بطرس دانيال يكتب: مَن أحسن البداية بلغَ منتصف الطريق
نبدأ العام الجديد ببركة الله التى سلّمها لموسى النبى: «يباركك الرَّبُّ ويحفظكُ، يُضىءُ الرَّبُّ بوجهه عليك ويرحمك. يرفعُ الرَّبُّ وجهه نحوك ويمنحك السلام» (سفر العدد 6: 22-27). نتبادل جميعاً هذا السؤال المعهود: «كيف حالك وحال الدُنيا معك؟» أو «عامل إيه فى هذه الأيام؟» ومعظمنا يقصد به الاطمئنان على: الصحة والعمل والوظيفة والمال والدراسة... وغيرها، لكن القليلين هم الذين يقصدون به: الحياة الروحية للشخص والقيم الإنسانية والتقدّم الروحى والتحلّى بالفضائل. من الممكن أن ننجح فى أعمالنا اليومية، لكن للأسف حياتنا الداخلية وعلاقتنا مع الله والآخرين قد تفشل، إذاً ونحن فى بداية هذا العام الجديد، نستطيع أن نتحقق من هذا السؤال: «إيه أخبار الحياة والدنيا؟» نحن نثق فى كلام الأطباء الذين ينصحوننا بأن نقوم بفحصٍ شامل ودورى على صحتنا، بعمل إشاعات وتحاليل طبية مختلفة، خاصةً عندما يتقدّم بنا العمر حتى نتجنّب الأمراض المستعصية، يا ليتنا نفعل بالِمثل فى حياتنا الروحية والاجتماعية والإنسانية كلها، ونقلبها رأساً على عقب، وهذه المهمّة تخص كل شخصٍ بعينه. ونستطيع أن نفحص أنفسنا: هل ازدادت محبتنا عمّا قبل ولم تعد من أجل المصلحة والمنفعة؟ هل تخلّصنا من بعض رذائلنا مستبدلين إياها بفضائل؟ هل أصبحت صلاتنا مفهومة ولم تعد مجرد ترديد كلام؟ هل استطعنا أن نكون مثالاً صالحاً فى المنزل والعمل والمجتمع بأسره؟ هل فكّرنا بأن العمر يمضى ويقترب بنا إلى لحظة النهاية؟ هنالك ثلاثة عناصر ضرورية ومهمة لاستعادة الحياة: 1- بركة الله فى حياتنا: نبدأ السنة الجديدة بهذه البركة، لأنها تأتينا باسم الرب الذى يمنح جميع مخلوقاته هذه النعمة، وهى ليست عملاً سحرياً ولكنها هبة من الله، كما يجب أن نتفاعل معها ونشعر بها ونقدّرها طوال أيام حياتنا، يستطيع كلُّ واحدٍ منّا طلب هذه البركة يومياً، كما أن رب الأسرة يمنحها لبيته والتى تعنى أنه يضع اسم الله على أفراد أسرته، كما تعوّدنا أن نقول لبعضنا البعض: «ربنا يباركك». وهذه البركة تُظهر لنا وجه الله الحسن والمضىء الذى يمنحنا الأمن والأمان فى حياتنا اليومية. هذه البركة تخلق فينا روحاً طيبة ووجهاً بشوشاً وشعوراً بالغفران الذى نناله من الله كل يوم.
2- خبرة التجديد: نستخدم فى لغتنا اليومية هذا التعبير: «نقلب الصفحة». ونحن مع بداية العام الجديد نريد أن نغيّر صفحاتنا الماضية. لكن الخطورة هى أن يصبح كتابنا كما هو وبنفس الصفحات القديمة دون تغيير أو المساس بها. لذلك من الضرورى هو أن نبدّل الكتاب ونغيّر المقطوعة الموسيقية. ومن المحتمل أن نحتاج إلى تبديل الشخص ذاته الذى يقلّب الصفحات حتى يصير هو نفسه جديداً متجدداً ومختلفاً. مَن منّا لم يردد هذه العبارة مع بداية العام الجديد: «أتمنى أن يكون العام الجديد أفضل من المنصرم» لأننا مللنا وضجرنا من العام الماضى، لكن الحقيقة هى خلاف ذلك، لأن العام القديم لم يصنع شراً تجاهنا، ولكننا نحن الذين أسأنا التصرّف تجاهه، كما أننا لم نكن مُخلصين تجاه الفرص الذهبية التى كانت فى متناول أيدينا وبددناها. لا يكفى أن نهنئ الآخرين بعبارة: «أتمنى لكم عاماً جديداً وسعيداً»، ولكن أن نهنئ العام الجديد بأُناس طيبين ومُخلصين وأفضل. العام الجديد ليس لديه الرغبة فى أن يُعيد الماضى بسلبياته ومشاكله وسيئاته أو أن يكرر أخطاءً سابقة، لكنه يريد أن يصبح جديداً وناصعاً، سيتم كل هذا إذا رغبنا نحن فى ذلك بالتعاون مع العام الجديد بفكرٍ جديد وروحٍ جديدة. 3- نحن مَدِينون للعام الجديد: كثيرون هم الذين يكررون هذه العبارة: «أتمنى من العام الجديد أن يُهدينى ويمنحنى.....»، ولكن مَن منّا سأل نفسه: «ماذا سأُقدّم للعام الجديد؟» لا يكفى أن نطلب ونأخذ، ولكن يجب أن نُعطى أيضاً. كثيراً ما نوجّه أصابع الاتهام للحياة لأنها لم توفّر لنا ما نريده ولم تُوفِ بوعودها، وكانت بخيلة وسيئة معنا. هل نحن كنّا ملتزمين تجاه الحياة بكل احترام؟ كيف تعاملنا معها؟ كم من المرات أضعنا الوقت والصحة والمواهب والفرص والصداقة والأشخاص الذين نتقابل معهم كل يوم؟ كل نهار يسطع علينا بأنواره هو: نعمة حياة دافئة تنفجر فى كياننا، وميلاد عزيمة جديدة للقيام بواجباتنا، ومغامرة فريدة بين الناس لازدياد خبرتنا، وفرصة سانحة لاستكمال نضوجنا، ولَبنة جديدة فى صرح شخصيتنا وتقرير مصيرى لمستقبل حياتنا. ونختم بالمَثل الإيطالى: «مَن أحسن البداية؛ بلغَ منتصف الطريق».
