عادل حمودة يكتب: حرب ساخنة فى شرق المتوسط ولكن بلا مواجهات مباشرة
تركيا سوبر ماركت من الأزمات المزمنة
1- تناقضات حضارية بين القبعة فى القطاع الأوروبى والنقاب فى القطاع الآسيوى
2- اختلافات مذهبية بين الشيعة والسنة والأكراد واختلافات دينية بين المسلمين والطوائف المسيحية
3- دولة موازية للدولة العميقة قلبت نظام الحكم مرة باسم جولن وأكثر من مرة باسم العلمانية
4- عضوية الناتو لم تشفع لها لدخول الاتحاد الأوروبى بسبب الإسلام وبسبب العداء مع اليونان
اللواء خليفة حفتر
1- يحتاج إلى قوات إضافية أكثر للسيطرة على طرابلس بجانب غطاء جوى ومنظومة دفاع جوي
2- لابد من تسليح أكثر من ١٠٠ ألف ليبى يخوضون حرب استنزاف لتطهير بلادهم من النفوذ التركي
3- ترامب معجب به وبوتين يقاتل معه ولكن الاثنين يعترفان بحكومة السراج
مصر
1- تركيا تترأس التنظيم الدولى للإخوان وترسل بقوات الجماعة إلى ليبيا لتنشيط الإرهاب ضد مصر
2- السيسى: لن نسمح لأحد بالسيطرة على ليبيا والسودان ولن نتخلى عن الجيش الوطنى الليبي
3- على القاهرة الاعتراف بأن ما تعرض له الأرمن على يد الأتراك إبادة جماعية كما اعترفت أوروبا والولايات المتحدة
أردوغان
1- سلطان حائر يحلم باستعادة إمبراطورية منسية بفرض البلطجة السياسية
2- حزبه العدالة والتنمية أصابه الضعف وفشل فى انتخابات المحليات وانشق عنه رموزه المؤثرة
3- لجأ إلى المغامرات الخارجية للم شمل الانقسامات الداخلية
4- احتل جزءاً من الشمال السورى واستأجر جزيرة من البشير وعالج قضية الغاز من البوابة الليبية
تصفية تركية
1- تحرك سياسى ودبلوماسي عربي على أعلى مستوى لإبقاء موقف ترامب وبوتين على ما هو عليه
2- اللعب بورقة الأكراد سيفقد أردوغان ما تبقى من أعصابه المنهارة
3- تخفيض الاستثمارات العربية فى تركيا ومقاطعتها تجاريًا وسياحيًا حتى يشعر الشعب التركى أن أردوغان أضر به
4- مساندة المعارضة التركية التى تصف أردوغان بالكذب ولا ترى مبررًا للعداء مع مصر
قضية الغاز
1- ١٢ جزيرة فى بحر إيجة بالقرب من تركيا تحرمها من التنقيب عن الغاز
2- اليونان يمكن أن تلجأ إلى المحكمة المختصة فى ألمانيا لإبطال مذكرة التفاهم الليبية التركية
3- إيطاليا وفرنسا تتصديان للبحرية التركية حتى لا تتعرض لآبار التنقيب عن الغاز
«الديمقراطية قطار تغادره بعد أن تصل إلى وجهتك».
جملة زل بها لسان رجب طيب أردوغان كشفت عن خطته فى التحول إلى الديكتاتورية ووجد فى الانقلاب الفاشل الذى وقع ضده فى منتصف يوليو 2016 فرصة سانحة لتنفيذها.
حسب الكاتبة والباحثة التركية إزجى باشاران فإن محاولة الانقلاب ما كانت لتحدث إلا فى بلد تآكلت فيه المؤسسات الديمقراطية تآكلا شديدا وتنتاب الوئام الاجتماعى فيه حالة من التأزم المزمن.
1- سوبر ماركت من كل أنواع الأزمات!
إن الحيرة قدر فرضته على تركيا حقائق شاخصة معقدة يصعب القفز عليها: خريطة غير متجانسة.. ثقافة متصارعة.. حياة سياسية متقلبة.. تركيبة سكانية قلقة.. ديانات ومذاهب مختلفة.. وأحلام توسعية لا يساندها سوى طموح رئيس ــ وضع على رأسه عمامة سلطان عثمانى تصور أنه مبعوث العناية الإلهية لإحياء الخلافة الإسلامية.
