عادل حمودة يكتب: خفايا الصراع الساخن فى شرق المتوسط على الغنائم الليبية والسيطرة الإقليمية!
1- المنتصر يبكى أكثر من المنكسر أحيانا.. حروب المنطقة مسلسل دموى مدمر بلا نهاية
الحرب تحرش بالقضاء والقدر يصعب تقدير أوجاعها ولو انتهت بالفوز.
فى الحرب ليس لدينا مسطرة نقيس بها الموت والحزن ــ ولو كانت النتيجة مرضية ــ فكلاهما يستعصى على القياس.
الفرق بين المنتصر والمهزوم يكون فى كمية الجراح التى فتحت.. والدماء التى سكبت.. والدموع التى ذرفت.
بل.. ربما كان قتلى المنتصر أكثر من قتلى المهزوم.. فى الحرب العالمية الأولى دفنت قوى الحلفاء تحت رايات المجد ستة ملايين جندى بينما لم تفقد قوى المحور سوى أربعة ملايين رغم خروجها من المعارك مغطاة بالعار.
وفى الحرب العالمية الثانية قتل من الحلفاء 16 مليون جندى.. ضعف ما قتل من جنود المحور.. وقتل من المدنيين 49 مليونا.. منهم 4 ملايين فقط فى دول المحور.. والباقى فى دول الحلفاء.
وفى الشرق الأوسط سهل أن يلعلع الرصاص.. لكن.. صعب أن يسكت.. تسع سنوات من الحرب دمرت سوريا وقتلت وشردت شعبها واستباحت أرضها دون أن نرى ولو من بعيد إشارة خافتة بقرب النهاية.. مثلا.
والكاسب الوحيد فى حروب المنطقة.. الدول الكبرى.. تكسب مالا وفيرا من بيع السلاح.. وتكسب نفوذًا قويًا من تدخلها فى الصراع.. روسيا فى سوريا مثلا.
ولو كانت الجريمة لجوء بشر إلى العنف بعد أن عجزوا عن حل خلافاتهم بالمعروف فإن الحرب لجوء دول إلى القتال بعد أن عجزت عن حل مشاكلها بالتفاهم.
لذلك يسارع العالم وقت الأزمات الساخنة للحديث عن الوسائل السلمية ليتجنب مئات من سرادقات العزاء الجماعية وملايين إضافية من خيام اللاجئين.
لكن.. الوسائل السلمية فى كثير من الأحيان تكرس أمرا واقعا مرًا يتجرعه العالم قطرة قطرة حتى يعتاد عليه فيصبح الباطل شرعا.. والاغتصاب حقا.
هنا.. تكون الحرب ضرورة.. قرارا إجباريا.. تتخذه الدول مضطرة إذا ما تهدد أمنها القومى وخشيت على كيانها من التصدع وعلى مستقبلها من الفشل.
2- الردع يغنى عن الحرب أحيانا.. وفرة القوة لا يعنى التسرع فى استعمالها
أتصور أن هذه رؤية مصر للواقع التركى غير القابل للتكذيب فى ليبيا.
فى تقديرى أن مصر لن تسد طريقا أمام مساعى سلمية جادة.. بشرط ألا تصبح نوعا من المخدر الموضعى يثبت وضعا يزيد من التهديدات ولا ينقصها.. ويتحول من سلم إلى استسلام.
إذا أجبرت مصر على الحرب فسوف تخوضها.. سيكتب عليها القتال وهو كره لها.. ولكنها.. لن تضطر إليه إلا بعد أن تستنزف أوراقًا كثيرة لاتزال فى يدها.. ربما تحسم الصراع لصالحها بلا حرب مباشرة.
والحقيقة أن مصر كانت تتحسب المخاوف مبكرا.. بدأت قيادتها السياسية والعسكرية منذ ستة أعوام فى تحديث شامل لجميع الأفرع الميدانية للقوات المسلحة.
حسب المركز المصرى للدراسات الاستراتيجية فإنها دعمت شبكة القاعدة المحلية للصناعات الدفاعية بدخولها فى شراكة مع قوى دولية لنقل تكنولوجيا التصنيع الحربى إليها بجانب إبرام صفقات تسليحية مباشرة ومتنوعة المصادر.
قبل عام 2013 كانت البحرية المصرية تقتصر على تأمين السواحل ولكن ما نلها من تطور منحها قدرات هائلة فى أعالى البحار.
