الفجر داخل منزل الشهيد ضياء فتحي.. والدته: "عايش معانا في كل وقت" (فيديو)
"بين الفخر والحزن"، قبعت قلوب أمهات شهداء الوطن عند تذكرهن رحيل فلذات أكبدهن، فميز الله أمهات الشهداء بتربية أطفالهن كرجال، يتسمون بالجدعنة والشهامة والولاء للوطن، حتى آخر نفس.
وعلى الرغم من مرور سنوات، إلا أن الحزن ظل ساكنًا بداخل قلوبهم، ولكن الصبر والإيمان بقدر الله هو التعويض لفقدانهم، فهم رجال صدقوا في قسمهم، ليقدموا أغلى ما يملكون وهي حياتهم، تركوا أسرهم وأطفالهم، تضحية لوطنهم.
"ضياء قلبي.. ضياء عيني.. ضياء روحي.. ابني الغالي وحشتني.. كل دقيقة بتمر وأنت بعيد عني بسنة من عمري، لأنك كل حياتي وصبري وسندى"، كانت تلك الكلمات الأولى التى سطرتها "أم الشهيد ضياء فتحي" ضابط المفرقعات، الذي استشهد في أثناء تفكيكه قنبلة بمحيط قسم الطالبية بالهرم، بجوابها؛ لتجدد ذكراها الأليمة لتسترجع ذكرياتها مع ابنها.
في البداية حديثينا عن واقعة استشهاد نجلك؟
جلست السيدة "نجاة الجافي" والدة الشهيد "ضياء فتحي"، مبتسمة وعيونها تمتلئ الدموع على فراقه، في وسط البدل التي يرتديها في عمله أثناء تفكيكه القنابل، وقالت إنه منذ 6 أعوام في يوم 6 يناير 2015 جاءت مهمة لابني "ضياء"، بوجود قنبلة بمحيط قسم الطالبية بالهرم، تحرك لإبطالها وبدلًا من تفكيكها بمدفع المياه، فضل المجازفة بنفسه لكي يفكها بيديه إنقاذًا للمواطنين، ويأخذ الموجه الانفجارية في جسمه منعًا من كارثة بشرية ويستشهد، متابعة: "أنت أخذت عمري، ورزقك، ودا موتك وساعتك، وأنا مش زعلانة".
وتابعت أم الشهيد، أنه في ليلة الواقعة حلمت بمشهد الاستشهاد، ورأت منظر القنبلة وهي تنفجر، متابعة: على الفور استيقظت، وكنت ذاهبة لغرفته لكى أطمئن عليه، ورأيته هو الذي يأتي ليطمئني عليا ويقول لى "ادعيلي بكرة الصبح عندي شغل وأنا مش مطمئن".
حديثينا عن طفولة الشهيد البطل؟ وما هي أحلامه؟
بتنهيدة طويلة وعيون حزينة، استكملت "نجاة" والدة الشهيد، ابني منذ الصغر يحلم أن يرى نفسه مثل أبيه لكونه ضابط أيضا وهو اللواء "فتحى فتوح"، فكان دائمًا يرتدي البدلة وهو طفل، حلمًا لأن يصبح ضابطا في الكبر، وبالفعل دخل الثانوية العامة، وقمت أنا ووالده بتقديم أوراقه لكلية الشرطة: "أنا اللي كتبتله الرغبات في الاستمارة"، وبعد اجتياز الاختبارات المطلوبة تم قبوله، وكان هذا اليوم فرحة عمره الحقيقية، متابعة أنه كان يفنى نفسه في مهنته؛ لأنها تحقيقًا لحلمه بأن ينقذ المواطنين من المخاطر.
هل مانعتي دخوله كلية الشرطة ؟
لم أمانع على الرغم من القلق المستمر الذي يملئ قلبي، لكون زوجي وابني ضابطان بالشرطة، بدأ عمله في عام 2005، وكانت خدمته بسيناء وكان يعلم بمخاطر المنطقة، ولكنه كان مستعدًا لمواجهته، وخصوصًا في فترة ثورة يناير، وما صاحبها من حرب ضروس على الإرهاب والتفجيرات من الجماعات الإرهابية، فكانت أول إصابة في عام 2008 حينما أصيب بإطلاق ناري في صدره في أثناء ملاحقه أحد الخارجين، فحاولت أسرتي عدم إبلاغي؛ لأن حالته كانت حرجة، ولكن تم شفائه.