بحكم الخريطة تبلغ مساحة تركيا نحو 783 ألف كيلومتر مربع.. تقع فى آسيا إلا 3 % منها فقط تقع فى أوروبا.. بينهما ممر البسفور المعلق فوقه كوبرى للعبور البرى يسمى: جولدن هورن.. وهناك مضيق آخر (الدردنيل) يوصل ما بين بحر مرمرة وبحر إيجة.. وبين الانتماء إلى آسيا والتطلع نحو أوروبا يختلف الأتراك شكلا وتفكيرا.
ورغم أن تركيا عضو فى حلف الأطلنطى وتلعب دورا عسكريا فيه إلا أن أوروبا ترفض قبولها فى منظومتها الاتحادية.. ربما لأنها ستكون الدولة الإسلامية فيها.. ربما لخلافها مع اليونان أصل الحضارة الأوروبية.
وما إن تولى كمال أتاتورك السلطة (عام 1923) بعد عام واحد من سقوط الإمبراطورية العثمانية حتى ألغى الشرعية الدينية وفرض العلمانية وبالإجبار منع الحجاب والطربوش وأبعد الشيوخ عن الحكم واعتبرهم رمزا للتخلف وجمد التعليم الدينى وغير حروف اللغة إلى اللاتينية ولكن بقى الإسلام عنصرا مؤثرا فى الشخصية التركية يتناقض مع ما تعيشه من مظاهر وما تنفذه من قوانين.
فى السنة نفسها وافق أتاتورك على معاهدة لوزان التى حرمت تركيا من أراض شاسعة كانت ضمن حدودها القديمة وقصرت وجودها داخل حدودها الحالية وخشية أن تفقد مزيدا من الأرض اتبعت سياسة قمعية ضد غير المسلمين (اللازس والشركس والبوسنيين والأرمن مثلا) وضد المسلمين غير السنيين مثل الشيعة (أكثر من 26 مليون نسمة) والأكراد الذين يعيش نصفهم فى تركيا (15 مليون نسمة) ويتفرق النصف الآخر فى إيران والعراق وسوريا.
وبقيام الثورة الخومينية فى إيران تناقض ولاء الأتراك الشيعة بين الجنسية والعقيدة وتضاعف القلق بسبب ما بين الشيعة والسنة من خلافات واضحة وما بين تركيا وإيران من صراعات قديمة.
وبرفض منح الأكراد حكما ذاتيا تحولت مشكلتهم مع السلطة المركزية فى أنقرة إلى حرب مسلحة زادت من متاعب تركيا وتناقضاتها التى عجز السلاح عن التعامل معها.
وبسقوط الاتحاد السوفيتى واستقلال الأرمن فى دولة خاصة بهم لم ينسوا المجازر التى تعرضوا لها على يد الأتراك ولم ينسوا أيضا أن لهم أرضا تحتلها تركيا يجب إعادتها إليهم وتضغط الأمم المتحدة على تركيا للتنازل عنها.
2- دولة عميقة ودولة بديلة والنتيجة انقلابات متكررة!
ولو كان فى كل دولة ما يعرف بـ «الدولة العميقة» فإن فى تركيا بجانب الدولة العميقة دولة بديلة.
كانت الدولة البديلة ممثلة فى جنرالات الجيش وقضاة المحكمة الدستورية الذين كان لهم الحق فى قلب الحكومات المنتخبة إذا ما شعروا أنها تخرج عن العلمانية المكلفين بحمايتها وحدث ذلك أكثر من مرة.
وما إن تلاشت الدولة البديلة بتراجع سلطة الجنرالات والقضاة حتى قفزت من جديد عبر شبكة خفية أسسها فتح الله جولن وتسللت بمباركة من أردوغان للقضاء على نفوذ المؤسسة العسكرية ولكن سرعان ما دب الخلاف بين الرجلين ووصل إلى حد اتهام أردوغان لجولن بأنه مدبر انقلاب يوليو 2016 وقاد حملة شرسة للتخلص من أنصاره فى مؤسسات الدولة وكانوا بالمئات.
كل هذه المظاهر كشفت عن متاعب مكتومة فى تركيا تهدد استقرارها وتضعف مواردها وتحرمها من جيرة حسنة.
وتضاعفت تلك المتاعب فى وجود حاكم حائر.. يعانى من جنون العظمة.. ويتصور أن الخطابة التى تعلمها فى مدرسة الدعاة تكفى لجعله خليفة المسلمين.
