شخصية روائية يكتبها عادل حمودة: الحكاية الثالثة.. كيف أنقذت الدكتورة نهلة فراشها من البرودة؟
حسب تعليماته الصارمة الحمشة التى لا تقبل تجاهلا أو تحايلا أو تكاسلا أو تخفيفا.. كان عليها أن تستحم بعطور وأعشاب طبيعية حددها لها فى قائمة طويلة أجبرت على حفظها.. وأن ترتدى ثياب نوم سوداء من الحرير الطبيعى تكشف دون خجل النصف السفلى من جسمها.. وأن تفتح النافذة والشرفة بعد أن تطمئن على أن العتمة سيطرت على غرفتها تماما.. الضوء مهما كان خافتا يزعجه.. يوتره.. يفقده شهوته.. ويمنعه من التسلل إلى فراشها.
والمؤكد أن الدكتورة نهلة حسن سعد الدين البرقوقى لم تجرؤ على الاعتراض ونفذت بدقة كل ما طلبه منها سواء حضر أو غاب.. سواء قبلها أو نهرها.. فقد كان سيدها وتاج رأسها.. ولا تجرؤ أن ترفض له أمرا.
والحقيقة أنها كانت تنتظره بفارغ صبر.. وتستعد لاستقباله وقلبها يكاد يقفز من صدرها فرحا.. وما إن تراه يدخل من النافذة أو يعبر الشرفة حتى يهتز جسدها طربا.. ويستعد ليلقى جسده.. بل إن شعورها بالنشوة كان يسرى فى أوصالها بمجرد أن تراه.. وأحيانا بمجرد التفكير فيه.. وإن كانت فى الحقيقة لا تكف عن التفكير فيه.. فهو يسيطر على عقلها منذ أن تستيقظ من النوم حتى يأتى إليها.
ولكن شغل بالها لبعض الوقت أنها لا تستطيع التعرف على ملامحه.. ولكنها منحته عذرا بأنه شخصية مهمة لا تريد أن تفصح عن نفسها.. وشغل بالها لبعض الوقت أيضا كيف يصل إلى غرفة نومها فى الدور العلوى من الفيللا التى تسكنها فى القطامية ولكنها أقنعت نفسها بأن الرجال إذا ما حركتهم الرغبة يمكن أن يكونوا فى رشاقة لاعبى الجمبار.. وشغل بالها كذلك أنه يتكلم أحيانا لغة غير مفهومة ولكنها أقنعت نفسها بأنه لابد قد درس اللغات المنقرضة وربما تحدث بواحدة منها.
على أنها لم تعد تهتم بحل تلك الألغاز مؤكدة لنفسها أنها تستمتع بفحولته، كما أنها تحظى بكتمان يمنع فضيحتها والأهم أنه أجل تفكيرها فى الزواج وجعلها قادرة على رفض كل من يتقدم إليها.
لن تصدقوا أن الدكتور نهلة أستاذة جامعية.. متخصصة فى علم الاجتماع.. تخرجت بتفوق فى جامعة عين شمس متصدرة دفعتها.. واللافت للنظر أنها لم تكن تذاكر دروسها كثيرا.. ولكنها كانت تواظب على حضور المحاضرات ومراقبة أساتذتها بتركيز حتى تكشف ما فى عقولهم من أفكار.. وكثيرا ما تنبأت بأسئلة الامتحانات وأصابت.. كما أن ثقافتها العريضة ضاعفت من قدرتها على عرض إجاباتها بأسلوب سلسل جذاب يقنع المصحح بأنها تستحق أفضل الدرجات.
ولكن حكاية قراءة الأفكار تلك لم تقنع زملاءها وأشاعوا أنها تتلقى أسئلة الامتحانات من أساتذتها كما تتلقى منهم الإعجاب بها وربما قدمت إليهم ما يشتهون.
والحقيقة أن ذلك كان نوعا من شائعات الفاشلين.. قصر ذيل.. فهى لم تستخدم أنوثتها لسبب بسيط أنها لم تكتشفها لتستخدمها.. لم تتعرف عليها لتقدمها لغيرها.. بل إنها فى أعماقها كانت متزمتة.. تبعد نفسها عمَّا يمت للجنس بصلة.. حتى إنها قاطعت الروايات العاطفية وأفلام السينما وزميلاتها اللاتى تورطن فى علاقات خاصة.. وذات يوم اعترفت لى أنها كانت تستحم إذا ما صافحت واحدة منهن.
وربما لذلك السبب بدا جمالها هادئا ناعما رومانسيا يثير العواطف أكثر مما يثير الشهوات وإن كان جسمها الطويل المثير يشى بأنها ستكون شخصية أخرى إذا ما جمع الشيطان بينها وبين رجل من عشرات الرجال الذين يسقطون فى هواها دون أن تبالى إلا بمستقبلها.. أن تكون شخصية متميزة فى المجتمع.
ولم لا يتبعها الرجال ويحلمون بها ويسعون وراءها؟
إنها جميلة.. مريحة.. مثقفة.. تهوى الجولف والموسيقى وتنسيق الزهور.. والأهم أنها ثرية.. والدها كان وكيلا لشركات لسيارات وأجهزة منزلية وماكينات طباعة وأشجار نادرة مستوردة من اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند والصين.
وما إن حصلت على الليسانس حتى أرسلها أبوها إلى بريطانيا لتحصل على الماجستير من جامعة كامبريدج ومنها إلى الولايات المتحدة للحصول على الدكتوراه من جامعة هارفارد حتى لا تكون أقل شأنا من شقيقتها الكبرى الدبلوماسية البارعة المتخصصة فى مراجعة اتفاقيات التعاون الدولى وشقيقتها الوسطى الصحفية والروائية الشهيرة التى تحولت فيما بعد إلى مذيعة تليفزيونية.
كانت رسالة الماجستير نقدا لنظرية فرويد عن التفسير الجنسى لسلوكيات الإنسان من الطفولة إلى الشيخوخة: الجنس ليس الدافع الوحيد الذى يجبر البشر على تصرفاتهم.. الطعام والمأوى والشعور بالأمان دوافع أكثر أهمية فى كثير من الأحيان.. ولو كان الجنس وحده المتحكم والمسيطر لنتحرنا إذا ما فقدنا الرغبة فيه.
وبصعوبة نجح المشرف على رسالتها فى تنقيتها من العبارات التى تثير الاشمئزاز والتقزز من الجنس التى سيطرت على صفحات كثيرة مما كتبت وعبثا حاول إقناعها بأن الجنس حاجة إنسانية طبيعية.. لا يصح تجنبه.. ولا يجوز الغرق فيه.
أما رسالة الدكتوراه فكانت عن سيطرة الخرافة على الطبقة الوسطى فى مصر.. ونجحت فى الحصول على أرقام تثبت أن الشخصيات الواعية المدركة أكثر قلقا على المستقبل وتنفق مليارات الجنيهات على العرافين والمشعوذين والدجالين للكشف عمَّا يخبئه الغد لهم.
وعادت نهلة إلى القاهرة حاملة لقب دكتورة وفى المطار كانت سيارة بورش ــ هدية من الأب ــ فى انتظارها وما إن احتضنها حتى قدم إليها عقد فيللا فى القطامية ولكنه اشترط عليها ألا تسكنها إلا إذا تزوجت أو مات وأجبرها أن تقسم على ذلك.
اعتبر الأب بناته الثلاث أهم مشروع بيزنس فى حياته فلم يبخل عليهن بشىء يطلبنه وحتى يشعرن بالاطمئنان بل ووزع عليهن ثروته فى عين حياته وإن فرض عليهن عدم التصرف فيها إلا بعد وفاته.
