"برلماني سابق كلمة السر والتماثيل تُباع حسب الحجم".. "الفجر" تكشف مافيا التنقيب عن الآثار بأبو رواش

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


كثيراً من الأقاويل تدور حول منطقة" أبو رواش" بمحافظة الجيزة بشأن سرقة وبيع الآثار علنياً في الشارع وكان أخرها "بيان برلماني" تم تقديمه لمجلس النواب، حول عملية التنقيب عن الآثار، وتعرض العديد من المناطق الآثرية بالمنطقة للسرقة والنهب، والتدميرعلى يد بعض العصابات بمساعدة بعض من أهالي المنطقة، بإستخدام لوادر ومعدات ثقيلة.

"الفجر" زارت المناطق التي خرجت بشأنها، ورصدت وقائع الحفر العلني في المنطقة، وأبرز المناطق التي يتم التنقيب فيها، وكذلك تحدثنا إلى عدد من الأهالي بشأن عمليات التنقيب ومراحلها.

عقارب الساعة تجاوزت الثالثة عصرًا، كنا على أعتاب قرية "أبو رواش" التي تقع على بعد 6 كم من مدينة الجيزة وتتبع مركز ومدينة كرداسة، كان الجو هادئاً للغاية، جميع السكان في منازلهم، فتلك القرية لا يخرج مواطنيها كثيراً  إلى الشارع.

كلما صادفنا منزل، وطرقنا بابه كان الأهالي يرفضون الحديث إلينا عن عمليات التنقيب عن الآثار، بحجة أن تلك الأقاويل شائعة في القرية ولكن الحديث عنها محظور تماماً حرصاً على سلامة العائلات، وخوفاً من بعض التهديدات التي يتلقاها البعض إذا تحدث عن الأمر.

بعد البحث قرابة ساعتين متواصلتين، في تلك القرية التي يغلب عليها الطبيعة الصحراوية، صادفنا واحداً من سكان القرية والذي يدعى "ع.ب"، وهو أحد السكان الأصليين لمنطقة أبو رواش، حيث يعيش هناك منذ 46 عاماً، ويعرف أسرارها جيداً، ووافق على التحدث إلينا، وروي لنا حكايات كثيرة من عمليات التنقيب التي تتم في العلن وتحديداً في "جبل أبو رواش" الذي تكثر فيه عمليات التنقيب باللوادر، كما رافقنا في رحلة لبعض المناطق التي يتم التنقيب فيها.

جبل أبو رواش.. نائب برلماني من الحزب الوطني المنحل يسيطر على الحفر
قادنا الدليل" ع.ب" إلى محطتنا الأولى التي يتم التنقيب فيها عن الآثار "جبل أبو رواش"، فهو أحد المنابع الغنية بالآثار الفرعونية، ويتم بداخله عمليات حفر وتنقيب من بعض الأهالى بحثا عن آثار وذلك في ظل تجاهل وغياب الرقابة من وزارة الآثار والحكومة.

بمجرد أن صعدنا إلى الجبل وجدنا عدة بؤر عميقة  محفورة بعناية، وأخبرنا الدليل "ع"  حينها: "أن تلك البؤر هي الحفر التي يقوم بها العصابات من أجل البحث عن الآثار"، متابعاً أن ذلك الجبل يتواجد في المنطقة منذ عهد الأسرة الرابعة الفرعونية وبالتحديد أسرة الملك خوفو، ويوجد بالجبل معبد للفرعون " دجيدف رع" أحد ملوك الأسرة الرابعة، والذي شيد هرماً صغيراً له بمنطقة أبو رواش ولكنه لم يكتمل، وهذا الجبل غني بالآثار التي لم تكتشف بعد لهذا يحاول اللصوص الذهاب ".

وذكر "ع" في حديثه لـ"الفجر": أن الجبل يتم التنقيب فيه من قبل رجال تابعين نائب برلماني من الحزب الوطني المنحل، والعصابات تبدأ عملها ليلاً بالمطارق حيث يصعد أتباعهم إلى الجبل، ويستخدمون عربات وأجهزة ومجسات محترفة وأصوات التنقيب نسمعها يوميا، وفى بعض الأحيان عندما تكون الأحجار كبيرة يستخدمون اللوادر والكسارات والمعدات الثقيلة فى الحفر، وكانوا يستأجرونها فى البداية ثم أصبح البعض منهم يمتلكها بعد ذلك، وهناك بعض الشباب من القرية يعملون مع المنقبين ويمنعون المواطنين من الصعود للجبل.







شباب يساعدون في التنقيب مقابل 2000 جنيه في الليلة 
بينما كنا نتجول أعلى الجبل، لحق بنا شابان في مقتبل العمر يبلغ كل منهما 18 عاماً، ليتسائلوا عن سبب صعودنا إلى تلك المنطقة فأخبرناهم أننا نرغب في مشاهدة المعبد المشيد أعلى الجبل، فأجاب أنه ممنوع التجول أعلى تلك المنطقة الجبلية نظراً لخطورتها.