لقد انتهت محاولة الانقلاب الفاشلة بتعديلات دستورية وضعت غالبية السلطات فى يده بتغيير بعد أن استطاع تغيير النظام من برلمانى إلى رئاسى: قيد الحريات ودمر المؤسسات وفتح المعتقلات ولكن تلك التصرفات الحمقاء وسعت من مساحة خصومة وأضعفت حزبه وضاعفت من شدة أزماته الداخلية.
ولم يكن أمامه للطفو من جديد سوى اللجوء إلى اللعبة السياسية الشهيرة التى تورط البلاد فى مغامرات خارجية لإلهاء الشعوب عن الأزمات الداخلية ودفعها للالتفاف حول حكامها بحجة أن البلاد فى حالة مواجهة تستدعى التوحد حتى تمر.
3- خطأ شائع: ألعب فى الخارج تضمن تماسك الداخل!
ولكن أردوغان لم يكف عن التورط خارج حدوده.. مغامرة وراء مغامرة.. ورطة وراء ورطة.. ليظل الأتراك يساندونه أما من يعترض فمصيره اتهام بالخيانة ينتهى بسجنه مدى الحياة.
لم يكف عن المطالبة بالمدن العراقية الثلاث كركوك والموصل والسليمانية باعتبارها كانت تحت السيطرة العثمانية.. وليس من الصعب إدراك أهمية تلك المدن المتفجرة بالنفط المحرومة منه تركيا حتى إنها عرضت على دول الخليج مبادلة المياه بالنفط.
استغل الأزمة الخليجية وأقنع قطر بمنحه قاعدة عسكرية على أرضها.
وأقنع عمر البشير بتأجير جزيرة سواكن لتكون قاعدة عسكرية تركية تثير المتاعب فى وجه الدول المطلة على البحر الأحمر ولكن اللعبة انتهت بتغيير النظام فى السودان.
ثم كانت المغامرة العسكرية فى سوريا لاستفزاز الأكراد الذين استقلوا بأنفسهم فى الشمال ما أسموه روج آفا حتى أصبح لهم تمثيل فى موسكو بجانب السفارة السورية هناك.
كانت حجة أردوغان تنظيف المنطقة من الداعشيين وهى حجة واهية فتركيا ــ حسب صحيفة نيويورك تايمز فى 29 يونيو 2016 ــ كانت مركز تجمع للأمريكيين المنضمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية.. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية: أن ما لايقل عن ألف جهادى بريطانى وآلاف آخرين من الأوروبيين يعتقد أنهم أفلتوا من مراقبة الشرطة والاستخبارات للعبور إلى تركيا والوصول إلى أراضى تنظيم الدولة الإسلامية.
وهناك الكثير يقال عن جنون أردوغان بإفريقيا وتصوره المتسم بالسذاجة عن إمكانية منافسة الصين وروسيا والولايات المتحدة على ثروات القارة السمراء.
4- شوكة تركية تحت جلد الأمن القومى يجب نزعها!
ونصل إلى ليبيا.. حديث الساعة.
بعد سنوات طوال من العمل السرى فى ليبيا وقع أردوغان مذكرتى تفاهم بينه وبين فائز السراج للتعاون فى اكتشاف الغاز تحت سطح البحر المتوسط بجانب التعاون العسكرى بين الطرفين.
وحكومة السراج ولدت فى مؤتمر الصخيرات (المغرب يوم 17 ديسمبر 2015) تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا بقيادة الدبلوماسى الألمانى مارتن كوبلر تحت مسمى لم تستطع تحقيقه: الوفاق الوطنى.
وفى الوقت نفسه لم يقبل بها البرلمان الليبى المالك الحقيقى للشرعية باعتباره المؤسسة الوحيدة المنتخبة وأعلن رئيسه المستشار عقيلة صالح العبيدى أن ما تتخده من قرارات وما توقعه من اتفاقيات باطل.
بجانب أن أوروبا التى دعمت تلك الحكومة عادت وتنصلت منها.
كما أن الوضع على الأرض فى ليبيا يؤكد وجود قوات روسية تريد إعادة النظر فى استمرار تلك الحكومة.