ولكنه منذ طفولتهن لم يترك لهن حرية التصرف.. كل خطوة بحساب.. وكل شخص يدخل حياتهن يجب التحرى عنه.. ويستحسن الابتعاد عنه.. وفى كل مكان يذهبن إليه يخضعن لرقابة دقيقة تقوم بها شركات أمن متخصصة.. وأكبر الكبائر أن تتعرف إحداهن على شاب.. أو تنفرد به.. أو تحبه.. الحب يبدأ بالزواج.. والزوج من حقه فتاة طاهرة نقية لم يمسسها أحد قبله.. والجنس خارج الشرعية خطيئة لا يغفرها الله ولو لم يكتشفها البشر.. خطيئة عاقبت عليها الأديان بالرجم حتى الموت.
وحتى يتجنب الأب وقوع بناته فى خطيئة الحب فرض عليهن ممارسة الرياضة منذ طفولتهن وحرم عليهن مشاهدة الأفلام العاطفية حيث تؤدى الكلمة إلى قبلة والقبلة إلى همسة والهمسة إلى لمسة واللمسة إلى فضيحة.
ولم يكن يتقبل من قنوات التليفزيون سوى ناشيونال جيوجرافيك التى تخصصت فى الأفلام التسجيلية وإن فوجئ يوما بمشهد تعرضه من عالم الحيوان لأسد يمتطى أنثاه وأسقط فى يده وشعر أن اللعنة التى يهرب منها تطارده.
ولا أحد يعرف سر تزمت الأب إلى هذا الحد الذى لا يطاق؟
البعض يعتقد السر فى جذوره وجيناته الصعيدية التى جاء بها من قرية تتبع مركز البدارى فى أسيوط حيث السلاح يحكم تصرفات الرجال مهما صغرت.
ولكن هناك من يؤكد أن مشوار كفاحه فى طريق الثروة بدأ بمعاشرته لعجوز فى عمر أمه أنفقت عليه وجمع من وراء علاقته بها خميرة ثروته.
على أن شبه المقبول أنه عاش حياته بالطول والعرض والعمق وقطع السمكة وذيلها وعرف من النساء ما يزيد على عدد شعر رأسه حتى ماتت زوجته قبل سن الأربعين فى ظروف صحية غير متوقعة حتى إن كثيرا ممن يعرفونهما شككوا فى انتحارها لتتخلص من حياتها مع ذلك الزوج الفلاتى التى لا يترك امرأة مهما تضاءل جمالها وقدرها فى حالها.
ويمكن أن نصدق التفسير الأخير فما إن رحلت الزوجة حتى شعر الأب بالذنب وأصبح شخصية تامة الاستقامة فلم يعد يسهر ووضع فى كل مكان يدخله سجادة صلاة وواظب على عمرة وحج كل عام وأسس جمعية خيرية ترعى الأيتام وساهم بأموال وفيرة فى بنكى الطعام والدواء بل إنه فى كثير من الأحيان كان لا يتحكم فى دموعه إذا ما تذكر أيام الوحل الذى انغمس فيه.
ولم يكن من الصعب أن يطرق الشباب أبوابه طلبا للقرب منه.. بناته يمتلكن كل المقومات.. الجمال والمال والسمعة الطيبة.. كاملات الأوصاف.. ألف من يتمنون ظفرهن.. وبالفعل لم يكن ليمر يوم إلا ويجد الأب شابا مرموقا يطلب نسبه.. ومن جديد راحت عجلة شركات التحريات تدور وتدور لتأتى بالمستخبى والمستور والمخفى عن كل المتقدمين ووضعت ملفات متخمة على مكتب الأب ليختار الأكثر حظا.