بضم حاملات المروحيات وسفن الهجوم البرمائى (ميسترال) إليها أصبحت البحرية المصرية قادرة على نقل وقيادة مسرح العمليات فى عمق البحرين المتوسط والأحمر (من بورسعيد شمالا إلى باب المندب وسواحل الصومال جنوبا).
وبامتلاك غواصات التايب الألمانية أضيفت قدرات هجومية تحت المياه بجانب الرصد والاستطلاع والاستخبار الإلكترونى.
وفوق السطح زودت البحرية بالفرقاطة فريم الفرنسية المؤهلة للقيادة والسيطرة ومكافحة الغواصات ومهاجمة الأهداف البحرية والساحلية بقدرات صاروخية متنوعة.
وانضمت للبحرية ست فرقاطات ألمانية (كيكو ــ ايه ــ 200) القادرة على خوض حرب شاملة.
وانضمت للقوات الجوية أسراب من مقاتلات الرافال (الفرنسية) متعددة المهام (السيطرة والمناورة وإخماد الدفاعات الأرضية) ومقاتلات السوخوى 35 (الروسية) القادرة على فرض السيادة الجوية بجانب الميج 29 المعدلة والمخصصة للدفاع والاعتراض الجوى.
إن الحرب الحديثة حرب (جو ــ بحر) تدعمها قوة نيران صاروخية هائلة وبذلك الفهم جرى تطوير القوات المسلحة.
ولكن.. وفرة القوة لا يعنى التسرع فى استعمالها.. على أن القوة أفضل علاج للقوة.. قوة الدولة أفضل وسيلة لإيقاف الخصوم عند حدهم.. وتعرف هذه السياسة بالردع.. والردع يمكن أن يجنب الحرب.
ولا شك أن الحسابات التركية ستضع نصب عينيها القوة المصرية.. ولن تغامر بأكثر مما تحتمل.. والمؤكد أن منظومة الردع المصرية زادت بالشراكة الاستراتيجية مع جيران المتوسط (قبرص واليونان وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال) بمناورات حية معها.
لقد ثبت أن رؤية القيادة السياسية صائبة رغم التشكيك فيها من قبل.. فلو لم نحصل على هذه الأسلحة هل كنا سنملك الجرأة لرفض تصرفات تركيا ــ أو غيرها ــ علنا وبقوة؟.
ولعل ذلك يجعلنا نطمئن لتقديراتها وتصرفاتها وقراراتها فى الأزمة الليبية ونساندها فيها.
3- أردوغان يخدع البرلمان لتمرير سياساته.. أفشل مهمة الدبلوماسية الأوروبية فى ليبيا
تسببت مذكرتا التفاهم التركية الليبية (لترسيم الحدود البحرية والتفهمات الدفاعية) فى الأزمة المتوترة شرق البحر المتوسط.. استعدت الدول الواقعة على سواحله (مصر واليونان وقبرص وإيطاليا وإسرائيل) إلى كافة الاحتمالات.. سلما أو حربا.
ولكن بعد موافقة البرلمان التركى على المذكرتين (269 مقابل 125) شعرت تركيا أنهما لا تكفيان للسيطرة على ليبيا
إن مذكرة الدفاع والأمن تكتفى بدعم إنشاء قوة الاستجابة السريعة تتبع حكومة فائز السراج وتكتفى تركيا بتقديم خبرات التدريب والتخطيط والصيانة والمعلومات الفنية وتوفير الأسلحة والمعدات التى تظل ملكا لتركيا.
وعند الطلب ينشأ مكتب مشترك للتعاون فى مجالات الأمن والدفاع بعدد كاف من الخبراء لن يزيدوا عن مائتين.
وتقدم تركيا خدمات استشارية فى التخطيط العسكرى ونقل الخبرات فى نشاطات القوات البرية والبحرية والجوية المتواجدة داخل حدود الطرفين وبدعوة من الطرف المستقبل.
باختصار لم تنص المذكرة على وجود قوات نظامية تركية فى ليبيا.
ولكن.. فجأة.. قرر الرئيس التركى أردوغان عرض مذكرة على برلمان بلاده يطلب فيها السماح بإرسال قوات نظامية إلى ليبيا.. وحدد يوم الثامن من يناير لذلك.