حينها قال الدليل"ع .ب": "من الأفضل النزول حالياً، لأن الشباب يعملون مع النائب، ويساعدون في التنقيب بمقابل مادي، ويقومون بحراسة تلك المناطق حتى لا يصعد إليها الغرباء، ويشاهدون ما يتم البحث عنه".

أثناء رحلتنا للنزول من الجبل سألنا واحداً من هؤلاء الشباب عن عمره، فأخبرنا أنه يبلغ من العمر 18 عاماً، ثم استفسرنا عن سبب اهتمامه بهذا الجبل، فقال: "الجبل لقمة عيش ليا ولعيلتي، إحنا هنا بنساعد الناس اللي بيحفروا، والليلة الواحدة بناخد فيها من 500 إلى 2000 جنيه، وده رزق حلو لينا ولأهلنا، لأننا خرجنا من المدارس وبنعتمد على إيدينا علشان نجيب اللقمة ونصرف على أهلنا".

ثم تابع الشاب الذي أخبرنا أن اسمه"أ.ع"، أن ذلك الجبل يحوي العديد من القطع الأثرية المدفونة بداخله، ويتم بيعها للأجانب وبعض الأثرياء العرب عن طريق وسطاء يتعاملون مع المنقبين، ولكن تلك الاتفاقات تتم بين المسيطرين على المنطقة وعمليات الحفر، ويتم بيع القطعة حسب حجمها وآثريتها وتكلفة التمثال الواحد الصغير يصل إلى 20 مليون جنيه أما التماثيل الكبيرة  فبعضها يصل إلى 100 مليون جنيه ويتم تحديدها بواسطة خبير آثري يتم التعامل معه.







أهالي يشيدون منازل مخصصة من أجل التنقيب عن الآثار
وعندما عدنا إلى أسفل المنطقة الجبلية مرة أخرى، قابلنا أحد السكان القاطنين أمام الجبل، سألنا في البداية حول  سر تواجدنا بالأعلى، فأخبرناه أننا سمعنا أقاويل متداولة عن محاولات تنقيب عن الآثار في المنطقة، وجئنا لنبحث في حقيقة هذا الأمر، فأجاب: "ده حقيقي فيه عصابات كتير وناس بتطلع فوق الجبل بليل والناس نايمة تدور على الآثار، وياما بلغنا عنهم بس محدش سأل فينا".

صمت الرجل ثلاثيني قليلاً ثم استكمل حديثه، موضحاً: "أنه في عام 2011، تقدم ببلاغ للنائب العام بتاريخ 19/10/2011 ضد عصابات تقوم بالبحث عن الآثار في الجبل، وحمل البلاغ رقم 449 لسنة 2011، وذلك من أجل إحكام السيطرة على المنطقة، ومنع التنقيب فيها، ولكن لم يحدث شئ حتى الآن".

وتابع في حديثه لـ"الفجر" أنه حصل على قطعة حجرية آثرية سقطت من أحد العصابات أثناء النزول من الجبل، وقام بالإبلاغ عنهم، ولكن لم يتم الاستجابة لشكواه، حتى أن زوجته تعرضت للإيذاء على يد واحد من أفراد العصابات، بعد ضربها بسكين فأصابها بجرح قطعي ناحية العنق، ونُقلت للمستشفى، حتى تم علاجها، وحينها قرر الأ يتعرض لهؤلاء الأفراد ثانية، لأن الأمر كاد أن يودي بحياة زوجته".







وأضاف "أبو. س" أن بعض العائلات تقوم ببناء عدد من المنازل إلى جوار بعضها على مساحات من الأراضي "بوضع اليد" من أجل التنقيب عن الآثار، متابعاً: "كل اللي يلاقي حتة أثار، بنلاقيه مرة واحدة بنى بيت كبير ويختفي فترة عن العين علشان محدش يسأله من أين لك هذا، وفيه ناس مكنوش لاقيين اللقمة مرة واحدة بقى عندهم بيوت وأراضي، وأكتر ناس من دول موجودين ناحية المنطقة الصناعية لأن فيها آثار ياما فأصحاب المصانع بيحرفوا جوا مصانعهم علشان يطلعوا آثار".






"المنطقة الصناعية بأبو رواش" كانت محطتنا التالية بعد أن نبهنا إليها "أبو .س"، فعلى بعد عدة أمتار من المربعات السكنية، نجد المنطقة الصناعية، والتي ضمت بين شوارعها العديد من المصانع المتخصصة في صناعة الصابون وصناعة الأدوات المنزلية، وورش تصليح السيارات.