اختار للكبرى سفيرا يكبرها بخمس سنوات.. تعلمت على يديه أصول الدبلوماسية.. ويمكن القول إنها لم تكن لتقل عنه فهما.. ولأنهما لم يتزوجا عن حب فإنهما لم يجدا فى اختلاف الدولة التى يخدمان فيها مشكلة.. بل على العكس وجدا فيها فرصة لإبعاد الملل عن حياتهما الزوجية.. وكان كل منهما يقضى إجازته فى البلد الذى يخدم فيه الآخر.. وبالفعل جاء الحب بعد الزواج.. ولكنهما ساعدا على خلقه ونموه ورعايته.. تعاملا معه وكأنه كائن حى فلم يخذلهما أو يسقط تحت أقدامهما صريعا.. ولأنهما عاشا سنوات الزواج الأولى فى الخارج أخذا عادات الأجانب.. فصل ميزانية كل منهما عن ميزانية الآخر.. المشاركة فى تكاليف المعيشة بالتساوى.. تدريب أولادهما على الاستقلالية والاعتماد على الذات وحل المشاكل بأنفسهما كلما أمكن ذلك.. ولغيابهما عن البلاد فى تلك السنوات نجت علاقتهما من النميمة التى تخرب البيوت والشائعة التى تفرق المرء عن زوجه.
أما الوسطى فلم يكن حظها فى الرجال واحدا على عشرة من حظها فى الشهرة.. الرجل الذى اختاره لها الأب كان صاحب مصانع نسيج يشارك مصانع إسرائيلية فى تصدير الملابس الجاهزة طبقا لاتفاقية الكويز.. ولكن ما إن تزوجته حتى اكتشفت أن شركات التحرى عنه قبضت رشوة منه فلم تكتب تقريرا صحيحا.. وقبل أن يمر العام وقع الطلاق.. ولكنها خرجت من التجربة بطفلة نالت حضانتها دون مقاومة من أبيها.
وفى يوم طلاقها مات الأب.
ويبدو أن موته منحها حرية لم تتوقعها فى نفسها ففضت خطوبتها على مالك شركة عقارية رشح أكثر من مرة للوزارة.. ورغم تجاوزه الأربعين فإنه كان بكرا لم يتزوج.. شعرت بأن شخصية أخرى كانت تعيش معها خرجت من تحت الجلد لتقنعها بأنها أهدرت حياتها عندما استسلمت لضغوط الأب حتى لا يحرمها من الثروة.
أدركت أنها ليست هى وعليها أن تكون هى.
خاضت تجارب شخصية عرفت مسبقا أنها ستفشل.. لم لا نرتكب الأخطاء.. إنها حق إنسانى منحه الله لنا.. ووعدنا بغفرانها.
لنتركها فى حالها تتصرف فى نفسها كما تشاء ربما تظهر لنا فى قصة أخرى فقد ابتعدنا كثيرا عن نهلة.
نهلة هى الأخرى شعرت بحريتها ولكنها كانت تخاف ممارستها فلا تزال كلمات الأب الراحل عن رجم من يحب تسيطر عليها حتى إنها عانت فى كوابيسها كثيرا منها.
يأتون بها عارية تماما.. ويشدونها من شعرها.. دون منحها فرصة لستر عورتها.. ويلقون بها فى حفرة عميقة وسط صرخات جمهور عريض يحرض على عقابها دون هوادة.. أرجموا الزانية.. أرجموا الخاطئة.. وتتهاوى الحجارة عليها كالمطر حتى تستيقظ متحسسة وجهها وجسدها.
حسب ما سمعته منها فإن بين المحرضين على رجمها فى الكوابيس كان هناك شاب وسيم حاول إنقاذها ولكنه وجد نفسه فى النهاية معها فى نفس الحفرة مدفونا تحت أكوام الحجارة.
ولكنها فى الواقع تعرفه.. إنه شاب رياضى رأته كثيرا فى نادى هليوبوليس عندما كانت تسكن فى مصر الجديدة قبل أن تنتقل إلى القطامية وتغير حياتها وأصحابها وجيرانها.. هو نفسه الذى كان يبتسم لها متعمدا المرور أمامها وهى تجلس وحيدة تقرأ كتابا فى علم النفس وتشرب شاى الساعة الخامسة أمام ملعب الكروكيه.