على أنه عاد وطلب من البرلمان قطع إجازته لمناقشة المذكرة والتصويت عليها فى اليوم الثانى من يناير.
أراد أردوغان بتسرعه استباق زيارة وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا إلى طرابلس لتفويت ضغطوهم على السراج.
وحسب اتفاق سابق سيزور بوتين أنقرة يوم 8 يناير نفسه.
وخشيت حكومة السراج من استصدار قرارات عربية تجيز إرسال قوات مصرية إلى ليبيا حماية للأمن القومى المصرى والتصويت فى الجامعة العربية على طلب إلى مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوى فوق ليبيا.
وهناك سبب آخر يتوافق مع طبيعة الخديعة التى اشتهر بها أردوغان.
إن نواب المعارضة من حزب الشعب سافروا لقضاء إجازاتهم خارج أنقرة وسيكون من الصعب على أعداد كبيرة منهم قطعها والعودة إلى العاصمة لرفض مذكرة أردوغان أما نواب حزب العدالة والتنمية فهم جاهزون تحت الطلب ويقاطعون احتفالات الكريسماس ورأس السنة بل بعضهم يحرمها.
المعروف أن البرلمان التركى يتكون من 550 نائبا منهم 317 مؤيدا و231 معارضا وجاء التصويت مسجلا: 325 موافقا و184 رافضا وغاب 41 عضوا فى سابقة لم تحدث من قبل كانوا سيصوتون ضد القرار.
4- القوات التركية من المشورة إلى المشاركة.. 27 هدفًا استراتيجيًا ضد الجيش الوطنى الليبى
هناك بالقطع أسباب استراتيجية أهم غيرت موقف أردوغان من المشورة إلى المشاركة.
حسب تقرير المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية فإن الجيش الوطنى الليبى يضاعف من عملياته ليصل إلى حسم عسكرى سريع قبل إرسال قوات تركية إلى ليبيا.
كان الوقت فى صالح الجنرال خليفة حفتر.. موعد التصويت على إرسال القوات التركية يوم 8 يناير.. وتجهيزها وإرسالها يحتاج إلى عشرة أيام على الأقل.. ولكن.. أردوغان بتقديم الموعد حرمه من ستة أيام كان يستطيع أن يحقق فيها الكثير.
أصبح على الجيش الوطنى الليبى مضاعفة سرعته بعد أن سيطر على منشآت حيوية فى طرابلس بجانب طريق المطار وصولا إلى خزانات النفط عارضا على فصائل مصراتة الانسحاب بعد أن وجدت نفسها محاصرة.
ولا تخفى مصادر معلنة فى أنقرة أن القوات التركية ستركز على 27 هدفا حيويا للجيش الوطنى الليبى فى مناطق الشرق والجنوب وتشمل: مراكز التحكم والسيطرة وغرف العمليات والمطارات والقواعد الجوية والطائرات بدون طيار ( بيرقدار).
وستشن تركيا هذه الغارات بطائرات إف ــ 16 التى ستزود بالوقود من الجو أكثر من مرة فى رحلتها الأولى من أنقرة إلى طرابلس لبعد المسافة بينهما (2186 كيلومترا).
وفى مرحلة لاحقة تنتشر قوات تركية فى مناطق استراتيجية وعند بوابات المدن خاصة العاصمة.
وتحتاج هذه المهام إلى ما بين 6 ــ 8 طائرات إنذار مبكر (أواكس) و50 قطعة بحرية (فرقاطات وزوارق وغواصات) وقوة برية فى حجم لواء (أربعة آلاف جندى) مع المدرعات وعناصر الإطفاء والإسعاف والإعاشة والطاقة.
وستقدم تركيا أيضا الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المحمولة على الكتف.
ولمساحة ليبيا الشاسعة (1.8 مليون كيلومتر مربع) ستجبر تركيا على الدفع بمزيد من القوات ولكن لبعد المسافة بينها وبين ليبيا ستكون هناك عقبات بحرية وجوية فى نقل القوات والمعدات وهو ما دفع أردوغان إلى القيام بزيارة مفاجئة إلى تونس يوم 25 ديسمبر الماضى برفقة وزير الدفاع خلوصى أكار ومدير المخابرات هاكان فيدان وعدد كبير من الجنرالات ــ طالبا استخدام مجالها الجوى ومياهها الإقليمية مستندا إلى وجود قوة إسلامية هناك يمكن أن تضغط لتلبية مطالبه ولكنه لم يجد استجابة من أحد فلم تزد الزيارة عن ساعتين.
