تجارة خاسرة.. كيف وضع ارتفاع الأسعار مربي المواشي في مهب الريح؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


كانت من أصعب اللحظات التي مرت على "أحمد سعد"، حين قرر الشهر المنصرم أن يبيع بهائمه الثلاثة إلى أحد كبار التجار، بمبلغ اعتبره الرجل بخسًا لم يغطِ المصاريف التي تكبدها على تربيتهم، إذ بيعت الأم ومولودها بملبغ لا يتعدى الـ 13ألف جنيه، وما زاد من حسرته أنه لم يقبض ثمنهم مرة واحدة بل أخذهم على دفعات، كانت يتلقاها تحت إلحاح وطلب متكرر "تبقى بايعهم بخسارة وكمان ما تاخدش فلوسهم مرة واحدة"، بحسب ما يروي أحمد لـ"الفجر".

قرار البيع الذي اتخذه صاحب الـ54 عامًا كان اضطراريًا، وهي ذات المشكلة التي تتربص بجميع الفلاحين في الوقت الحالي والبالغ عددهم نحو 10 ملايين أسرة، بحسب حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، والذي يؤكد أن هذه الأسر أصبحت تطارد مستقبلًا مجهولًا بالشكل الذي وضع حياتهم في مهب الريح، في الوقت الذي شهد أيضًا ارتفاعًا جنونيًا في أسعار الأعلاف، حيث وصل سعر حمل التبن إلى 800 جنيهًا، في حين ما تزال مصر تصدر البرسيم والتبن للخارج، بينما الأسواق تغرقها اللحوم السوداني والمستوردة.





تربية المواشي بالنسبة لـ"سعد، تعد مصدر آخر للدخل بجانب عمله كموظف بالسكة الحديد، تعاونه في ذلك زوجته، حيث تتوزع المهام بين الأسرة المكونة من 6 أفراد، في قيام الزوجة باصطحابهم كل صباح إلى الحقل "بتقطع لهم حضن برسيم"، إلى أن يعود من عمله فيذهب إليهم على الفور كي يأتي لهم بالعشاء قبل أن تغرب الشمس، في مهمة يعتبرها الرجل شاقة، لكنها باتت ضرورية كي تخفف من أعباء الحياة ومصاريف البيت، فأولاده الأربعة في مراحل تعليمية متفاوتة، ما بين الثانوية العامة والإعدادية والتعليم الأساسي "كانوا بيسندوا معايا شوية في بيع السمن والجبن واللبن".

أسباب عديدة دفعت بالرجل للإقلاع عن تربية المواشي، كان على رأسها ارتفاع تكلفة الأعلاف، حيث وصل كيلو العلف إلى 28 جنيهًا، بجانب الأدوية البيطرية التي أصبحت البهائم في حاجة مستمرة إليها بسبب فيروس الحمى القلاعية المنتشر بكثافة خلال الفترة الأخيرة "كنا كل أسبوع لازم نبعت للدكتور يكشف عليهم". مل الرجل في النهاية من محاولات الاستمرار في مشروع اعتبره فاشلًا في الوقت الحالي، على أمل العودة إليه مرة أخرى، في حالة تصالحت معه الظروف.

بحسب نقيب الفلاحين، فإن اجمالي رؤوس الماشية، من أبقار وجاموس وماعز وجمال بمصر، يصل إلي 20 مليون رأس تقريبًا، بها حوالى 5 ملايين من الأبقار البلدي والخليط والسلالات الأجنبية، بجانب 4 ملايين رأس من الجاموس و6 ملايين من الأغنام و4 ملايين و500 ألف من الماعز وحوالي 500 ألف من الجمال، فى حين أن عدد مصانع الاعلاف المرخصة لا يتجاوز عددها الـ 200 مصنعًا.




لم تكن المرة الأولى لـ"محمود مهران" في بيع البهائم، لكن الأخيرة كانت الأصعب، ففي كل مرة كان ينوي فيها البيع يكون القرار باختياره، الأمر الذي يجعله يضع السعر المناسب لإتمام الصفقة، لتتغير استراتيجية البيع في المرة الأخيرة ويجبر على البيع بأسعار كانت من وجهة نظره مجحفة، حيث هبطت تقريبًا إلى النصف "البهيمة اللي كنا بنبيعها بـ20 ألف بقينا ممكن نبيعها بـ11 ألف"، يقولها الرجل قبل أن يضيف أن الارتفاع الأخير في أسعار الأعلاف والبرسيم والتبن والتي تعد الأطعمة الضرورية واللازمة للتسمين، قفزت بشكل جنوني، جعلهم ذلك يكتفون بالبرسيم فقط، فأسعاره في المتناول، بينما يسدون غياب العلف بالخبر الفائض من الاستعمال اليومي في المنزل.

يعمل مهران، البالغ من العمر 42 عامًا، موظفًا بالبلدية، ولا يتعدى راتبه الشهري الـ2500 جنيهًا، لذا كانت تربية المواشي هو المشروع الذي يوفر مصدر بديلًا للدخل، يقول الرجل إنه لا يمتلك أرضًا زراعية لذا كان مطالبًا كل شهر بشراء برسيم بما يتجاوز الألف جنيه، بينما يتوزع ما تبقى من الراتب على مصاريف البيت وتعليم أولاده الثلاثة، لذا فقرار بيع المواشي كان خطيرًا وتنازلًا على مصدر كبير للدخل، لكنه كان ضروريًا للحفاظ على مرتبه الذي تبدده البهائم ما بين الأكل والعلاجات البيطرية.

قبل شهرين تقدم شاب لخطبة ابنة "عامر سعيد"، 58 عامًا، تردد الرجل في الموافقة على طلبه، والسبب إن "العين بصيرة واليد قصيرة" فالوالد يعمل باليومية في أحد طوائف المعمار، فراجع نفسه ووجد أن الحل الوحيد في التنازل عن البقرة ورضيعتها، وذلك بعد أن ضج من تربيتها بسبب مصاريفها العالية، كما أنه لا يوجد أحد للقيام أعبائها، فهو طوال اليوم في عمله، وزوجته لم تعد قادرة على خدمتها"اللي عاوز يكسب منهم لازم يكون متفرغ لهم تفرغ كامل".

حالة من الإحباط أصابت الرجل بعد أن سمع بالسعر الذي عرضه عليه أحد التجار، فالبقرة ورضيعتها لم يتجاوز سعرهما الـ11 ألف جنيه "الاتنين دول قبل كدا ما كنوش يتباعوا أقل من 20 ألف"، لكنه اضطر مرغمًا إلى بيعهما بعد أن تأكد أن هذه هي الأسعار المتداولة للبهائم في الفترة الأخيرة، ومع دخول الصيف ربما يعيد المحاولة مرة أخرى.