وذات يوم وجدته أمامها فى الجامعة منتظرا خارج مدرج المحاضرات.. نظرت إليه محتارة: هل هو حقيقة أم أنها تحلم به قبل كابوس الرجم؟
سألها عن شىء ما فى إدارة الجامعة لم يكن فى حاجة إليها ليعرفه فلم تكشفه وذهبت معه إلى حيث يسعى وفى الطريق تعمدت أن تطيل الحديث معه وقد شعرت براحة لم تشعر بها مع شاب غيره.. بل يمكن أن تؤكد لنفسها أنها تحبه.. ومن جانبه سلمها خطابًا مغلقًا بالشمع الأحمر طلب منها ألا تفتحه إلا عندما تعود إلى بيتها.
لم يحمل الخطاب اعترافا بالحب فقط وإنما سبقه عرض للزواج وافقت عليه دون تردد واتصلت به تليفونيا ليلتقيا ويرتبا كل شىء.
دعته إلى العشاء فى بيتها وهى تشعر بحرية لم تعرفها من قبل بل إنها تجرأت وتبادلت معه القبلات.. كأنها أرادت اختبار صلاحيته.
جرى الزفاف فى جزيرة ميكانوس اليونانية حيث يجد الأثرياء الجدد فى مصر مكانا مريحا بعيدا عن صحافة النميمة التى ترفع من غضب الفقراء على الأغنياء كما تحرض أجهزة الكسب والضرائب بحثا عمَّا حصلوا عليه من صفقات فاسدة أو تلاعب فى أرباح شركاتهم.
وميكانوس جزيرة تغرى بالمتعة.. فيها شواطئ التوبليس.. وسهرات النشوى بالمخدرات.. ولكنهما اكتفيا بالشمبانيا والقبلات حتى دخلا جناحهما فى الفندق.. وراحا من شرفته يتأملان القمر وقد اكتمل.. وبدا وكأنه يغمز لهما.
التصق بها فلم تمانع.. احتضنها واضعا يديه حول خصرها فلم تعترض.. سعى لخلع ملابسها ولكنها ارتعشت.. وكأنها مصابة بحمى أو كأنها القيت فى حفرة من الجليد.. أحس باضطرابها فلم يواصل.. توقف.. إنه خبير بالنساء.. تعلم ألا يتعامل مع المرأة إلا إذا جاء النداء منها.. وواضح أنها لا تزال غارقة فى الصمت.. ولم يصدر عنها صوت ولو مبحوح.
اعتذرت عن خجلها فاكتفى بقبلات هادئة وهو يدخلها الفراش دون أن تغير ثيابها إلا بعد أن اختفى من أمامها.
تكرر المشهد أكثر من أسبوع دون أن تتطور القبلات إلى ما بعدها وعادا إلى القاهرة دون أن تفقد شيئا منها.
كلما كان يقترب منها كلما كانت تسمع صوت أبيها: الجنس خطيئة عقابها الرجم.. صحيح أنه كان يقصد الجنس الحرام خارج شرعية الزواج.. وصحيح أن عقلها يستوعب تلك التفرقة.. ولكن جسدها له رأى آخر.. جسد أمى رغم أن صاحبته تحمل أعلى الشهادات.. جسدها لم يفك الخط بعد.. اختلطت عليه شفرة المباح والممنوع.. طالما كان هناك رجل وامرأة فإن الشيطان يكون ثالثهما مهما كانت سلامة علاقتهما.
ولكنها فى الوقت نفسه تشعر بأنها مقصرة فى حق الرجل الذى أحبته.. لا ذنب له حتى يتعذب بالرغبة غير المكتملة.. ولابد أن لصبره حدودا بعدها سينفجر أو سيهجرها.. لا مفر من الاستجابة إليه مهما تألمت وتعذبت واحتقرت نفسها.
والأهم أنها هى أيضا تشعر برغبة مكبوتة تضغط عليها طوال اليوم لتخرج معبرة عن نفسها فى نشوة تدرك أن نشوة بعدها بل كثيرا ما تعاملت مع نفسها للوصول إليها.. ولكنها.. لا تعرف كيف ترضى رجلا وجدته فى فراشها يوصف بأنه زوجها.