وربما لتلك الأسباب لم تجد حكومة السراج سوى تركيا ترتكن إليها وفى الوقت نفسه لم يجد أردوغان سواها ليضع قدما فى شرق المتوسط لعله يحصل على الغاز الذى حرم منه بالقرب من حدوده البحرية مع كريت وقبرص واليونان.
وهنا يجب ملاحظة أن مذكرتى التفاهم بين أردوغان والسراج لم ترقيا إلى مستوى الاتفاقيات كما أنهما لا تتمتعان بصفات قانونية ملزمة ويمكن الطعن عليهما أمام المحكمة الدولية لقانون البحار فى ألمانيا.
وأسس الطعن واضحة: إن هناك 12 جزيرة فى بحر إيجة تتبع اليونان ــ رغم قربها من تركيا ــ حسب معاهدة لوزان مما يعنى أن الحدود البحرية التى رسمتها مذكرتا التفاهم مع ليبيا مشكوك فيها وأن مساحات منها تخص اليونان ووضعها تحت سيطرة تركيا يعد اغتصابا يسمح لليونان باللجوء إلى المحكمة الدولية المختصة.
ولكن الأهم: أن السكوت على الوجود التركى فى ليبيا تهديد شديد الخطورة على الأمن القومى المصرى وهذا ما أدركه الرئيس حين صرح علنا: لن نسمح لأحد بالسيطرة على ليبيا والسودان باعتبارهما من صميم الأمن القومى المصرى.
إن تركيا تتولى الآن قيادة التنظيم الدولى للإخوان بدعوى أن القيادات المصرية أسيرة فى السجون.
وحسب التصريحات العلنية فإن تركيا ستبيع لليبيا عتادا عسكريا (أسلحة مضادة للدروع وطائرات بدون طيار) ولكنها لن ترسل جنودا مكتفية بمستشارين عسكريين تجنبا لمواجهات حربية مباشرة وإن استعانت بمرتزقة الشركات العسكرية الخاصة التى تشبه شركة بلاك ووتر.
على رأس تلك الشركات شركة صادات التى أسسها أردوغان عام 2008 لتكون بمثابة ميليشيات مسلحة تحمى النظام وفتح لها 12 معسكرا فى أنقرة وحدها وفى عام 2013 دربت الشركة ــ بطلب من التنظيم الدولى عناصر إخوانية مصرية وفلسطينية وتركية أبدت استعدادها للقتال فى ليبيا بعد أن قاتلت فى سوريا تحت سيطرة المخابرات التركية أم أى تى.
ولو تمكنت تركيا عبر تشكيلات المرتزقة من السيطرة على ليبيا فإن مصر ستتعرض إلى موجات من الإرهاب تأتى مباشرة منها عبر الحدود الممتدة مئات الكيلومترات.
وبالطبع سيمتد خط الإرهاب إلى أوروبا بجانب التهديد بموجات متزايدة من الهجرة غير الشرعية.
وقد سبق أن استخدم أردوغان ذلك التهديد ضد أوروبا عبر الطريق إليها من بلاده وخضعت أوروبا لابتزاره ودفعت له 6 مليارات دولار سنويا بحجة إيواء اللاجئين الفارين من الحرب السورية.
وبالاتجاه ناحية ليبيا أصبح لابتزاز أردوغان بوابتان إحداهما فى الشرق (تركيا) والأخرى فى الغرب (ليبيا) مما يعنى مضاعفة ما يتقاضاه من أوروبا مقابل منع الهجرة إليها.
ولكن التهديد بفتح البوابتين يمكن أن يكون نوعا من الضغط على أوروبا حتى تتركه يتصرف فى ليبيا كما يشاء.
وهنا لابد ألا تكف مصر والسعودية والإمارات عن الاتصالات السياسية والدبلوماسية مع الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط لتوضيح مخاطر الوجود التركى فى ليبيا وأهمها التحكم فى النفط والغاز المصدر إليها.
وبجانب الاتصالات تقديم المزيد من الدعم العسكرى إلى قوات الجنرال خليفة حفتر التى تسعى جاهدة لدخول العاصمة طرابلس القريبة من مصادر النفط ولكنها لا تكفى عددا وعتادا لتلك المهمة الشاقة التى بدأت منذ شهور.