والمؤكد أن فتحى باشا أغا وزير داخلية السراج كذب علنا عندما صرح بأن تركيا وتونس والجزائر فى حلف واحد وخرجت رشيدة النيفر المتحدثة باسم الرئاسة التونسية لنفى ما قيل مؤكدة أنه لا يعبر عن حقيقة الموقف المحايد لبلادها.
ولا يختلف موقف الجزائر عن موقف تونس.. تحافظان حتى الآن على مسافة متساوية من جميع الأطراف.. وإن كانتا لا تقبلان بوجود حفتر.
ولوجود عشرة ملايين قطعة سلاح خرجت من المخازن بعد سقوط القذافى فإن تجنيد عشرة آلاف مقاتل فى حرب العصابات كفيل بدفن القوات التركية فى الصحراء التى لا يعرف دروبها إلا أهلها.
5- التتار للإيجار والمقاتل بألفى دولار.. طائرات متعددة الجنسيات لنقل المعدات والميليشيات
حسب معلومات المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية فإن الدعم العسكرى لحكومة السراج بدأ منذ إبريل الماضى وتزايد يوما بعد يوم.
استغلت السفن التجارية المنطلقة من موانئ جنوب وغرب تركيا إلى موانئ مصراتة والخومس وطرابلس فى نقل العتاد العسكرى ولكن ذلك المسار بدأ يعانى من مخاطر متزايدة بعد أن بدأت البحرية اليونانية فى تفتيش السفن المشتبه فيها وتمر عبر منطقتها الاقتصادية فى اتجاه السواحل الليبية.
لجأت تركيا إلى المسار الجوى لنقل العتاد الحربى مستخدمة طائرات شحن مدنية تمتلكها شركات فى أوكرانيا ومولدوفيا.
وعلى متن طائرات مدنية بدأت أنقرة جسرا جويا لنقل عناصر مسلحة تركمانية.
والتركمان أحد الشعوب التركية ويعيشون فى تركمانستان التى تشارك إيران وكازاخستان وأوزبكستان وبحر قزوين فى حدودها وكانت من قبل إحدى الجمهوريات الإسلامية التابعة للاتحاد السوفيتى واستقلت عنه بعد سقوطه.
ويمكن القول بأن التركمان ينتمون للقبائل المغولية التى أطلقنا عليها التتار.
والجزء الأكبر من الميليشيات التركمانية ينتمى إلى فرقة تسمى السلطان مراد وهناك فصيل آخر يسمى سليمان شاه وكانا أبرز التنظيمات المسلحة التى استعانت بها تركيا للقتال فى سوريا.
وهناك ميليشيات أخرى جندت عبر مكاتب خاصة فى مدينة عفرين السورية ينتمون إلى فرقة الحمزة والجبهة الشامية ولواء المعتصم.
يتقاضى كل مقاتل من المخابرات التركية ما بين 1800 ــ 2000 دولار شهريا بجانب مميزات الإقامة والإعاشة التى ستتولاها حكومة السراج.
وسيبدو هؤلاء المرتزقة فى صورة عمال أو موظفين فى شركات أمنية وبترولية.
وحسب تقدير المركز المصرى فإن عدد أفراد الميليشيات التركمانية وصل فى أيام قليلة إلى 300 مقاتل هبطوا طرابلس ومصراتة على متن 12 رحلة جوية من إسطنبول تابعة للخطوط الليبية وشركة الأجنحة الليبية والخطوط الأفريقية وخطوط بترو أير وشركة أيرو ترانس المولدوفية التى انطلقت رحلاتها من بلجيكا.
6- مكاسب تركيا فى ليبيا بدأت تحت حكم القذافى.. إيطاليا تعارض أردوغان وأمريكا مشغولة بإيران
فى يوم 17 ديسمبر 2015 خرجت حكومة الوفاق الوطنى الليبية إلى الوجود من مدينة الصخيرات المغربية تحت إشراف بعثة من الأمم المتحدة برئاسة الدبلوماسى الألمانى مارتن كوبلر باتفاق فصائل ليبية متعددة ومتنوعة.
