مصطفى عمار يكتب: فتاة "المنصورة" التى هزمتنا!
بالطبع قضية فتاة المنصورة التى تعرضت لتحرش جماعى خلال ليلة الاحتفال بالعام الميلادى الجديد، واحدة من القضايا التى هزت المجتمع المصرى، وجعلت أغلب المواقع الصحفية والبرامج المسائية تلهث خلف القضية، للفوز بانفراد صحفى أو صورة تجعل رواد مواقع التواصل الاجتماعى يتوجهون إلى هذه الوسيلة لإشباع رغبتهم فى المعرفة والفرجة ومعاينة الفتاة التى قلبت ليلة رأس السنة رأس على عقب، وللأسف وكالعادة جميعنا سقط فى الأخطاء نفسها وكأننا لم نتعلم شيئا من الماضى، العناوين الساخنة نفسها فى متابعة تفاصيل القضية حرصاً من أصحابها على جلب الزبائن وتحقيق «الترافيك» و»اللايك» و»الشير»، الآراء الصادمة نفسها التى تهاجم الفتاة وتؤكد أنها تستحق ما حدث لها لأنها ترتدى ملابس غير مناسبة وخارجة عن حدود الذوق العام، والأحكام المسبقة نفسها على المجتمع كله بأنه عديم الأخلاق، والمطالبة بإعدام مرتكبى الواقعة، جميعنا سقط فى الاختبار من جديد وتحملت مصر الخسارة وحدها..
لم يفكر أى منا للحظة واحدة فى تأثير تداول هذه القضية على صورة مصر خارجياً ولا عن مستقبل السياحة التى تعانى من الأساس، لم يفكر أى شخص فى أن تناول هذه القضية بكل هذا الانفلات يحمل عواقب وخيمة علينا جميعاً، الجميع لم يفكروا سوى فى مصالحهم الشخصية، كيف نصنع انتصاراً زائفاً بكتابة بوست أو نشر صورة أو كتابة تعليق، أو حتى نشر خبر مع إضافة عناصر التشويق الصحفى للقصة لجذب عدد أكبر من المتابعين، كل البرامج لهست خلف تصريح من الضحية أو لقاء معها، وفى النهاية جميع الفيديوهات التى تم تداولها والتى اعتقدنا جميعاً أنها دليل إدانة للمتورطين فى عملية التحرش، كانت هى دليل تبراءتهم، بعد أن أكدت الضحية خلال أقوالها بالنيابة أن الأشخاص المقبوض عليهم هم الذين ساعدوها على الهروب من الزحام والتحرش، وهو ما يعتبر صفعة على وجه الجميع، وهو ما دفعنى لمشاهدة الفيديوهات التى تم تداولها عن الواقعة مرة أخرى، ولم أستطع أن أتحقق مما يحدث فيها، فكل ما يظهر فتاة تصرخ من زحام شديد ويسمك بها مجموعة من الشباب يحاولون إدخالها إلى سيارة بينما يقوم شباب آخرون بمحاولة تفرقة الزحام من حول السيارة لتستطيع الخروج بالفتاة من هذه المنطقة، القضية لا تزال قيد التحقيقات ولم يتم حتى الآن ضبط المتورطين فى جريمة التحرش بالفتاة، وأغلب الظن أنه لن يتم ضبط أحد لأن الزحام والفيديوهات لن تقودنا للجناة الحقيقيين، وتقريباً انتهت القضية، وبقيت وصمة التحرش لاصقة بالشباب والشارع المصرى، وتداولت القنوات العربية القضية والعالمية القضية، وتابع الملايين حول العالم أن فتاة ترتدى شورت أو جيب قصيرا فى الشارع المصرى تعرضت لعملية تحرش جماعى، دون أن يتم الإشارة إلى أن الفتاة كانت ترتدى هذه الملابس فى مدينة يغلب عليها الطابع الريفى وأن أى فتاة حول العالم معرضة لمثل هذا الموقف إذا لم تستطع تقدير ما تقوم بارتدائه فى المكان الذى تتواجد به، ونحن جميعاً نعلم أن شوارع العاصمة والمدن الكبيرة يوجد بها فتيات يرتدين ملابس شبيهة بما كانت ترتديه فتاة المنصورة، ولا يحدث لها أى شيء لا سبب سوى أن أهل المدن الكبرى اعتادوا على مثل هذه المشاهد، عكس الوضع بالمدن الصغيرة.. القضية كما قلت تقريباً انتهت، وحققت المواقع الصحفية ما أرادت من أرقام كبيرة فى حجم الزيارات، وحقق الشباب الذين قاموا بتصوير الواقعة غايتهم فى اللايك والشير على مواقع التواصل الاجتماعى، وفاز الأستاذ عمرو أديب بانفراد أول مداخلة هاتفية مع الضحية، الجميع حقق ما كان يريد، وبقيت مصر وحدها وسمعتها الخاسر الوحيد فى هذه القضية.