إن نجاح حفتر فى مهمته سيسقط حكومة السراج ويعيد الأتراك إلى بلادهم وسيحد من نشاط المجموعات الإرهابية ولكن حفتر لا يمتلك منظومة دفاع جوى كما أنه فى حاجة إلى ما يزيد على ضعف عدد مقاتليه بجانب موقف دولى مساند.
5- مواقف دولية مائعة ومتغيرة فقدت الشعور بالخطر!
والحقيقة أن الموقف الدولى من القضية الليبية غير مستقر ويتغير بتغير المصالح بعد أن انتهى زمن الأيديولوجيات المستقرة وبدأ زمن الشركات المتنوعة.
صوتت روسيا لصالح حكومة السراج ولكنها لم تتردد فى مساعدة حفتر بقوات خاصة أنشئت بمعرفة حكومة موسكو.
لقد ساندت روسيا تركيا فى اختراق الشمال السورى وسمحت لها باحتلال أجزاء منه رغم وقوفها المساند لنظام الأسد فى دمشق.
ولكن تضاربت المصالح فى ليبيا بين موسكو وأنقرة فتغيرت المواقف.
لم يتردد أردوغان فى الهجوم على روسيا ووصف قواتها فى ليبيا المسماة فاجنر بالمرتزقة ولكنه فى الوقت نفسه يسعى جاهدا لعدم الدخول فى حرب طويلة المدى مع روسيا وعدم الصدام بين مقاتليهما فى ليبيا وسوف يحاول إقناع بوتين بذلك خلال زيارته الرسمية لتركيا فى 8 يناير القادم وربما طلب منه سحب قواته من ليبيا قائلا: إننا نتحاور مع روسيا من أجل عدم حدوث مواجهة بين الجانبين.
وفى المقابل نفت روسيا مشاركة مرتزقة من بلادها فى ليبيا.
وخلال المؤتمر الصحفى السنوى لبوتين قال: تحتفظ روسيا بعلاقاتها مع حكومة السراج وأيضا مع حفتر.
هل تسعى الدبلوماسية العربية لإقناع بوتين باستمرار موقفه من ليبيا خلال الأيام المتبقية على سفره إلى أنقرة؟
ولا يختلف موقف ترامب كثيرا عن موقف بوتين.
أعلن ترامب تأييده لحكومة السراج وفى الوقت نفسه أعرب عن تأييده وإعجابه برؤية حفتر التى تميل إلى إعادة الاستقرار إلى ليبيا بالقوة العسكرية.
أما أوروبا فقد غيرت موقفها بعد وضوح نية تركيا فى السيطرة على ليبيا.. لم تعد مساندة للسراج.. وأيدت حفتر وكانت حجتها وقوفه حاجزا أمام الجماعات الدينية المسلحة.
وكانت فرنسا وإيطاليا قد ساندت اليونان عسكريا ضد التهديد التركى خلال تنقيبها عن الغاز فى البحر المتوسط.
6- شعلة الغاز الحمراء تثير غضب الثور التركى!
والحقيقة أن الغاز كلمة السر فى الأزمات المعقدة التى شهدها شرق المتوسط بعد أن أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية فى عام 2010 عن وجود احتياطى غاز لا يقل عن 122 ترليون قدم مكعب وربما يصل إلى 220 قدم مكعب بجانب (1.7 ــ 3.7) مليار برميل نفط على مساحة تقدر بنحو 83 ألف كيومتر مربع (أنظر جمال طه: أسرار حرب الغاز).
وقبل ذلك لا يمكن تفسير ما يجرى فى المنطقة بعيدا عن رائحة الغاز.
سعت قطر لإسقاط النظام السورى حتى تمد خط الغاز منها إلى أوروبا ولم تعبأ بتخريب دولة عربية وقتل نصف مليون من أهلها وهجرة ستة ملايين آخرين خارج حدودها.
وتكرر الموقف القطرى فى ليبيا فلم تتردد فى دعم حلف الناتو للتخلص من نظام القذافى كى لا يفكر فى مد خط للغاز إلى أوروبا وخلفت وراءها دولة تسيطر عليها الفوضى.
واشتعلت الاضطربات فى إيران حتى تتراجع عن بناء خط الغاز إلى أوروبا.
وبوجود الغاز تحت مياه المتوسط فى مصر وإسرائيل واليونان وقبرص دون مؤشرات عن وجوده فى تركيا جن جنون أردوغان وحاول التنقيب عنه بالقوة فى المنطقة الاقتصادية لقبرص بدعوى أن الجزيرة بها قسم تركى متناسيا أنه لا أحد يعترف بذلك الجزء سوى تركيا.