للوهلة الأولى تظن أن تلك المنطقة طبيعية جداً، لا يحدث بها شئ مثير للاهتمام، فالعمال في كل مصنع يقومون بأعمالهم المعتادة في مصانعهم، ولكن هناك عدد من المصانع المغلقة تماماً، ربما تظن في البداية أن أصحابها في أجازة، ولكن الأمر طوى بداخله شئ أخر.

بدأنا نتجول في تلك المنطقة، وسألنا بعض العمال حول عمليات التنقيب العشوائي عن الآثار، في البداية كان يخشى البعض الحديث إلينا، ونظرات الريبة تعلو وجوههم، حتى صادفنا واحداً ممن يمتلكون ورشة إصلاح سيارات يدعى "ك.ع"، والذي تحدث إلينا بشأن تلك العمليات المشبوهة في المنطقة.

في البداية أخبرنا"ك"، أنه يعيش في منطقة "أبو رواش" منذ 50 عاماً، حيث ورث مهنته عن والده، متابعاً: "المنطقة فعلاً ميانة آثار، وفيه أصحاب مصانع جم المنطقة مخصوص وخدوا فيها ورش علشان يدوروا فيها، وفيه اللي لقى فعلاً، وفيه اللي اتقبض عليه".

تابع"ك.ع" حديثه لـ"الفجر" قائلا: "من حوالي 4 شهور الشرطة قبضت على واحد اسمه (إبراهيم.د.م) صاحب مصنع للأدوات المنزلية، بعد ما لقوه بيحفر في المصنع بتاعه علشان يلاقي آثار، وكان معاه ناس كتير حوالي 10 عمال من المصنع، الموضوع عمل دوشة في المكان، والكل خاف أنه يفحت ليتقبض عليه، بس فيه ناس لقت حاجات".

وأضاف أربعيني العمر: "فيه لوادر وحفارات بتيجي هنا المنطقة كتير، واحنا بنبقى عارفين إنهم بيدوروا على آثار، ومن فترة قبضنا على جماعة كانت بتنقب عن آثار وسلمناهم للشرطة، وفعلاً كانوا لقوا تماثيل، والشرطة خدتها، حتى فيه ناس طلعت تماثيل بس الشرطة حرزتها كلها، وبعد ما مشيوا كان فيه مشغولات فرعونيه زي العقد كده لقيناها مرمية في المكان خدناها احتفظنا بيها كزينة".







ثم اصطحبنا، الرجل الأربعيني في جولة إلى بعض الأراضي التي يتم التنقيب فيها، وبالفعل وجدنا مساحات من الأراضي التي يقف بها عدة لوردرات وحفارات، تقوم بنبش الأرض على أعماق هائلة، قمنا بإلتقاط الصور لتلك المنطقة، ثم أخبرنا "ك.ع" أن علينا العودة سريعاً حتى لا ينتبه إلينا العمال وأصحاب الأراضي، ونتسبب في مشكلة معهم.







بعد ذلك توجهنا لورشة تصليح السيارات مرة أخرى، ثم أخبرنا "ك"، أن عملية التنقيب هنا تعتمد على شيوخ، حيث يرافق أصحاب الأرض شيخ، ثم يحضر عدد من من مواسير الفايبر الدائرية، ويقوم بالحفر في المنطقة المحددة، ويتم تلك المواسير في منطقة الفحت حتى تهبط الرمال، ثم يتم حقن التربة بمواد من أجل تجميد  المياه الجوفية.

وفي المرحلة التي تليها يتدخل الشيخ، إذا كانت لديه القدرة للحديث مع عمار المكان "الجان" المسئول عن المقبرة، وإقناعه بتركها بعد الاستماع لطلباته وتنفيذها ثم يقوم الفرد باستخراج كنزه، متابعاً أن بعض الشيوخ يقومون بقتل الأطفال كي يكونوا قربان للجن، وهناك بعض الحوادث التي وقعت لأطفال في المنطقة بسبب عمليات التنقيب.

السجن المشدد عقوبة التنقيب
وفي هذا السياق، يقول عمرو عباس أستاذ القانون الجنائي، أن قانون الآثار الجديد الذي تم تعديله العام الجاري، أوصى بالسجن المشدد لمن يقوم بالتنقيب عن الآثار أو الكنوز.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن المادة "42"من قانون حماية الآثار أوصت  بفرض عقوبات على أفعال محددة  بقصد التهريب أو الإتيان بأفعال عمدية من شأنها هدم الأثر أو تشويهه أو تغيير معالمه أو فصل جزءاً منه أو الحفر  للحصول على الآثار دون ترخيص.

وتابع أن العقوبة هي السجن المشدد لكل من قام  بالحفر خلسة أو بإخفاء الأثر أو جزء منه بقصد التهريب، ويحكم فى جميع الأحوال  بمصادرة الأثر والأجهزة والأدوات والآلات والسيارات المستخدمة فى الجريمة لصالح المجلس وذلك دون الإخلال بحقوق الغير حسن النية.