هل وافقتي عندما قرر الشهيد انتقاله من المباحث للحماية المدنية؟ وما رد فعلك على عمله في تفكيك المفرقعات؟
شردت قليلًا، لكي تأخذ نفسًا عميقًا لتستكمل حديثها: "متخافيش يا ماما"، كانت كلمات البطل الشهيد "ضياء فتحي"، عندما قرر الانتقال من المباحث إلى الحماية المدنية، متابعة: فلم أتدخل في اختياراته، بالرغم من قلقي الشديد في اختياره أنه سوف يتعرض للحرائق وللتفجيرات، خاصة أننا كنا نمر حينها بالتفجيرات التي طالت الكنائس والمساجد، بالإضافة لكثرة الحرائق.
وتابعت الأم، عندما انتاب القلق قلبي، قال لي ابني: "هو أنا أطول أبقى شهيد من أجل الوطن..ربنا ينولهاني"، وبالفعل تحققت كلماته.
حديثينا عن حياته الأسرية؟ وما المبادئ التي كان يتمنى غرسها في ابنته؟
ابني الشهيد "ضياء"، تزوج قبل عام من الواقعة وأنجب طفلة تدعى "سيلين" عمرها 4 أشهر، ومنذ ولادتها كان يحلم أن يربيها ويغرس بها كل المبادئ التي غرسنها به، وأن تكون فتاة ذات شأن عالي: "أخذت روحه الحلوة".
واستكملت الأم كلامها، أن حفيدتها "سيلين" تشبهه والدها تمامًا في الملامح والطباع، وعندما تشاهد صورة والدها، تقول: "بابا بطل وهو في السماء"، وتتمنى تلك الطفلة البريئة أن تكون مثل والدها "ضابط".
كيف استقبلتي نبأ استشهاد نجلك؟
في وسط بدل نجلها، كانت الدموع تنهمر من عينيها: "كنت أشعر أنه سوف يموت شهيدًا وبطلًا"، وذلك بسبب عمله الصعب في المفرقعات؛ لأنها حساسة للغاية، لكون تفنن الجماعات الإرهابية في وضع العبوات الناسفة في أماكن لا يعلم بها أحد.
في البداية، اتصل بي نجل أختي وأبلغني أن ضياء أصيب في إحدى العمليات، ووقتها جاوبته سريعا: "ضياء استشهد متصابش وأنت مخبي عليا''، وأسرعت لمكان الواقعة حتى أشاهد نجلى وأشلائه في كل مكان، وقالت بصوت حزين: "لله ما أعطى ولله ما أخذ.. استودعت ضياء ابني عندك يا رب من الشهداء"
لو عاد بك الزمن.. هل توافقين على دخول ابنك كلية الشرطة؟
بصوت خافت، لو عندي ولاد تاني كنت دخلتهم بنفسي لكلية الشرطة ولكن لا أملك سوى بنتين، وهذا أقل ما يمكن تقديمه، وشرف لي ولكل أمهات الشهداء أن ينال أبنائنا تلك المنزلة الرفيعة التي تحدث عنها رب العباد.
ما الرسالة التي توجهيها لكل خائن وإرهابي يحاول قتل أبناء الوطن؟
"أنتم ملاعين، لو تعرفوا ماذا تقدموا لأبنائنا حتى ينولوا تلك المنزلة الرفيعة عند الله ويكونوا شهداء، لكنتم دفنتم أنفسكم أحياء، فالشهداء في الجنة وأنتم إرهابيين مصيركم معروف".
ما هي رسالتك لكل أم يستشهد نجلها؟
وجهت السيدة "نجاة الجافي"، والدة الشهيد، رسالتها قائلة: "أبنائكم الشهداء هم تاج على رؤوسكم، وسيأخذون بأيدينا إلى جنة النعيم، وهم لم يموتوا ولن يموتوا لأنهم يعيشون معنا في كل وقت وأي مكان".
عندما تزوي ابنك الشهيد ما هي كلماتك له؟
بعيون حزينة، قالت الأم: "وحشتني يا حبيبي، مين هيكون سندي من بعدك، أنت في منزله رفيعة، وأنا فخوره بيك، أذكرني عند ربك، ودايمًا بستناك في أحلامي".