د. رشا سمير تكتب: ملكية فكرية أم استباحة وهمجية؟!
تحولت مؤخرا الساحة الفنية إلى غابة استباح فيها أصحاب الأنياب والمخالب حقوق الآخرين، وباتت الأفكار والأعمال مرتعًا لكل من تسول له نفسه اقتباس فكرة أو نسب عمل لم يقم ببذل فيه أى مجهود إلى نفسه.. والأمثال كثيرة لا حصر لها ولا عدد!.
فى قضية شهيرة حدثت مؤخرا إتهمت الروائية ريم أبو عيد السيناريست أيمن مدحت باقتباس فكرة روايتها (متروبول) الموجودة فى المكتبات، وعلى الفور رد السيناريست مدافعا عن نفسه ونافيا أى تشابه بين السيناريو والرواية وكتب يقول: «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا...» وصرح بأنه سوف يقوم برفع قضية سب وقذف على الروائية.. غير أن الأيام تمر وتظهر نتيجة التحقيقات التى تُبين صحة ادعاءات الروائية وتثبت بالدليل القاطع أن مسلسل (اختفاء) مقتبس بالفعل من روايتها وأن هناك تشابهًا بين العملين، لتنتهى القضية إلى صالحها، وتثبت التحقيقات أنها لم تكن فاسقًا بنبأ!.
وعلى صعيد آخر وفى إطار مشابه، اتهم السيناريست الشاب وجيه صبرى، الفنان أحمد مكى، والمخرج مجدى الهوارى، بسرقة أفكاره لتقديمها فى مسرحية جديدة من بطولة مكى بمسرح كايرو شو، بعد أن قام بعقد جلسات عمل معهما لتقديم مسرحية جديدة تكون من بطولة شخصية «حزلقوم» التى قدمها أحمد مكى من قبل ولكن فى إطار درامى جديد، إلا أنه فوجئ بالاستغناء عنه مع القيام بإجراء بروفات على المسرحية التى قام بكتابتها دون العودة له أو حفظ حقوقه المادية والأدبية..إلى أين تنتهى القضية؟ العلم عند الله!.
وفى واقعة مختلفة قامت شركة سينرجى برد حق الروائية نور عبدالمجيد التى اتهمت مؤلف مسلسل حكايتى، بسرقة فكرة رواياتها، والحقيقة أن شركة سينرجى للإنتاج أثبتت نزاهتها واحترافيتها ربما فى واقعة الأولى من نوعها، حيث شكلت لجنة لفحص العمل، وأقرت بالتشابه وأعادت الحق للشاكية.
هكذا تتوالى التعديات وتصبح السرقات الأدبية هى عنوان الساحة الثقافية والفنية، فهذا يقتبس عنوانًا، وهذا يقتنص فكرة، وذاك يلتف حول معنى ليقدمه بشكل آخر، والتهمة واحدة.. سرقة مجهود واستيلاء على حقوق الملكية الفكرية.
الحقيقة أن كلمة (الملكية الفكرية) صارت كلمة مطاطة أو معنى أشبه بالزئبق، ما أسهل أن ينفلت من بين الأصابع لعدم تحديد ملامح قاطعة للمعنى.
المثير للسخرية حقا أنه قد وقع بين يداى خبر يوم 18 نوفمبر 2001 يشير إلى أن البرلمان المصرى يطالب بتغليظ العقوبة ومنح الحماية لكل أصحاب الكتب والكتيبات والمقالات والنشرات وبرامج الحاسب والخطب والمواعظ والصور التوضيحية لمنع سرقة المجهود والأفكار.. تسعة عشر عاما ومازالت الحقوق ضائعة!
المأساة الأكبر هو ما سمعته مؤخرا من الكثير من الشباب الذين تتم الاستعانة بهم من قبل شركات كبرى وأسماء كبيرة فى السوق، لتصميم شعار لشركة أو رسم هندسى معين أو حتى المشاركة بطرح أفكار، ثم تتم الاستعانة بما قدموا دون إعطائهم أى حق مادى ولا أدبى.
أتذكر حديث دار بينى وبين مخرج اتهمته مؤخرا باقتباس فكرة روايتى (بنات فى حكايات) وتحويلها إلى فيلم من إخراجه، إنه كان يشكو من السطو المتكرر فى الوسط الفنى على الأعمال والأفكار، ووصف من يقومون بهذا الفعل (فى محادثة مسجلة بيننا) بأنهم بلا شرف ولا ضمير ولا نخوة! وحين سألته: ولماذا يسكت أصحاب الحقوق على حقوقهم، رد: مافيش قانون فى مصر!!.
هذا هو باختصار لُب الموضوع..هكذا يحترفون السطو وهم آمنون، فمن آمن العقاب أساء الأدب، ومن تصور أنه يعيش فى غابة، أصبح لا يتردد فى ارتداء قناع الوحوش الضارية.
لقد أصبحت سرقة الفكرة ثم اللعب على تغيير ملامحها، هى الوسيلة الأكيدة للنجاة.
أصعب ما فى الإبداع الفكرة، وأسهل ما فيه سرقتها!.
ومن هنا أتوجه إلى البرلمان المصرى بطلب لإثارة موضوع الملكية الفكرية بشكل أكثر جدية، وبطرحه للنقاش لتغليظ العقوبات وتفعيل قانون حماية الملكية الفكرية بشكل يضع مصر كدولة على خارطة الدول المتقدمة فى هذا الشأن.
ما يستوقفنى حقا، هو كيف تتحول مهنة صلبها الإبداع والعذوبة إلى عملية سطو مسلح ومذاهب لا ينتهجها إلا اللصوص؟!.
لا يجوز أن يتحول المجتمع إلى غابة، وحتى لو توحش البشر وانحدرت أخلاقهم، فلا بديل من تفعيل القانون لحماية الحقوق وتنظيم تلك الغوغائية والتسيب.