إن التوقيع على وثيقة الزواج لا يستغرق أكثر من ثانية واحدة.. فهل تلك الثانية تكفى لتغير ما استقرت عليه سنوات طوال؟.. هل تحول الخوف من الجنس إلى فرح به؟.. هل تحوله من خطيئة إلى سعادة؟
أمسكت بكتاب عن الجنس راحت تقرأه سرا.. لقد قرأت كثيرا عن الجنس وتأثيراته النفسية والاجتماعية والجنائية.. ولكنها لم تقرأ عن الجنس الذى يحدث بين الرجل والمرأة.. ذهلت عندما عرفت كيف تجرى الدماء فى عروق الرجل حتى تنتفخ بالرغبة.. وكيف يحتويها الرجل بما يؤلم ويمتع معا.. وعندما تخيلت كيف يحدث ذلك فزعت وبدلا من أن يساعدها الكتاب ضاعف من شعورها بالخوف.
ونصحتها صديقتها المتدينة التى تثق فيها بمشاهدة أفلام البورنو كى تعرف ما يحدث بين الرجل والمرأة فى الفراش ولكنها مع اللقطات الأولى أصيبت بالغثيان وأخرجت ما فى بطنها وتضاعف شعورها بالفزع من الألم الذى توقعته.
وخشيت أن تستشير طبيبا نفسيا حتى لا يسخر منها ولو فى أعماق نفسه.. الدكتورة الجامعية الحاصلة على أعلى الشهادات لا تعرف كيف تعيش حياتها الخاصة.. ملعون العلم الذى لا ينفع أصحابه.
ولجأت نهلة إلى زميلة لها اشتهرت بتعدد علاقاتها.. فعلت ذلك مضطرة فقد كانت تتجنبها وتشكك دائما فى أخلاقها.. بل إن كثيرا ما هاجمتها واعتبرتها لا تصلح للتدريس.. لكنها مضطرة للذهاب إليها والاستجابة لنصائحها حتى تنقذ زواجها.
ورغم علامات الدهشة التى سيطرت على صديقتها الفاجرة طوال جلسة استمرت أكثر من ساعة فإنها لم تبخل بتقديم خبرتها على طبق من كريستال.. هيأى الجو بعشاء على ضوء الشموع.. اشربى قليلا من النبيذ لتسترخى أعصابك.. لو أجبرت على تدخين سيجارة حشيش لا تعترضى.. اجعلى الموسيقى الناعمة تسيطر على المكان.. جربى أن ترقصى أمامه رقصة تتخيلين نفسك فيها عاهرة تريد السيطرة على الرجل الذى تريده.. نعم الزوجة يجب إن تكون عاهرة فى فراش زوجها.. الفراش لا يقبل الدكتورة والفيلسوفة والوزيرة فالفرق بينه وبين المكتب كالفرق بين الخشب ولحم البشر.
وعملت بكل هذه النصائح معا.. استرخت بفعل النبيذ.. وتخدرت بفعل الحشيش.. وغابت فى قبلة طويلة تفتحت معها مسامها.. وقبلت أن يخلع عنها ملابسها الداخلية.. لكنها تمسك بملابسها الخارجية.. وما إن اقترب منها حتى فوجئ بها تسأله:
ـــ كم امرأة عرفت؟.
لكنه شعر أنها تتهرب من ما يفعل فأجاب مقتضبا:
ــ ثلاث.
ــ حب أم جنس؟
سألته فأجاب مسرعا:
ــ مجرد نزوات.
وبحلقت فى سقف الغرفة وهو يتعامل معها وكأنها ستغتصب أو كأنها فى غرفة جراحة أو صالة حمل أثقال.. تحملت ما يحدث وهى متخشبة تماما.. وتفصد العرق منها.. واصفر وجهها.. وجحظت عيناها.. ولإصراره على أن ينالها بعد أن تمكنت منه الرغبة لم يعبأ بحالتها.. ولكنه سرعان ما وصل إلى المنتهى فقام من الفراش فزعا محبطا.. أما هى فما أن تحسست ما نتج عما فعل حتى جرت إلى الحمام لتفرغ ما فى جوفها.
