د. رشا سمير تكتب: هكذا تَوهَم أهل الباطل أنهم على حق؟!
عندما انحدرت الأخلاق، وتاهت القيم فى أزقة المصالح والمطامع، ضاعت الحقوق بين أصحابها ومُغتصبيها، فتحول المجتمع إلى غابة البقاء فيها للأشرس ولمن يحترف الزئير فى وجوه الآخرين.. وانزوى كل المحترمين، حتى وصل الأمر بأصحاب الحقوق أن يتنازلوا عن حقوقهم خوفا من الهجوم والشوشرة وتجنبا للدخول فى معركة هى فى أغلب الأوقات خاسرة.
ربما أتحدث هنا عن نفسى، لأننى تعرضت فى بداية حياتى وكأى إنسان يتمسك بأخلاقه إلى محاولات كثيرة لسرقة حقوقى.. من أول من يزاحمون فى الطوابير ويأخذون مكانك عنوة، إلى من يصل إلى أذن المدير ليبث فيها السموم ويحصل على دورك فى الترقى، إلى من يصدمك بسيارته ويهبط منها ليسمعك وابلا من الشتائم معتمدا على كونك مهذبا!..
عندما تقدم بى العُمر قليلا، اتخذت قرارا بألا أنزوى وألا أعمل حسابا للتبعيات وألا أقف عند كلمات تهزمنى مثل (أنتٍ مش قدهم.. وماتلعبيش مع الأسد..ومش هتاخدى منهم حاجة)..
منذ تلك اللحظة تعودت أن أقف وأتصدى وأقول لا، وأبحث عن حقوقى حتى لو كانت فى بطن الحوت..تعلمت أيضا أن عودة الحق لا تكون فقط فى الشىء الذى نتعارك من أجله ولكنها أحيانا تأتى فى صورة نجاح شخصى أو ولد صالح أو صحة جيدة..هكذا يعوضنا الله دون أن ندرى فهو العدل ونحن لا نعرف مكياله.
أصبح الوسط الفنى والأدبى مؤخرا مرتعا بلا حدود، تتم فيه الاقتباسات والسرقات والاحتيالات تحت مسمع ومرأى من الجميع..
نسمع كل يوم عن روائيين تتم اقتباس رواياتهم وتحويلها إلى أعمال درامية، ونسمع كل يوم عن كُتاب سيناريو يقدمون معالجات درامية إلى فنانين ومنتجين وبدلا من الاستعانة بها ودفع حقوقهم المادية، يأخذون الفكرة ويعيدون تشكيلها من جديد لتُصبح مُنتجا مشوها لا يستطيعون التعرف عليه، وحين تتم مقارنة المعالجة بالعمل تكون النتيجة أن العمل مختلف!..ويفلت المذنب ويدفع الضحية ثمن التشهير به وإلقاء التُهم جزافا عليه، على الرغم من أنه صاحب حق!..
من خلال أصدقاء روائيين شاهدت تلك المآسى وتابعت ردود أفعالهم، فمنهم من خاف وانسحب حتى لا يُقال عنه أنه مثير للمتاعب، ومنهم من انتفض وصرخ حتى عاد إليه حقه أو خسر قضيته وكسب احترام نفسه.
هذا هو الحال فى كل مكان فى مصر..فهناك من يأخذ مكانك فى كل شىء، فى طابور العيش، فى الجراج، فى المكافآت والترقيات..حتى باتت كلمة (أصله بتاع مشاكل) هى وسام يُمنح وبجدارة للمحترمين الذين يدافعون عن كلمة الحق!.
أنت محترم..إذن أنت ضعيف..إذن نحن قادرون على إزاحتك وأخذ حقك لأنك لن تتكلم!.
تعرضت أنا فى نهاية العام إلى قصة مماثلة، حين تم اقتباس الخط الدرامى لروايتى (بنات فى حكايات) الصادرة عام 2012 لتتحول أمام عينى إلى عمل سينمائى، وربما لو كان الموقف عاديا لم أكن لألحظه ولكن المحادثات المكتوبة والمسموعة بينى وبين مخرج العمل التى تؤكد أنه كان مستميتاً فى تحويلها إلى عمل يقوم بإخراجه، هو ما جعلنى انتفض لأخذ حقى..
لم أفكر لحظة فى أى شىء سوى أننى أقدم قدوة لبناتى، وسوى أننى احترم نفسى واحترم عملا أخذ من أعصابى سنوات فى كتابته..
لا تعنينى تبعيات الموقف ولا أخشى فى الحق لومة لائم، الحقوق لا تضيع لو كان وراءها مُطالب، فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف..
ما يحزننى حقا هو أن الرواية التى يتم اقتباسها عنوة تُصبح مثل الطفل الذى يُخطف من ذويه فيترعرع بلا أم ترعاه ولا أب يحاسبه..هكذا ستفقد معناها وتفقد القيمة المحترمة الذى حاولت أن أقدمها والذى عشتها بجوارحى مع كل من حولى من مُراهقات يحتجن إلى البوح..
وتبقى رواية (بنات فى حكايات) هى الرواية التى جاءنى عنها عبر البريد الإلكترونى مئات الرسائل، من مراهقات وأولياء أمور يؤكدون لى أن تلك الرواية كانت الخلاص لهم وكانت فنارا أرشدهم لبر أمان كانوا يبحثون عنه..ويعلم الله إلى أى صورة سوف تنتهى حين تُعرض على الشاشة بعد أن اغتُصبت من بين أحضانى!.
إنها دعوة فى بداية العام لكل صاحب حق بأن يصرخ فى وجه الدنيا ويقول (هذا ملكى، وهذا حقى) دون خوف..إننى أدعو كل من تصور فى لحظة إنه أضعف من الحرب ألا يتراجع وألا ينزوى ويكتئب وهو يرى حقه يُختطف من بين يديه..
يقينى أن الحقوق لا تضيع طالما أن رب العالمين فى السماء يسمع ويرى ويحاسب..أختتم مقالى بحكمة ترن فى أذنى وتسكننى بصداها..قال على بن أبى طالب كرم الله وجهه:
«حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق».