لازم "أبي هريرة" وتتلمذ على يده الإمام "مالك".. قصة مسجد ومقام "ابن هرمز" بالإسكندرية
يبدو للوهلة الأولى مسجدًا نمطيًا تختفي من ملامحه الظاهرة النقوش والزخارف الإسلامية الخاطفة لأنظار المصلين، داخل شارع رأس التين في حي الجمرك بمحافظة الإسكندرية، إلا أن قيمة المسجد وحكايته التراثية صنعها صاحب المقام اللاحق بالمسجد، وهو للتابعي المحدث "عبد الرحمن بن هرمز" أحد رواة الأحاديث من الصحابي أبي هريرة عن الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم".
مسجد وضريح"ابن هرمز" يقع داخل أقدم أحياء محافظة الإسكندرية التي يقبع بداخلها العقارات التراثية والقديمة، الكثير من أبناء الحي القديم يعرفون قصة صاحب المقام، الذي حرصت وزارة الأوقاف على وضع تعريف تفصيلي له في مدخل الضريح، وربما لا تصل قصته إلى عموم أهالي المحافظة.
ابن هرمز
"ابن هرمز" وُلد بالمدينة المنورة، وينتمي إلى الطبقة الثانية من التابعين، وتتلمذ على يد عدد كبير من الصحابة الذين أدركهم، فسمع الحديث ورواه عن أبي هريرة، أبي سعيد الخضري، عبد الله بن مالك، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم، لكنه كان أكثر ملازمة للصحابي أبي هريرة.
وقد عكف "ابن هرمز" داخل المدينة على دراسة القرآن وقرآءته وكتابة المصحف الشريف، ويُنسب إليه أنه أول من وضع علوم اللغة العربية والنحو، وكان الأستاذ الأول لأمام مالك وابن أبي سلمة، وقد أمضى عمره كله في المدينة المنورة لم يغادرها حتى قبل رحيله إلى الإسكندرية.
رباطه بالإسكندرية
دخل ابن هرمز محافظة الإسكندرية في عام 110 هجريًا، كمرابط ضمن المجاهدين، وقد اشتهر بقوله"خير سواحلكم رباطًا الإسكندرية"، وقد أمضى نحو 5-7 سنوات في المدينة الساحلية حتى توفى في 117 هجريًا، 735 ميلاديًا، وقد مات وهو يزيد عن مئة عام، وقد عُرف أنه قام بتعليم أهل المدينة في سنواته القليلة التدريس ورواية الحديث.
حكايته التراثية
عقب وفاة المحدث"ابن هرمز" في عام 735 ميلاديًا ظل ضريحه مجهول للعوام، حتى ظهر في القرن التاسع عشر في عهد الخديوي إسماعيل، وفي ذات التوقيت تداول أهالي الحي قصة شعبية ظلت معروفة إلى اليوم، عن قصة ظهور ضريحه.
بأنه قد ظهر الصحابي التابع"بن هرمز" لأحد الشيوخ الصالحين"محمد البنا" يلومه على مروره يوميًا أمام مقبرته دون إلقاء السلام له، وعندما سأله الشيخ الصالح"من أنت؟"، قال له: أنا عبد الرحمن بن هرمز.
وقد بنى أحد أثرياء المدينة الحج درويش أبو سن المسجد فوق المقام عام 1848ميلاديًا، وقد دفن الشيخ"أبو سن" بجوار التابع"ابن هرمز"، وقد قام نجل شقيق الحج درويش ببناء منزل وقف مجاور للمسجد، وقد أصبح المنزل يصرف على المسجد.
أندلسية التصميمات
"مسجد بن هرمز من أهم مساجد الإسكندرية، لأهمية الشخصية المدفونة فيه" هكذا قال الدكتور إسلام عاصم مدير جمعية التراث والفنون التقليدية في حديثه ل"الفجر" عن أهمية المسجد وقيمته، مضيفًا أن الذي يؤكد أن تلك هي مقبرة"ابن هرمز" الحقيقية، أن الآثريين قد وجدوا شواهد دفن أسفل المقبرة، وهذا يشير إلى أنه هذا مدفن حقيقي.
ويتحدث أن المسجد يحتوي على عدد من عناصره الأساسية مثلما بناها الحج درويش أبو سن، فيحتوي على تصميمات مغربية وأندلسية بسبب أن الحج درويش كان قادمًا من ناحية المغرب، كما أن المنطقة التي يقبع بها المسجد كان يعيش ويعمل بداخلها التجار الجزائريين والمغاربة.
كما يحتوي المسجد على"دكة المبلغ" التي يقف من خلالها شخص يقوم بإعادة ما يقوله الأمام بسبب أنه قديمًا لم يكن هناك ميكروفونات، ويزدان المسجد بأعمدته الرخامية القديمة، كما يحتفظ بتيجان أعمدة المنبر.
المسجد سياحيًا
محافظة الإسكندرية عبر موقعها الرسمي وضعت المسجد من أهم المقاصد الشعبية والتراثية التي يمكن للسائح الأجنبي والزوار وأهل المحافظة زيارته والتعرف على قصته، وإن كان لا يحظى بنفس أهمية وشهرة مسجد المرسي أبو العباس، الذي يقع بذات المنطقة الشعبية القديمة.
وقد وُضع المسجد في أواخر العام الماضي، ضمن قائمة الزيارة لبرنامج أيام التراث السكندري الذي نظمه المركز الفرنسي للدراسات السكندرية، وقد زاره فوج سياحي فرنسي، وتعرفوا على قصته التراثية.
الوصف
وقد وُصف المسجد أنه من من المساجد المعلقة إذ يتم الصعود إليه ببضعة درجات، ويتكون المسجد من مساحة مستطيلة مغطاة السقف يقسمها ثلاثة صفوف من الأعمدة إلى أربعة أروقة، ويتكون كل صف من عمودين يعلوهما عقود مدببة، ويتوسط الجامع منور صغير مربع، وفوق الرواق الرابع صندرة متسعة للسيدات، وذلك وفق التعريف المنشور في موقع المحافظة.
ويعلو المحراب لوحة حجرية نقش عليها النص التالي " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون"، بنى هذا صاحب الخيرات الحاج درويش أبي سن سنة 1256 هـ "، وإلى يسار المحراب في الركن الجنوبي حجرة بها ضريح الشيخ عبد الرحمن بن هرمز تعلوه مقصورة خشبية، وإلى جانبه ضريح رخامي بسيط مدفون به باني المسجد ( درويش أبوسن).
ويقع المدخل الرئيسي للجامع في الضلع الشمالي الغربي للجامع وتعلوه المأذنة، وهي تتكون من ثلاث دورات الأولى والثانية أسطوانية تنتهي بشرفة يقف بها المؤذن،والدورة الثالثة عبارة عن عمود اسطواني مرتفع،وقد انتشر هذا الطراز من المآذن في معظم مساجد الشمال.