وما إن عادت إلى الغرفة حتى أخرجت ثوبا آخر بعد أن ألقت بالثوب الذى كانت ترتديه فى القمامة.
جلست أمامه صامتة حتى لا تضاعف من حالة الغضب التى سيطرت عليه.. حاولت أن ترتب على ظهره فنهرها.. بل وصفعها.. وقبل أن تخرج من الحجرة سمعته يصفها بأنها باردة تحتاج إلى علاج.
فى اليوم التالى عرض عليها الطلاق دون أن يستمع إليها ودون أن يستجيب لمنحها فرصة أخرى فهى تريده وتشعر برغبة ملتهبة ناحيته ولكنها لا تعرف ما يصيبها إذا ما اقترب منها.
ـــ ساعدنى بخبرتك.
قالت مستعطفة.. لكنه رد عليها:
ــ أنت حالة مستعصية.
قالت: لنؤجل قرار الطلاق ولو قليلا.
لكنه رفض وألقى اليمين عليها بعد أن أبرأت ذمته من كل ما تعهد به.
عادت نهلة لملعب الكروكيه فى النادى تجلس على حافته تقرأ كتابا فى صمت.. لكننى لاحظت أن عناوين الكتب تغيرت فجأة من علم النفس إلى علم الجان.. ودفعنى فضولى لسؤالها عن هذا التحول فلم تتحمس قائلة:
ــ أنت رجل لا تؤمن إلا بالعقل ولن تصدق العالم الذى أغوص فيه.
تمكن منى الفضول فقلت:
ــ لا تصادرى على رأيى.
وراحت تثبت لى بكل ما عرفت من الكتب التى تقرأها أن الجن مخلوقات تعيش معنا وفيها الطيب وفيها الشرير ولها قدرات خارقة على الوقوع فى حب النساء من البشر وممارسة الحب معهن بطاقة مذهلة لا يتمتع بها أكثر الرجال فحولة.
من جانبى لم أنكر وجود الجان حتى لا أتجاوز الكتب المقدسة ولكنى تحفظت على ممارسة الجنس مع نساء يقعون فى هواهن.
ودافعت عن وجهة نظرى بسرد حالات شائعة عن فتيات مراهقات يعشن الجنس فى الحلم إلى منتهاه فى ظاهرة إنسانية طبيعية تفرض نفسها على الشباب من النوعين فى بداية النضج الجسدى ولكن الذكور يتعاملون معها دون خوف أما الإناث فيتصورن أن زوارهن فى المنام من الجن حتى لا يوصفن بالفجور وما إن يعشن حياتهن بطريقة طبيعية حتى يختفى الجن من حياتهن ونومهن.
رفضت ما قلت مؤكدة أن الجن الذكر يعاشر المرأة التى يهواها وهى واعية وليست غارقة فى النوم.
وحتى أخفف حدة المناقشة قلت:
ــ يبدو أنك وقعت فى هوى واحد منهم.
لكننى فوجئت بها تصمت وتجمع حاجاتها وتهب من أمامى فزعة وكأننى لمست بسلك كهربائى عصبا مكشوفا.
ومن وقت لآخر كنت أجد فى بريدى خطابات مجهولة تحتوى قصاصات من صحف مختلفة تتحدث عن فتيات أنجبن من جان.. وتتحدث عن رجال دين يتعاطفون مع أولئك الفتيات ويطالبون بتسجيل المواليد تسجيلا شرعيا فالحمل جاء رغم أنوف الفتيات.
وكتبت مقالة أهاجم فيها أولئك الشيوخ واعتبرت دفاعهم عن الفتيات شهادة أخلاقية على انحرافات جنسية.. فما المانع أن تعلق الفتيات أخطاءهن على شماعة الجن.
ووجدت فى بريدى خطابا مكتوبا بخط مرتعش تتحدث صاحبته عن تجربتها الجنسية الممتعة من الجن بعد أن عجز الأنس على فهمها.
ولو شاء أحد أن يعرف كيف وصفت الدكتور نهلة علاقتها بالجن فليقرأ القصة من أولها.