ولم يكن أمامه سوى استغلال الفوضى فى ليبيا والتسلل إليها وتوقيع مذكرة تفاهم بينه وبين السراج تضم بمقتضاها المياه الإقليمية للبلدين مما يتيح له التنقيب عن النفط فيها.
وليس النفط وحده ما يغرى أردوغان للسيطرة على تركيا فهناك اتهام بسرقة الذهب من البنك المركزى الليبى ونقله إلى البنك المركزى التركى كما أن الاحتياطى النقدى الليبى لا يقل عن 160 مليار دولار.
ونأتى للسؤال الصعب: هل تتطور الأزمة إلى حرب ساخنة؟
ولو كانت الحرب الساخنة لا تزال خيارا بعيدا عن أذهان كافة الأطراف ــ كما تعتقد أوروبا ــ فكيف نتخلص من الوجود التركى فى ليبيا؟
إن ليبيا تتفجر بجماعات مسلحة من جنسيات مختلفة وشركات عسكرية مقاتلة مستأجرة مما يزيد من صعوبة استقرارها وتخفيف حدة الفوضى الضاربة فى جوانبها ولكن يبقى البرلمان المؤسسة الشرعية الوحيدة التى يجب دعمها بجانب الجيش الوطنى الليبى.
لقد نجح الجيش الوطنى الليبى فى تدمير طائرات تركية بدون طيار وأوقف سفنا مدنية تحمل أسلحة تركية ويمكنه أن يحكم السيطرة على البلاد ولو بعد حين وإذا ما تلقى ما يحتاج من أسلحة ثقيلة وطائرات وأنظمة دفاع جوى، أما البشر الذين سيقاتلون بجانبه فيجب أن يكونوا ليبيين بمئات الآلاف يمكن تسلحيهم وتدريبهم على حرب استنزاف تنهك القوات (أو العصابات) التركية وتوقع بها خسائر مادية وبشرية لن تجبرها على الانسحاب فقط بل ربما ستسقط أردوغان أيضا.
ولابد أن تحشد الدبلوماسية العربية الدول الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة لتحسم موقفها بعد تقديم الأدلة التى تثبت أن مصالحها معنا وليست مع تركيا ولو شئنا مزيدا من التأثير فإن من المناسب أن تكون الاتصالات على مستويات أعلى من السفراء.
وبصورة عاجلة يدفعنا المنطق إلى الاعتراف بأن المجازر التركية التى ارتكبتها تركيا ضد الأرمن إبادة جماعية كما سبق واعترفت أوروبا والفاتكيان والولايات المتحدة.
إن مثل هذا الاعتراف سيضاعف من حالة الغضب السريع التى أصبحت أشهر أمراض أردوغان السياسية والبدنية.
ودون ذكر التفاصيل هناك أيضا الورقة الأكثر تأثيرا على أردوغان: ورقة الأكراد.
ولابد من التعامل ولو بطريقة غير مباشرة مع المعارضة التركية التى لا تجد مبررا لتصرفات أردوغان فى المنطقة حتى إن زعيمها كمال كيليتشدار كثيرا ما وصف أردوغان بأنه كذاب وكثيرا ما استنكر إصراره على العداء مع مصر.
إن توضيح الحقائق وكشفها سيساعد المعارضة التركية على حشد الناخبين ضده خاصة أن حزبه (العدالة والتنمية) لم يعد بالقوة التى كان عليها منذ سنوات قليلة.. خسر كثيرًا من مقاعده فى انتخابات المحليات.. وخرج خلالها كثير من رموزه وأسسوا أحزابا مستقلة عنه كما خسر كثيرًا.
ولابد أن يدرك الشعب التركى أن وجود أردوغان على رأسه سيفقده الكثير إذا ما قلت الاستثمارات العربية فى تركيا أو حوصرت الاستثمارات التركية فى البلاد العربية.. وإذا ما قاطع العرب السياحة فى تركيا.. وأعطوا ظهرهم لبضائعها.
إن هناك الكثير الذى يمكن به الإجهاز على أحلام ترامب أو إعادته إلى حدوده خائبا منكسرا مثل طاووس فقد ريش جناحيه فمات كمدا قبل أن يموت سياسيا.