براثن الإعلام المضلل،

فما أطالبك به الآن عزيزي المتابع هو أن تجيب بشفافية وحيادية ومنطق على..

لماذا تنفق ( قطر ) هذه المليارات في مؤسسة إعلامية شاملة، وتحتكر حقوق بث بمبالغ طائلة، أكثر من قيمتها السوقية الحقيقية، ولا يشغلهم ولا يمكنهم جني عوائد استثمارية منها، بل حتى لا يعوضون جزء من تكلفة التشغيل الباهظة؟

لماذا رسالتها الإعلامية انتقائية وانتقامية، فميزان الخير والشر لديها متناقض، أين المبادئ التي جذبتك إليهم، إذن؟

 

وبناء عليه، إذا نجحت في زيادة مساحة التفكير النقدي بداخلك، وقتها لن يكون من السهل خداعك، وستسطيع أكثر فهم واستيعاب ما يدور حولك في الفضاء الإعلامي الواسع.

وأخيراً..

رُغم النجاح النسبي لوسائل الإعلام سواء الحكومية أو المستقلة المقاومة  للـ ( الجزيرة )، في فضح هذه الأجندة الخفية، وكشف زيف رسالتها، إلا إنه تظل قدرة هذه الوسائل وفاعليتها محدودة التأثير على عقل الجمهور مقارنة بالمنافس، ويعود هذا القصور لأسباب كثيرة يطول شرحها، قد نتناولها في مقال آخر.

 

Mustafa.journalist@intagram