اعترف العالم بتلك الحكومة بشرط أن تطبق نصوص اتفاق الصخيرات وأهمها البقاء فى السلطة 18 شهرا لإعادة الاستقرار للبلاد فإن لم تستطع منحت 6 شهور إضافية فإن لم تستطع فقدت شرعيتها.. ويمنح اتفاق الصخيرات الحكومة فى إبرام المعاهدات بشرط أن لا تصبح سارية إلا بعد موافقة البرلمان عليها.. ولكنها.. وقعت مذكرتى التفاهم مع تركيا دون الاكتراث بالبرلمان.. المؤسسة الوحيدة المنتخبة فى البلاد.
وأمام استدعاء قوات أجنبية إلى ليبيا ألغى البرلمان مذكرتى التفاهم وأحال السراج إلى المحاكمة بتهمة الخيانة.
ولكن ذلك لن يلغى جنون تركيا بما فى ليبيا من ثمار مغرية تسعى لقطافها: حماية استثماراتها التى تزيد على 30 مليار دولار هناك.. فتح سوق جديدة للسلاح لزيادة حصيلة تصديره التى تجاوزت 6 مليارات.. استيراد الطاقة التى حرمت منها وتزيد فواتيرها على 50 مليار دولار سنويا.. تنفيذ عقود لتنمية الغاز والنفط وقعت قبل سقوط القذافى.. أو على أقل الحصول على تعويضات عدم تنفيذها.. وزيادة الصادرات من مليارين إلى عشرة مليارات دولار.. والحصول على نصيب شهى من كعكعة إعادة إعمار ليبيا المتوقع أن يزيد حجمها على 200 مليار دولار.
والأخطر أن وجودها على الساحل الليبى سيؤثر على دول الجوار ويزعج مصر التى نجت من حكم الإخوان الذى ينتمى إليه أردوغان ويدير تنظيمه الدولى فى غياب القيادات المصرية للجماعة وراء أسوار السجون.
على أن أردوغان فى الحقيقة استغل حالة السيولة العربية بعد الثورات الأخيرة ليتمدد فى دائرتها منافسا للنفوذ الإيرانى.
ودفعه للخروج من حدوده تعدد الأزمات الداخلية وانخفاض شعبيته ورغبته فى إحياء مشروع الإسلام السياسى الذى فقد بريقه بعد ثورة يونيو وبدأ يرتكز على نقاط استراتيجية فى العراق والصومال والسودان بتأجير قواعد عسكرية هناك ويتفاوض على قاعدة رابعة فى إثيوبيا.
ولو كانت تركيا استردت حلم الخلافة العثمانية وسعت لتحقيقه فإن إيطاليا استردت حلم الهيمنة الاستعمارية فى ليبيا التى كانت أهم مستعمراتها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
تستحوذ شركتا إينى وبوتشلى على أغلب حقول النفط فى برقة وفزان وتؤمن لبلادهما ما يزيد على ربع النفط والغاز ولهذا السبب راهنت إيطاليا على حكومة السراج ولكنها فى النهاية نجحت فرنسا فى ضمها إلى الكتلة المعارضة لتركيا.
ورغم موقف ترامب الكاره لتصرفات أردوغان والمعجب بحفتر فإن الرئيس الأمريكى محاصر بظروف صعبة تهدد استمراره فى الحكم وتفرض عليه مضاعفة جهوده فى سنة الانتخابات الرئاسية والتجديد النصفى فى الكونجرس وبالأزمة الأمريكية الإيرانية التى اشتعلت عقب قتل الجنرال قاسم سليمانى (قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى والرجل الأكثر دموية) تباعد ترامب أكثر عن الأزمة الليبية.
ولا شك أن بوتين الأكثر حرية فى التعامل مع الأزمة دون ضغوط داخلية أو خارجية ولن يحكمه فى موقفه سوى فرص استقرار النفوذ الروسى على مزيد من الأراضى العربية بعد أن أصبحت موسكو لاعبا رئيسيا فى المنطقة وحتى الآن يساند بوتين حفتر ولا يقبل بموقف أردوغان.
أما إسرائيل فقد ابتعدت عن الحرب وخرجت تتحدث عن خط الغاز الممتد من قبرص واليونان إلى أوروبا وكانت أول الفائزين فى الأزمة التى تختلط فيها التجارة بالسياسة بما لم يحدث من قبل.